بعض الأدلة التي تسمي المصر على المعصية كافر

بقلم: محمد علي ناصر

الأدلة الخاصّة التي تنصّ على كفر صاحب المعصية 

والأدلة الخاصة هي التي تسمّي المخالفة الواحدة بذاتها كفراً ، والعامّة هي التي تعمّ جميع المعاصي ولا تخصّ معصية بعينها ، وقد سبقت مثل قول الله تعالى (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولّوا فإنّ الله لا يحبّ الكافرين)[آل عمران:32] فقد سمّى الله جميع المخالفات لأمره وأمر رسوله كفراً … والآن نسوق الأدلة الخاصة في هذا الدليل وما بعده.

قال سبحانه وتعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)[المائدة:44] فقد سمّى من لم يحكم بما أنزل الله كافراً ، وقال جلّ ذكره (ولله على الناس حَجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنّ الله غنيٌ عن العالمين)[آل عمران:97].

سمي من ترك الحج وتعلم السحر كافر

فسمّى من ترك الحجّ كافراً وهي معصية واحدة ، وقال تعالى عن تعلم السحر (وما يعلمان من أحدٍ حتى يقولا إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر)[البقرة:102] وقال الرسول (الساحر كافر)[أخرجه رزين عن ابن عباس] وقال (لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)[رواه البخاري عن جرير بن عبد الله بن جابر] وقال (من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر جهاراً)[رواه الطبراني عن أنس بن مالك] وقال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)[رواه مسلم وأحمد عن جابر بن عبد الله] وقال (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)[رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود] وقال (إذا كفّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما)[رواه مسلم عن ابن عمر].

من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك

وقال (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)[رواه الترمذي عن ابن عمر] وقال (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد)[رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي وهو على شرط الشيخين ولم يخرجاه] وقال (كفرٌ بالله ادعاءٌ إلى نسب لا يُعرَف وكفرٌ بالله تبرؤٌ من نسب وإن دقّ)[رواه الدّارمي عن أبي بكر الصديق] وقال (ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كَفَر)[رواه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي ذرّ].

وقال (أيُّما عبدٍ أبَقَ من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم)[رواه مسلم عن جرير بن عبد الله بن جابر] وقال (اثنتان في الناس هما بهم كفرٌ الطعن في النسب والنياحة على الميّت)[رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة] وقال (إنّ الرّقي والتمائم والتّولة شرك)[رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن مسعود].

سمى الله ورسوله أصحاب هذه المعاصي كفاراً

فقد سمى الله ورسوله أصحاب هذه المعاصي كفاراً(والله يحكم لا معقّب لحكمه وهو سريع الحساب) وهذه الأدلة تدّل على أنّّ المعاصي هي الكفر، وكيف لا تدّل على أنها كفر وقد سمى الله أصحابها كفاراً، فإذا كانت كلمة الكفر لا تدل على الكفر فأي عبارة وأي كلمة سَتَدلّ عليها.

ومثل هذه الآيات والأحاديث قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)[الحجرات:2] وقوله (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله)[رواه البخاري عن بريدة بن الحصيب] مع أنّه لا يحبط إلا عمل المشرك الكافر ، إذاً فالمعصية تحبط العمل مهما كان.

الخطاب المُوجّهٌ للصحابة المجاهدين بالنفس والمال

وهذا الخطاب مُوجّهٌ للصحابة المصلّين المجاهدين بالنفس والمال، وهو مثل خطابه تعالى لهم حيث قال (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل * إلا تنفروا يعذّبكم عذابا أليما ويستبدل قوماً غيركم ولا تضرّوه شيئا والله على كلّ شيءٍ قدير)[التوبة:39،38] فبمجرّد التثاقل عن الجهاد يستبدل قوماً غيرهم ويعذّبهم عذاباً شديدا.

ففي الآيات السابقة أخبر الله أنّهم إذا خالفوه ستحبط أعمالهم والآية واضحة، ومثل هذا المعنى قول الرسول (مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن)[رواه أحمد عن ابن عباس] نعم .. إنّ عابد الوثن متبع لأمر الشيطان .. ومدمن الخمر متبع لأمر الشيطان .. فكلاهما مشركَان ، وكذلك قول الرسول (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)[رواه الترمذي والحاكم عن الحارث الأشعري وهو على شرط الشيخين ولم يخرجاه] ويلحق بهذا المعنى قوله (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له.

ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)[رواه مسلم عن عبد الله بن عمر] ويلحق أيضاً بهذا المعنى قوله (لا تُساكِنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم)[رواه الترمذي عن سمرة بن جندب] وأيضاً قوله (من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال)[رواه البخاري عن ثابت بن الضحاك] فقد اعتبر الرسول من حلف بملّة غير الإسلام كما قال أي: خارجٌ إلى تلك الملة كأنْ يقول : هو يهودي أو نصراني إذا عمل كذا.

الكفر هو العصيان

وكلّ هذه الأدلة تعبّر عن كفر أهل المعاصي بمعصية واحدة ، إذاً فالكفر هو العصيان ، وقال الرسول (من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجعه)[رواه الحاكم عن ابن عمر وقال على شرط الشيخين ولم يخرجاه] ومن خلع ربقة الإسلام من عنقه فهو كافر وهي معصية واحدة.

ومثل هذا المعنى قول الرسول (من تشبّه بقوم فهو منهم)[رواه الترمذي وأحمد عن عبد الله بن عمر] وهذا الحديث مثل قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين)[المائدة:51] فسمّى سبحانه من تولّى اليهود والنصارى يهودياً أو نصرانياً بمجرّد ولائه لهم … وهي عبارة تدّل على خروجهم من الإسلام بمخالفة واحدة.

أقل شيءٍ يكون به الإنسان مسلماً هو أن لا يكون عاصيا ً

إذاً فأقل شيءٍ يكون به الإنسان مسلماً هو أن لا يكون عاصيا ً لله تعالى ورسوله ، وقال (ثلاث من الكفر بالله شقّ الجيب والنياحة والطعن في النسب)[رواه ابن حبان والحاكم عن أم الدرداء وقال على شرط الشيخين ولم يخرجاه] وقال (عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام من ترك منهن واحدة فهو بها كافر حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة المكتوبة وصوم رمضان)[كنـز العمال ومسند أبي يعلى عن ابن عباس] .

فهذه الأدلة مبيّنة لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل فقد سمى الله ورسوله فيها المخالفة الوحدة كفر، ولو أنّ واحداً من العرب سمى المخالفة الواحدة كفر لقالوا أنّ قوله حجة في التّسمية فما الظنّ بربّ العرب وما الظنّ برسول العرب إنّ الربّ هو العليم الحكيم الخبير وأحكم الحاكمين وهو بكلّ شيءٍ عليم ، والرسول هو الرسول المبين ، فقد سمى الله المعاصي كفراً وشركاً وبيّن أنّها تُحبِط العمل وتُخرِج من ملة الإسلام (فبأيّ حديث بعد الله وآياته يؤمنون).

ولقد قال المخالفون أنّ كلّ ما ورد في تكفير أهل المعاصي ظاهره غير مراد، ثم اختلفوا في المراد فمن قائل أراد الكفر الأصغر الذي لا ينقل عن ملة الإسلام .. ومن قائل أراد المستحلّ،ومن قائل أراد الكافر الأصلي،ومن قائل أراد الزجر والتأديب..إلى سبعة عشر قولاً.

نقل الشوكاني ستة عشر قولاً لحديث المقداد الواضح البيّن المبين

وقد نقل الشوكاني ستة عشر قولاً لحديث المقداد الواضح البيّن المبين حيث فيه أنّ المقداد قال (يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يديّ بالسّيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها فقال رسول الله (لا تقتله) فقال يا رسول الله إنّه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد ما قطعها فقال رسول الله (لا تقتله فإن قتلته فإنّه بمنـزلتك قبل أن تقتله وإنّك بمنـزلته قبل أن يقول كلمته التي قال).

الذي يتّضح من هذا الحديث

فالذي يتّضح من هذا الحديث أنّ الرجل كان كافراً فلو أسلم وقتله المقداد بعد إسلامه فإنّ قتل المسلم كفر وصار المقداد بذلك العمل كافراً ، ولا يحتاج ذلك إلى ستة عشر قولاً ..! ولكنهم لما وجدوا الحديث يسمي قاتل النفس كافراً وإن كان القاتل هو المقداد … المصلّي الصائم الطائع المجاهد في سبيل الله:

كَبُرَ عليهم تحكيم الحديث الذي لا يستطيعون إنكاره مطلقاً ، فأنكروا معناه وأصبح الحديث عندهم كما قالوا “ظاهره غير مراد” والمراد في ستة عشر قولاً .. وصار الحديث لا معنى له ولا معمول عليه كبقية الآيات والأحاديث التي أوّلوها ، إذ صحّ عندهم أنّه لو قتل المقداد الرجل بعد إسلامه فلا يسمّى المقداد كافراً.

