دور التذييلات القرآنية في نشر الثقافة الإسلامية

التذييل القرآني

هو أن يؤتى بجملة قرآنية لا محل لها من الإعراب، أو أكثر بعد كلام قرآني تام، لتقرره مفهومًا، ومنطوقًا، أو مفهومًا فقط، ليتأكد الكلام عند من فهمه، ويتضح لمن لم يفهمه.

وتتسم التذييلات القرآنية، وخاصة الجارية مجرى المثل منها:

  • بإيجاز عباراتها.
  • وعموم دلالتها.
  • فهي تجمع بين الإعجاب، والإعجاز، والإيجاز.

فلذلك تجد لها أثر السحر في التأثير على الناس، وإقناعهم، كما إن تناولها لقضايا ومبادئ إسلامية كلية؛ يعطيها سمات تجعلها صالحة لأن تكون معبرة عن الثقافة الإسلامية؛ كل ذلك يدعونا إلى الاهتمام بها، وإلى أن نوفيها حقها من الدراسة، والبحث، كما يدعونا لنشرها في الأندية الثقافية والاجتماعية وقاعات الدرس، وكذلك تسليط الأضواء عليها في المناهج التعليمية للبلدان الإسلامية.

السمات العامة للتذييلات القرآنية

ومن خلال دراستي وتتبعي للتذييلات القرآنية تبين لي أنها تتفق في سمات  عامة أهمها:

  1. العمومية فألفاظها تتسم بالعموم، وغالبًا ما يحذف فيها المفعول ومتعلقات الفعل لقصد التعميم.
  2. الإيجاز والاختصار.
  3. الاستقلال عما قبلها فغالباً ما يوضع فيها المظهر موضع المضمر لتقوية استقلال الجملة.
  4. أنها تتناول في الغالب قضايا إسلامية كلية ،أو أحكام شرعية عامة.

 

من أمثلة هذه التذييلات:

  • قوله تعالى: «الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ» [البقرة: 147] “بهذا التذييل الجامع لمعان سامية، طياً لبساط المجادلة مع اليهود في أمر القبلة، كما يقال في المخاطبات (دع هذا) أو (عد عن هذا)، والمعنى أن لكل فريق اتجاهاً من الفهم والخشية عند طلب الوصول إلى الحق. وهذا الكلام موجه إلى المسلمين أي اتركوا مجادلة أهل الكتاب في أمر القبلة ولا يهمنكم خلافهم؛ فإن خلاف المخالف لا يناكد حق المحق. وفيه صرف للمسلمين بأن يهتموا بالمقاصد ويعتنوا بإصلاح مجتمعهم”([1])
  • وقوله تعالى:« كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» [يونس: 24] أي: مثل هذا التفصيل نفصل أي نبين الدلالات كلها الدالة على عموم العلم والقدرة وإتقان الصنع. وهو تذييل جامع، قصد به الحض على التفكير والاعتبار والتدبر في ملكوت السماوات والأرض. ([2])
  • وقوله تعالى: «  وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» [النساء: 128] وهو تذييل للأمر بالصلح والترغيب فيه، وبيان أن الصلح خير من الفرقة ومن سوء العشرة ومن الخصومة. ([3])
  • وقوله تعالى: «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى » [البقرة: 237] تذييل والمقصود هنا العفو من حيث هو، ولذلك حذف المفعول، والخطاب لجميع الأمة، وجيء بجمع المذكر للتغليب، وليس خطابًا للمطلقين فقط. وعطف عليه تذييل ثان هو قوله تعالى: «وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ » [البقرة: 237]؛ لزيادة الترغيب في العفو بما فيه من التفضل الدنيوي، وفي الطباع السليمة حب الفضل. ([4])
  • وقوله تعالى: «  إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ» [الفجر:14] تذييل وتعليل لإصابتهم بسوط العذاب وفيه تثبيت للنبي ×  بأن الله ينصر رسله وتصريح للمعاندين بما عرض لهم به.([5]) وهو تمثيل لعموم علم الله تعالى بما يكون من أعمال العباد وحركاتهم ، بحال اطلاع الرصد على تحركات العدو والمغيرين ، وهذا المثل كناية عن مجازاة كل عامل بما عمله وما يعمله إذ لا يقصد الرصد إلا للجزاء على العدوان ، وفي ما يفيده من التعليل إيماء إلى أن الله لم يظلمهم فيما أصابهم به .([6])
  • وقوله تعالى: « وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»[البقرة:105]  تذييل لبيان أن الفضل يشمل إعطاء الخير والمعاملة بالرحمة ، وتنبيه على أن واجب مريد الخير التعرض لفضل الله تعالى، والرغبة إليه في أن يتجلى عليه بصفة الفضل، والرحمة؛ فيتخلى عن المعاصي، والخبائث، ويتحلى بالفضائل، والطاعات عسى أن يحبه ربه. ([7])
  • وقوله تعالى:  » إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ  » [البقرة:110]  تذييل مقرر لما قبله. وهو كناية عن عدم إضاعة جزاء المحسن والمسيء؛ لأن العليم القدير إذا علم شيئًا فهو يرتب عليه ما يناسبه؛ إذ لا يذهله جهل، ولا يعوزه عجز، وفي هذا وعد لهم يتضمن وعيدًا لغيرهم؛ لأنه إذا كان بصيرًا بما يعمل المسلمون كان بصيرًا بما يعمل غيرهم. (([8]
  • وقوله تعالى: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾[البقرة:191] تذييل أجرى مجرى المثل. وأل فيه للجنس تدل على الاستغراق، ولم يلتفت فيه إلى فاعلي المصدرين- الفتنة والقتل – ولا إلى مفعوليهما، إنما أكد أنّ ماهية الفتنة أشدّ من القتل ؛ لتحقيق العموم ؛ فكل مكان تتحقق فيه هذه النسبة كان داخلاً في العموم.([9])
  • ومن أمثلته قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء:28]؛ فقوله تعالى: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾”تذييل، وتوجيه للتخفيف، وإظهار لمزية هذا الدين؛ وأنه أليق الأديان بالناس في كل زمان، ومَكان”.([10])
  • ومن أمثلته قوله تعالى: ﴿  وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾[الضحى :11] ، “وليس المراد بنعمة ربك نعمة خاصة وإنما أريد الجنس؛ فيفيد عمومًا في المقام الخطابي، أي: حدث ما أنعم الله به عليك من النعم، فحصل في ذلك الأمر شكر نعمة الإغناء، وحصل الأمر بشكر جميع النعم؛ لتكون الجملة تذييلًا جامعًا”. ([11])

وغيرها الكثير من التذييلات الجامعة التي تحتاج إلى مزيد من العناية، والدراسة والبحث.

فهرس المفردات

[1]التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور (2/42).

[2]انظر: التحرير والتنوير(11/144)، تفسير الوسيط (7/73).

[3]انظر: التحرير والتنوير(5/216)، وتفسير أبي السعود (2/239)، روح المعاني (5/162).

[4]انظر: التحرير والتنوير(2/462).

[5]انظر: التحرير والتنوير(30/322).

-[6]  انظر: التحرير والتنوير (30/323).

[7]انظر: تفسير أبي السعود(1/142)، والتحرير والتنوير(1/654).

[8]انظر: التحرير والتنوير(1/654).

[9] –  انظر: تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (2/74)، والتحرير والتنوير (2/202).

– [10] التحرير والتنوير (5/22).

[11]التحرير والتنوير (30 /403).

فيديو مقال دور التذييلات القرآنية في نشر الثقافة الإسلامية

أضف تعليقك هنا