بعض الأدلة العامة التي تبين أن أقل شيء يكون به الإنسان مسلم هو التزام كل الفرائض واجتناب كل المحارم

بعض الأدلة العامة التي تبين أن أقل شيء يكون به الإنسان مسلم هو التزام كل الفرائض واجتناب كل المحارم..بقلم: محمد علي ناصر النوامي..موقع مقال

بقلم: محمد علي ناصر النوامي

وهذا الدليل من الأدلة التي نستدلّ بها على أنّ المسلم هو الملتزم جملة الفرائض والمجتنب جملة المحارم، والأدلة هنا تنفي الإيمان عن الإنسان بمجرّد مخالفة واحدة ، وهذا يعني أنّه لا يصحّ الإسلام إلا بالتزام جملة الفرائض واجتناب جملة المحارم لأنّ الناس فريقان إمّا مؤمن وإمّا كافر.

قال تعالى (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن)[التغابن:2] وقال تعالى (أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً)[الأحزاب:19] فمن لم يكن مؤمنا فإنما هو كافر محبوطٌ كلّ عمله،وعلى ذلك فقد نفى الله ورسوله الإيمان عن كلّ صاحب معصية كقول المولى تعالى (ويقولون آمنّا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولّى فريقٌ منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين)[النور:47].

 الآيات القاطعة في نفي الإيمان عن كلّ متولٍّ عن أيّ طاعة

فهذه الآية قاطعة في نفي الإيمان عن كلّ متولٍّ عن أيّ طاعة .. ولو ادّعى الإيمان والطاعة فقد نفى الله عنه الإيمان بأبلغ عبارة (وما أولئك بالمؤمنين) فهذا حكم الله في كل متولٍّ ، وهذا دليل على أن الإسلام هو التزام طاعة الله سبحانه وتعالى ، ولما كانت المعاصي فسقاً فإنّ الله يقول (كذلك حقّت كلمة ربك على الذين فسقوا أنّهم لا يؤمنون)[يونس:33].

 الأدلة الخاصة التي تنفي الإيمان بمجرد مخالفة واحدة

ومن الأدلة الخاصة التي تنفي الإيمان بمجرد مخالفة واحدة قوله تعالى (فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)[النساء:65] فقد أقسم المولى بعزّته وجلاله أنّه لا يكون الإنسان مؤمناً حتى يُحَكّم الرسول في كلّ شيء ويرضى به تمام الرّضى ويسلّم له كلّ التسليم ، فمن لم يقبل حكم الله ورسوله ويرضى به تمام الرّضى ويسلّم له كلّ التسليم فليس بمؤمن وإنّما هو كافر ، وهذا دليلٌ على أنّ المعاصي هي الكفر وأنّ المعاصي مناقضة للإيمان الذي أراده الله من خلقه.

قوم لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر

وقال تعالى (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم)[المجادلة:22] فقد نفى الله الإيمان عنهم لمخالفة واحدة ، فهم بهذه المخالفة لا يؤمنون بالله سبحانه ولا باليوم الآخر بل نفى عنهم الإيمان بأسلوب النفي القاطع.

وهذا مثل قوله تعالى (ترى كثيراً منهم يتولّون الذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنّبي وما أنزل إليه ما اتّخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون)[المائدة:81،80],

من تولى الكفار فقد خرج من الإيمان بالله

إذاً فمن تولى الكفار فقد خرج من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه ، وهذا دليلٌ واضح أنّ المعاصي هي الكفر ، وقال جل ذكره (إنّما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون)[النحل:105] فقد نفى الله عنهم الإيمان بآياته سبحانه لمجرد الكذب.

إذاً فالكذب ضدّ الإيمان ، وقد جعل الله الاستئذان عن القتال مع القدرة عليه من علامات نفي الإيمان قال سبحانه وتعالى (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين * إنّما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهميتردّدون) [التوبة:45،44] .

الأفعال التي تنفي الإيمان كما وردت في الأحاديث

ومن الأحاديث قوله (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب حين يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد)[رواه البخاري عن أبي هريرة] وفي أخرى (لا يقتل القاتل حين يقتل وهو مؤمن ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يختلس خلسة وهو مؤمن يختلع منه الإيمان كما يخلع سرباله فإذا رجع إلى الإيمان رجع إليه)[رواه البزّار عن أبي هريرة].

