قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية (10) العربان

إن بلاد الشام كانت ومازالت موطناً أصلياً للعرب، فالعرب منذ فجر التاريخ يقطنون المنطقة الممتدة من جبال طوروس في الشمال حتى المحيط الهندي في الجنوب وينتشرون من العراق والخليج العربي إلى وادي النيل وليبيا والمغرب العربي حتى المحيط الأطلسي.

شكلت جزيرة العرب خزانا بشريا للعرب

ولأن جزيرة العرب شكلت خزاناً بشرياً للعرب حيث تتكاثر فيها القبائل العربية حتى تصل لحد الطوفان البشري فتفيض نحو الشمال لأنه المنفذ البري الوحيد أي باتجاه الشام والعراق ، وهذه القبائل كانت في الماضي تمثل دماً عربياً جديداً يبعث الحياة العربية من جديد في الشام والعراق كلما وقعت تحت سطوة الاحتلال الأجنبي الذي يسعى لتغريبها عن أصلها فتعيدها تلك القبائل الوافدة من جزيرة العرب لعروبتها وأصالتها.

والعثمانيون منذ أن سيطروا على الشام والعراق لم تكن علاقتهم جيدة بالقبائل العربية، وهم كثيراً ما غدروا بتلك القبائل ونكلوا بها، وذلك لإخفاء الوجه العربي للمنطقة، والعلاقة بين القبائل العربية والعثمانيين كانت فاسدة جداً في أيام البديري، وذلك بعد أكثر من مائتي عام على احتلال العثمانيين للبلاد، والقبائل العربية كثيراً ما كانت تقاوم العثمانيين وتتحصن في الصحاري المترامية الأطراف، فالعثمانيون سيطروا على الحاضرات ولم يتمكنوا من البوادي والصحارى، والقبائل العربية التي يذكرها البديري في مدونته هي بني صخر وعنزة والزبيد والفريخات وعرب الرشا وغيرهم .

أخطر ما قامت به العربان في العهد العثماني

وأخطر ما قامت به العربان في العهد العثماني كان غاراتهم على قوافل الحج وبالأخص الحج الشامي، والسبب في ذلك أن أمير الحج الشامي يكون نفسه والي دمشق الذي طالما شن عبليهم الحروب وجردوا ضدهم الحملات، فصار الحج واميرهم هدفاً لهم. وإليكم بعض الحوادث التي يذكرها البديري في مدونته والتي تتعلق بقبائل العرب:

أولاً – عرب الحجاز

يذكر البديري في مستهل مدونته عام 1154ه – 1741م مقتل ابن مضيان شيخ العرب بين الحرمين بعد قتال بينهم وبين والي الشام أمير الحج، وابن مضيان شيخ قبيلة حرب التي تقطن بوادي الحجاز.

وفي عام 1169ه – 1756م بلغ الخبر أن عرب الحجاز يحاصرون المدينة المنورة وأن الحصار له أكثر من شهرين، وقد هدموا ما حولها وقطعوا نخلها وضيقوا على أهلها، وأن الكرب الذي لحق بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تعهده منذ لجاهلية، فأرسل الباب العالي للوالي أسعد باشا بأن يتأهب لقتالهم، فلما خرج للحج تمكن من مصالحة العربان المحاصرين للمدينة بعد أن أعطاهم مئة كيس من المال فشكره الحجاج على ذلك.

ثانياً – عرب بني صخر

ويذكر البديري في عام 1155 ه – 1742م أن قبيلة بني صخر حملوا الحجاج  على جمالهم وكانت لهم خفارته، ثم يذكر في عام 1160ه – 1747م حدوث حرب بين بني صخر وعرب عنزة في بلاد حوران بسبب المنازعة على أغنام بعض القبائل.

ثالثاً – عرب الزبيد

يذكر البديري في عام 1155ه – 1742م مقتل متسلم دمشق على يد عرب الزبيد، وهذه القبيلة كانت عاصية على الدولة العثمانية وتقطن منطقة جبل العرب واللجاة، ومتسلم دمشق واسمه ابراهيم كان من مماليك سليمان باشا العظم، وكان ظالماً غشوماً، وله جرأة على الخاص والعام، فكان يأمر بالقبض على كل من رآه بعد العشاء ويقيده في الحديد ولا يطلقه حتى يأخذ منه المال الكثير، وإذا أذنب أحد ذنباً ولم يستطع القبض عليه قبض على بعض أهله أو قرابته وألزمه بمال عظيم.

