هذيان – #قصة

بقلم: اميمة سعيدي

 

سور المقبرة الضيق

على السور الخارجي مشى بخفة بهلوان كان الظلام دامسا يقطعه خيط رفيع مما تبقى من نور تسلل عبر الأشجار العالية، كان القمر يرسم أيامه الأخيرة على صفحة كحلية، ظل يمشي عل ذلك السور الذي لم يكن ليتسع لأكثر من قدم واحدة ينقلها بالتناوب حين يحتاج إلى خطوة أخرى، لم يدر اذا كان قد تدرب على هذه المشية من قبل ام لا، و لم يستطع أن يجيب نفسه عن السؤال: كيف استطاع أن يمشي على هذا الجدار الرفيع في قلب الظلام مغمض العينين و حافي القدمين؟.

المشي بخفة على السور والخوف من المقبرة

كل ما يعرفه أن خطواته ظلت تبصر بدلا منه و ظل هو يتابع السير، قرر أن يفتح عينيه فجأة فعل ذلك دون أن يفكر، حين انفتح المشهد أمامه فغر فاه و ابتلع صرخة كادت تمزق سكون الليل لولا أنه عاجلها بوضع يده على فمه و تدارك جسده قبل أن يسقط من السور على الصخور و الأشواك، توازن مرة أخرى و تابع السير، لم ير شيئا واحدا يتحرك حتى القطط و الكلاب أوت إلى منامها.

أما هو فأحس بطائر الطمأنينة يدخل إلى قلبه على غير عادته و يبني عشه هناك، ظل يمشي صارت خطواته أكثر تصميما و ثقة، زالت عنه بعض غلالات الرعب التي سكنته حين فتح عينيه اول مرة ثم ها هو يحاول أن يحدق في الفراغ ليلتقط بعض المخيلات، استمع الى دقات قلبه التي استعادت انتظامها و راح يتمتم بكلام غير مفهوم، انبسطت أمامه الساحة الممتدة داخل السور و هو يتأملها من مكانه العالي.

القبور وهول المشي بقربهم

كانت القبور تتناثر على غير انتظام بدا بعضها أكبر من الاخر تربعت بعض الشواهد عند رؤوس عدد منها حدق النظر في زاوية بعيدة خيل اليه أن بعض الأسوار الحديدية الصدئة تحيط بقبر قد ارتفع عن وجه الأرض دفعه الفضول أن يسرع ليقترب منه أكثر فيدرك سر تميزه.

لم يكد يخطو بعض خطوات حتى رأى قطا اسود عرفه من إلتماع عينيه تأرجح قلبه بين ضلوعه و ارتجفت قدماه اما جسده فراح يرتعش بشكل هستيري ترنح امام هول المنظر و مال يمينا و شمالا كاد يسقط في الهاوية،  امسك ببعض الكلمات يرددها في سره حتى استعاد شيئا من هدوئه ساعده ذلك اختفاه القط خلف الأشجار او هكذا خيل.

نهاية الحياة والسقوط في المقبرة

تحركت قدماه إلى الامام تنقلان الخطا غير عابئتين بما دار في باله، أدرك أنه مدفوع بقوة خفيه إلى الحركة حاول أن يجمد خطواته فأخفق و استسلم راح يمشي على ما تبقى من السور . صارت المقبرة كلها على يساره طوح جسده في الهواء مثل مئذنة تتأرجح في اللحظة الأخير و هو ينحني برأسه راكعا استطاع أن يوازن نفسه و يعتدل.

احس بدفء في قدميه نظر إليهما كانت الدماء تفور منهما ظل ينزف و هو واقف دون أي حراك اما أصوات الموتى فظلت تتداخل فيما بينها، لا يكاد يفهم مما يقولون شيئا في اللحظة الفارقة بين حياتين و عندما استنفذ كل مخزونه من الدماء و جد أن دمائه التي لمعت على ضوء القمر قد خطت على الجدار :

اذا لم تستطع أن تموت كما تريد فعليك أن ترمي نفسك في حفرة العدم

أدرك أنه سوف يقع في المقبرة لا خارجها كما تمنى، دفع فجأة ، فاستسلم و سقط إلى الداخل و علت ايادي الموتى و هتافاتهم مرحبة.

بقلم: اميمة سعيدي

 

أضف تعليقك هنا