وفي رواية للنسائي عن أبي هريرة بزيادة ( … فإذا فعل ذلك خلع ربقة الإسلام من عنقه فإن تاب تاب الله عليه) فهذا الحديث الصحيح واضحٌ في نفي الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والقاتل والناهب ، وزاد في رواية الغالّ ، إذاً فلا بدّ من الرجوع إلى الإيمان بالتوبة وهذا ما صرّحت به النصوص (والتوبة معروضة بعد – فإن تاب تاب الله عليه).

وهذا هو الوجه الصحيح للجمع بين هذه الأحاديث وبين حديث أبي ذرٍّ الذي فيه أنّ النبيّ قال لأبي ذرّ (ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قال: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق ، قال: وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر)[رواه البخاري عن أبي ذرّ الغفاري] فنقول (زنى .. سرق .. ثم تاب .. دخل الجنة) وأمّا من أصرّ .. فقد أصرّ على الخروج من الإيمان وهو في حالة المعصية كافر ، فلا بدّ من الرجوع عن الكفر بالتوبة النصوح.

أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم

وقال النبي (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)[رواه مسلم عن أنس بن مالك] وقال (من تولّى غير مواليه فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه)[رواه أحمد عن جابر بن عبد الله] وقال (لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له)[رواه أحمد عن أنس بن مالك].

وقال (والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا)[رواه مسلم والترمذي وأبو داود وأحمد واللفظ له عن أبي هريرة] وقال (لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه)[رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك] وزاد أحمد (من الخير) وقال (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن .. قيل ومن يا رسول الله؟ قال الذي لا يأمن جاره بوايقه)[رواه البخاري عن أبي شريح].

ليس المؤمن بالطّعان ولا اللّعان ولا الفاحش ولا البذيء

وقال (ليس المؤمن بالطّعان ولا اللّعان ولا الفاحش ولا البذيء)[رواه البخاري وأحمد والترمذي والحاكم والبيهقي وابن حبان عن عبد الله بن مسعود] وقال (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم)[رواه الطبراني وأبو يعلى عن ابن عباس] وفي أخرى للبزّار والطبراني عن أنس بن مالك أنه قال (ما آمن بي من بات شابعاً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم) وقال (لا إيمان لمن لا حياء له) وقال (الحياء والإيمان قرناء جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)[رواه الطبراني والحاكم وقال على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن ابن عمر] .

جملة الآيات والأحاديث التي نفت الإيمان بمجرّد معصية واحدة

فهذه هي جملة آيات وأحاديث قد نفت الإيمان بمجرّد معصية واحدة فمنها أقسم الربّ ومنها أقسم الرسول بالله .. أنّ أصحاب هذه المعاصي غير مؤمنين ، فأيّ كلام بعد كلام الله ورسوله يُصدَّق ، ولكن (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) يا قومنا هذا كتاب الهن وحديث رسوله ينفي الإيمان عن أصحاب المعاصي عموماً وخصوصاً (فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون).

يا قومنا أجيبوا داعي الله وصدقوا كلام رسوله ولا تتبعوا سنن اليهود والنصارى في تحريف الكلام عن مواضعه ، فمن أقسم الله ورسوله أنّه ليس مؤمناً تسمونّه مؤمناً ..! فأين تذهبون .. وبم تجيبون ربّكم ورسولكم ..؟ (أأنتم أعلم أم الله – والله يعلم وأنتم لا تعلمون) فهو الذي يعلم ، فبعلمه وحكمته وخبرته حكم على أصحاب هذه المعاصي بأنّهم غير مؤمنين وهذا يدّل على أنّ المعاصي لا تستقيم مع الإيمان.