ويحكي البديري أن المتسلم لما علم بمكان عرب الزبيد في منطقة اللجاة سار نحوهم بعساكره، فلما وصلوا لتلك القبيلة ساقوا الأموال والحريم، فردوا عليهم العرب رد غيور وصبور فقتلوا المتسلم وجماعة من عساكره، وكان قتله على يد قناص من تلك القبيلة صوب عليه بالنيشان وأرداه قتيلاً، فلما بلغ الخبر دمشق، نادى المنادي: من أراد طاعة الله والسلطان ممن له قدرة وقوة على الركوب فلا يتخلف، فالغارة الغارة على عرب الزبيد الذين قتلوا المتسلم وعسكره، فخرجت الانكشارية والسباهية وساروا نحو عرب الزبيد ولم يحصل قتال، حيث أن عرب الزبيد كانوا قد ابتعدوا عن منطقة سكنهم نحو منطقة أخرى، ويتضح من سياق حديث البديري فرحته بمقتل هذا المتسلم على يد رجال تلك القبيلة العربية الأصيلة، وهذا حال غالبية أهل الشام.

رابعاً – عرب عنزة

في عام 1160ه – 1747م يذكر البديري أن عرب عنزة نهبت عرب الرشا، وأن الأكراد الذين كانوا مع عرب عنزة أخذوا جميع المسلوبات من مال وجمال وغنم، وكانت الغنم كثيرة لا تحصى، وأن الواقعة كانت مهولة قُتل فيها من الفريقين خلق كثير، والمحرض على ذلك كان أسعد باشا العظم، فجاءوا بالأغنام إلى الشام وكان وقت غلاء في اللحوم فبيع رطل اللحم بسعر أقل، واشترته الناس مع علمهم أنه سلب حرام وامتنع القليل عن أكله.

وفي عام 1168ه – 1755م حدثت فتنة عظيمة بين عرب عنزة وعرب الشام، وهنا يميز البديري بين عرب عنزة كقبيلة لها استقلاليتها وعرب الشام التي تضم عشائر الشام، والسبب في ذلك أن عرب الشام كانوا لا يتجاوزون أطراف بادية الشام في حلهم وترحالهم بينما كانت قبيلة عنزة تذهب بعيداً في البوادي والصحارى حتى تصل إلى أعماق نجد ثم تعود نحو الشام.

خامساً – عرب الفريخات

وفي نفس العام يذكر البديري حملة أسعد باشا على البقاع حيث أغار على عرب هناك يقال لهم الفريخات، فقاوموه عدة أيام، ثم نجوا بطرشهم وعيالهم وتركوا الخيام والمال، وذلك بعد ما قتلوا جماعة من عسكر الباشا.

سادساً – تحالف عرب البلقاء

وفي عام 1166ه – 1753م قاد أسعد باشا حملة على عرب البلقاء، وعرب البلقاء كان حلفاً مكوناً من عدة قبائل هي العدوان وعشائر البلقاوية وعشائر السلطية، وكان في حملته عساكر حماه وحمص والمعرة ورجال القرى من الفلاحين وكذلك الدروز والمتاولة والمقاتلين من نابلس والقدس وصفد بالإضافة لعرب السردية، والملاحظ ن الفلاحين اصطفوا مع أسعد باشا لكثرة غارات العربان عليهم، وأما عرب السردية فالسبب خلاف عشائري مع عرب البلقاء.

وتحالف عرب البلقاء كان بقيادة ابن عدوان والأغلب أنه كان الشيخ قبلان بن عدوان والد الشيخ والشاعر الكبير نمر بن عدوان أو عمه الشيخ بركات بن عدوان، وقد جاءت الأخبار إلى الشام أن المعركة وقعت في مكان يقال له الوكر فانكسر ابن عدوان وعربانه ونهبهم العسكر نهباً شنيعاً.

