الوهم واللا انتباه

يصف علم النفس البوذي الطريقة التي يعمل بها الوهم في حياتنا. ان احد اشكال الوهم هو عدم الانتباه ويمكن ان نسمي ذلك بوهم النسيان. ينشأ وهم النسيان عندما لا نلاحظ ما يحدث وعندما نفقد التفكير اي نكون انصاف نيام وهو مثل تجربة القيادة الى وجهة وإيقاف السيارة لندرك بعدها اننا لا نتذكر القيادة بأكملها. او كما قال احد الاصدقاء في احد المطاعم بعد ان التهم طبق الطعام، “ليس لدي اي فكرة أين ذهبت الوجبة او من أكل هذا!”.

مع الوهم نعيش حياتنا على الطيار الآلي

مع الوهم نعيش حياتنا على الطيار الآلي. نسير في الشوارع ونعود الى المنزل دون تسجيل ما يحدث واين نحن. وفي يوم عاصف لا نرى السحب الغائمة ورذاذ المطر عند اقدامنا ووهج النوافذ عند الشفق. ونفتقد التألق في الهواء في الصباح الربيعي المشمس. حتى اننا لا نرى وجوه أحبائنا عندما نصل المنزل. وهكذا تختفي فترات كاملة من حياتنا في نشوة الوهم.

نعيش في ثقافة الإهمال المزمن

نعيش في ثقافة الإهمال المزمن التي تغذيها وتيرة الهيجان للحياة الحديثة. تدفعنا مدارسنا وأماكن عملنا إلى القيام بمهام متعددة، ويصبح اهتمامنا المجزأ سريعاً وسطحياً. وبسبب هذا الحث، اصبحنا نشعر بالملل والقلق وعرضة للإدمان بكل اشكاله.

وكما تشير المؤلفة (آن ويلسون شايف)، “ان من مصلحة المجتمع الاستهلاكي الترويج لتلك الأشياء التي تُلهينا وتبقينا مشغولين بمشاكلنا ومخدرين قليلاً ونشبه الزومبي”. ولسوء الحظ فإن ما يقبله علم النفس الغربي عموماً على أنه “طبيعي” يمكن أن يعني في الواقع أننا نعمل على مستوى كبير من الوهم. ويمكن أن يحدث هذا الوهم حتى عندما نبدو ناجحين ظاهرياً ونملك كل شيء يُشترى بالمال بينما نعاني من نقص عميق في السلام الداخلي.

إن التدرب على اليقظة يوقظنا من نشوة الوهم

ان التدرب على اليقظة يوقظنا من نشوة الوهم. إذ تنقلنا اليقظة من الخيال الى الرؤية الواضحة. ومن دون اليقظة يتفاعل العقل المخدوع كالمعتاد ويستوعب التجارب الممتعة دون وعي ويرفض التجارب غير السارة. من الصعب أن نرى الوهم يتجاهل التجربة المحايدة.

وعندما تكون الأشياء محايدة، فإننا نشعر بالملل والمباعدة بيننا لأننا مؤهلون ثقافيًا للبحث عن مستويات عالية من التحفيز. لذلك فنحن نفتقد الحياة الكامنة وراء التجارب المحايدة التي تشكل معظم يومنا. وبعد ذلك، عندما ينمو انتباهنا، يصبح ما يبدو محايدًا أو مملاً ممتليء بثراء غير مرئي.

أول فعل لليقظة هو ملاحظة الأوقات التي تظهر فيها عندما نواصل العمل آلياً

وبدلاً من محاولة تبديد الوهم، فإن أول فعل لليقظة هو ببساطة ملاحظة الأوقات التي تظهر فيها عندما نواصل العمل آلياً. يمكننا أن نهتم بنقص الوعي. وللقيام بذلك، يمكننا البحث بتأنِ عن مجالات حياتنا الأكثر فقداناً للوعي. سنلاحظ كيف يأتي الوهم جنبًا إلى جنب مع القلق والتشتت والسرعة والإدمان. إنه تحدٍ لعاداتنا بأن نهتم بالوهم. وبينما نفعل ذلك سنبدأ بالاستيقاظ.

النعاس والبلاهة من أعراض الوهم

ان النعاس والبلاهة من أعراض الوهم. على المستوى البيولوجي، يأتي النعاس عندما نتعب ونحتاج إلى التجديد. عندما يجرب الناس الانزواء لأول مرة، غالبًا ما يقعون في نوم مستحب ومرهق حالما يبدأون في التأمل. على الأقل هي فرصة للهدوء، إذ يعبر الجسم عن احتياجاته.

وان هذا النعاس الصحي هو استجابة طبيعية ويجب احترامه. في بعض الأديرة يسمى هذا النوم “جنة الرجل الفقير”. لكن في بعض الأحيان يكون النعاس والبلادة مجرد وهم. فهي مثل وكر الأفيون الموجود في العقل، تجلب النسيان المغري الذي يذهب ليتحقق ولكن لا يريد ان يرى.

عندما نعيش في الوهم نحكم على الآخرين دون وعي منا

عندما نعيش في الوهم فإننا نتجاهل او نحكم على الآخرين دون وعي منا. نفتقد جمالهم الداخلي. كذلك لا نرى آلامهم ولا يمكننا الاستجابة لهم عاطفياً. ومع عدم الانتباه، لا نرى وجبة الطعام التي أمامنا ولا موكب المارة ولا المشهد المتغير بإستمرار ولا التواصل المفتوح مع العالم. مع اليقظة، يمكننا أن نستيقظ من الوهم. يمكننا أن نعيش بشكل كامل ويمكننا أن نحب أكثر ويمكننا أن نكون حاضرين وعلى قيد الحياة.

الكاتب (جاك كورنفيلد)

المقال للكاتب (جاك كورنفيلد) وهو راهب بوذي معروف قام بتدريس التأمل دولياً منذ سنة 1974. درس في المراكز والجامعبوذيات في جميع انحاء العالم حاصل على الدكتوراه في علم النفس السريري. تُرجمت كتبه الى 20 لغة وبيعت اكثر من مليون نسخة تُرجم المقال بواسطة د. راقي نجم الدين (استاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة، جامعة بغداد).

فيديو مقال الوهم واللا انتباه

 

أضف تعليقك هنا

د. راقي نجم الدين

د. راقي نجم الدين - العراق

دكتوراة في تقنيات التصميم