من قتل مسلماً فهو كافر

والحقّ ما نطق به الرسول أنّ من فعل هذه الأفعال فهو كافرٌ مشركٌ خارجٌ من ملة الإسلام والذي جعلهم يقولون له مسلمٌ هو ما قعّدوا لأنفسهم أنّ المسلم هو من نطق الشهادتين ، ولو صحّت هذه القاعدة كان عليهم أن يقولوا أنّ هذه المخالفات تنقض الشهادتين.

والدليل على ذلك أنّ الرسول قد سمى هذه المخالفات كفراً وسمى أصحابها كفاراً .. فعلى أصحابها لكي تكون شهادتهم صحيحة أن لا يأتوا بناقض ينقضها ، والنواقض هي التي سماها الله ورسوله كفراً وشركاً أو بيّن أنّها تنفي الإيمان أو توجب اللعنة والخلود في النار أو تحرّم على المرء دخول الجنة .

وأقول وأجزم وأؤكد ذلك القول أنّه لو كان الرسول يريد معنًى غير ما نطق به لما أعياه ذلك ، بل يجب عليه البلاغ المبين ، فلو كان من سماهم كفاراً لمعاصٍ ارتكبوها ليسوا كفاراً بل هم مسلمون لأخبرنا بذلك ، لأن القول بأنّهم مسلمون يتضمّن أنّ الرسول لم يبلّغ البلاغ المبين وإنّما هم الذين بيّنوا ووضّحوا.

جزاء الكافر

وحاشا رسول الله فقد ترك الناس على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها ، وقد قال الله (اليوم أكملت لكم دينكم)[المائدة:3] وقال (قد تبين الرشد من الغي)[البقرة:256] وقال (وما كان ربك نسياً)[مريم:64] ونقول لمن قال أنّ الكفر كفران قال الله تعالى (والذين كفروا لهم نار جهنّم لا يُقضَى عليهم فيموتوا ولا يخفّف عنهم من عذابها كذلك نجزي كلّ كفور)[فاطر:36] فالكافر هذا جزاؤه .. ولكن ما تغني الآيات والنذر عن قومٍ يحرّفون الكلام عن مواضعه.

يتمّ الكفر باتباع بعض ما يسخط الله سبحانه وتعالى

ولننظر إلى هذه الآية المباركة والتي تبيّن أنّه يتمّ الكفر باتباع بعض ما يسخط الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى (إنّ الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سوّل لهم وأملى لهم * ذلك بأنّهم قالوا للذين كرهوا ما أنزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم * فكيف إذا توفّتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم * ذلك بأنّهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم) [محمد:25-28].

فهؤلاء القوم قد ارتدّوا لا عن جهل وعدم علم وإنّما ارتدّوا بعد أن تبيّن لهم الهدى ، ولكن كيف كانت ردّتهم ..؟ لقد كانت بأن قالوا للذين كرهوا ما نزّل الله سنطيعكم في بعض الأمر، ولم يكن هذا القول مما هو معروفاً بل كان ذلك القول وذلك الفعل مما يسخط الله ، وتلخّص القضية في أنّهم قالوا سنفعل بعض ما يسخط الله وهم يعلمون أنّ ذلك يسخط الله فكانوا بذلك كافرين ، وأما حال المؤمنين الذين قال الله فيهم (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)[محمد:17] فماذا عساهم أن يكونوا بعد ذلك – بعد أن آتاهم تقواهم – إلا مهتدين.

لا يغيب عن ذهنك أخي المسلم قوله تعالى:

ولا يغيب عن ذهنك أخي المسلم قوله تعالى (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون * ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أُسارى تفادوهم وهو محرّم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافل عما تعملون * أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) [البقرة:84-86].

فقد سمّى الله ما عملوا به من الكتاب إيماناً به وما تركوا العمل به كفراً به فاستحقوا أشدّ العذاب ، إذاً فالمخالفة لبعض الكتاب كفرٌ لأنّ الكفر بالبعض كالكفر بالجميع من حيث حكم الكفر . فالذي نقطع به من خلال هذه الأدلة أنّ الحد الأدنى للإسلام هو التزام كلّ الفرائض واجتناب كلّ المحارم ومن ترك فرضاً أو ارتكب محرماً فليس مؤمناً بل هو الكافر.

بقلم: محمد علي ناصر

 

أضف تعليقك هنا