سابعاً – وقعة القطرانة

وفي ولاية حسين باشا مكي في عام 1170ه – 1757م وأثناء إمارته للحج وصل الخبر إلى الشام بأن موسى باشا قائد الجردة لما وصل إلى القطرانة خرجت عليه العرب وشلحوه ونهبوا الجردة بالكامل، بل شلحوه لباسه وخاتمه من إصبعه وأنزلوه من تخته وجلسوا مكانه، وأخذوا طبوله وأطواخه ومدافعه، ثم تفرقت عساكر الجردة فمنهم من رجع للشام ومنهم من انقطع في حوران ومنهم منه هرب إلى غزة أو القدس أو معان، أما موسى باشا فوصل لقرية داعل فأرسلوا له تختاً ليحملوه فوجدوه قد مات فحملوه وجاءوا به إلى دمشق.

ثامناً – مأساة الحج أثناء إمارة حسين باشا مكي

وكنا قد ذكرنا في الفصل المتعلق بالحج كيف أن العرب في عام 1171ه – 1752م قد شلحوا الحج وكان أميره حسين باشا مكي، حيث سلب العرب النساء والرجال في الأموال والمتاع، فضجت الناس بالبكاء وأظلمت الشام، وبلغ الناس ورود ستة مكاتيب للمتسلم بالخروج لنجدة الحجاج فلم يخرج، فهجمت العامة على المتسلم بالسرايا ورجموه بالحجارة، فنادى منادياً بإخراج الدواب لملاقاة الحجاج وأن يأخذوا معهم ثياب مفصلة ومخيطة ونعال وغير ذلك.

فخرج خلق كثير لملاقاتهم، ويذكر البديري الفظائع التي قام بعا العرب مع الحجاج ويقول أنه لا يفعلها عباد النيران، فقد كانوا يفتشون الرجال والنساء على حد سواء حتى في مكان العورة (تحت الإبط وفي القبل والدبر وتحت الخصيتين….) لاعتقادهم أنهم يخبئون الذهب والفضة في تلك الأماكن، ولشدة هجومهم على أمير الحاج فر هارباً بعد أن أوعز لمن حوله بنهب خزنته حتى لا ينهبها العربان.

ثم يصف لنا البديري دخول الانكشارية المرافقين للحج إلى الشام ومعهم حجاج مركيين كل اثنين وثلاثة على دابة وهم في آخر درجة من العدم، والمنادي معهم بيده راية بيضاء ويصيح هذه راية الانكشارية، فضجت الناس بالبكاء والعويل، وكان في القافلة أم السلطان العثماني وقد سلب متاعها مثل بقية الحجاج، وأخبر الحجاج الواصلون عن الفظائع التي قام بها العرب في تشليحهم، وأنهم أقاموا أربعة عشر يوماً في الجوع والعطش لا ماء ولا زاد.

ومنهم من مات جوعاً وعطشاً وبرداً وحراً، وقد شرب بعضهم بول بعض، وما زاد الطين بلة هجوم أهل معان على من تبقى من قافلة الحجاج فنهبوها مرة ثانية فوق نهب العربان، وأما الوالي حسين باشا مكي فإنه اضطر للجوء إلى غزة ليتم عزله لاحقاً وتولية عبد الله باشا الشتجي بدلاً منه.

ثم بعد مدة وصل خبر إلى دمشق أن عمر المحاميد شيخ حوران وجد المحمل والصنجق عند العرب فأرضاهم واسترجعهما وفك أسر المحملجي ومن معه من الرجال، فوصل المحمل للشام وهو محمول على جمل وقد ستروه بثوبه الأخضر التحتاني ومعه محمد بشه السقباوي وبعض الفرسان من الدروز والعرب.

تاسعاً – حملة الشتجي على عرب الحرمين

يذكر البديري في عام 1172ه – 1753م أن عبد الله باشا الشتجي قد أمن قافلة الحج بعد أن ضرب الكثير من العربان بين الحرمين وقتل منهم عدداً كبيراً بما في ذلك شيخ من مشايخهم الكبار، ثم يذكر بعد ذلك خروج والي جدة الجديد سعد الدين باشا العظم مع والي دمشق عبد الله الشتجي إلى الحجاز بصحبة الكثير من العسكر خوفاً من انتقام العرب.

فيديو مقال قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية (10) العربان

 

 

 

أضف تعليقك هنا