ولماذا تقولون بقول من قال أنّ الله إنّما نفى عنهم كمال الإيمان ولم يقصد نفي الإيمان مطلقاً .. فهل قائل هذا القول أعلم أم الله (قل أتنبّئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض أم بظاهر من القول) فلو كان الله يريد نفي الكمال لأخبرنا بذلك ولم يحتج منّا أن نُنَبِّأه (وما كان ربّك نسياً) فهو لا يَضلّ ولا ينسى … ولماذا أقسم رسوله ثلاثاً أنّ أصحاب هذه المعاصي ليسوا مؤمنين ، وهم مؤمنون على قولكم.

ضربوا لكلام الله ورسوله المثال

ثمّ إنّهم ضربوا لكلام الله ورسوله الذي ينفي الإيمان عن أصحاب المعاصي مثلاً .. وهو أنّ شخصاً يقول عن ابنi : هذا ليس بابني ، وهو في الحقيقة ابنه ، فضربوا لكلام الله ورسوله المثال ، والله يقول (فلا تضربوا لله الأمثال والله يعلم وأنتم لا تعلمون – ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحقّ وأحسن تفسيراً):

فلا يحتاج كلام الله ورسوله لضرب أيّ مثال .. ولو صحّ ذلك المثال لصحّ أنّ بعض الآباء يقول لابنه تهديداً له سأقتلك ثم لا يقتله ، فعليهم أن يقولوا هذا في كلّ وعيد في حقّ الكفار ويبطلون بذلك كلّ الشرائع ، وكلّ من أتى بمثل أبطل شيئاً من الدين .. وهذا هو غاية الضّلال أن نعقّب على الله ورسوله فمن سمّاه الله كافراً نسميه مسلما.

ومن نفى عنه الإيمان نسميه مؤمناً ناقصاً بضرب من الأمثال (آلله أذن لكم أم على الله تفترون) فهل أذن ربنا بذلك .. وإلا فهو الافتراء والكذب ، قال ربنا (ومن أظلم ممّن افترى على الله الكذب وهو يُدعَى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين)[الصف:7]

السيئات تزيل الإيمان فلا بدّ من بعدها من الرجوع إلى الإيمان بتركها

وانظر إلى قوله تعالى (والذين عملوا السيئات ثمّ تابوا من بعدها وآمنوا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيم)[الأعراف:153] فالسيئات تزيل الإيمان فلا بدّ من بعدها من الرجوع إلى الإيمان بتركها، وقد مرّت نصوص عامّة وخاصّة تشفي وتكفي .. ولكن الله يقول (إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)[ق:37] وأمّا الذي سيقول كقول فرعون (قال فما بال القرون الأولى)[طه:51] فإنّه لا يستفيد بشيء.

أنت تقول له “قال الله وقال رسوله” وهو يردّ عليك بقوله (فما بال الأولين لم يقولوا بهذا القول – يعني كلامك – أأنت أعلم أو أفهم منهم ..؟) فهذه حجّة كل مقلّد ضالّ ، فالحكم لله العلي الكبير .. وكيف لا يُنفَي الإيمان بالمعاصي والرسول يقول (بحسب امرئ من الشّر أن يَحْقِر أخاه المسلم)[رواه مسام عن أبي هريرة].

لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ

ويقول (كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمّن يملك قوْته)[رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص] ويقول (لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ ولا يجتمع الصدق والكذب جميعا ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعا)[رواه أحمد عن أبي هريرة] ويقول (لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الأخر)[رواه مسلم وأحمد والترمذي عن أبي هريرة] فهذه أدلة واضحة تبيّن أنّ الإنسان يخرج من الإيمان بمعصية واحدة.

قسم الرسول الناس إلى صنفين بقوله

وقد قسم الرسول الناس إلى صنفين بقوله (إنّما هو مؤمن تقي وفاجر شقي)[رواه الترمذي وأحمد وأبو داود عن أبي هريرة] وقد ضعف الألباني في مشكاة المصابيح (ج1ص225) حديث (إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان).

ومن تتبع الآيات والأحاديث التي تنفي الإيمان بمجرّد مخالفة واحدة يجدها كثيرة، وحسبنا ما أوردناه ففيه الدليل الكافي لإثبات أنّ الإسلام التزام كلّ الفرائض واجتناب كلّ المحارم، ولله الحمد على الهدى.

بقلم: محمد علي ناصر النوامي

 

أضف تعليقك هنا