تعليم المرأة الفلسطينية في العصر الحديث

بقلم:  أ. ولاء عبد الفتاح الهمص

طالبة دكتوراه – المستوى الأول مناهج وطرق تدريس الجامعة الإسلامية – غزة فلسطين

المرأة حجر الزاوية

للتربية أصولها النفسية والتربوية والاجتماعية والثقافية والإسلامية، ولا يخلو أصلاً من الأصول السابقة الذكر من تناوله لتعليم المرأة لكونها حجر الزاوية وركن التربية الركين، فليس هناك تعليم مخصص للذكور فقط؛ بل هو للذكور والإناث معاً، وعليه فإن موضوع التعليم للمرأة في عصرنا الحديث يعد التعليم أحد العوامل الهامة التي تشكل اتجاهات وسلوك الأفراد نحو العديد من القضايا الأساسية التي تدفع بعملية التنمية إلى الأمام للنهوض بأي مجتمع نحو حياة أفضل، وللمرأة حق المشاركة في هذا الواجب دون تمييز، وهذا أساس الحقوق وجوهرها والقاسم المشترك لمنظومة القيم الإنسانية والشرائع الدينية والدنيوية، فالتعليم يؤهل المرأة للتمتع بمزايا جميع الحقوق والقيم.
فقد حرص الإسلام على تعليم المرأة لتكون به عنصر صلاح وإصلاح في مجتمعنا الإسلامي المتطور إلى الكمال، والمتقدّم نحو القوة والمجد، الآمن والمطمئن.

التعليم واجب للذكور والإناث

فالتعليم فرض من الفروض دون حصرها على الذكور دون الإناث، كما أوصانا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم -من خلال أحاديثه، فيجب المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات دون تفرقة أو تفضيل أحد على الآخر، وتحدثت عن المرأة والمجتمع، وكيفية تعاملها مع أسرتها ومع مجتمعها، وكيف تجعل شخصيتها معززة مكرمة ومحترمة في نظر الناس والمجتمع وكيف تطبق شرائع دينها الحنيف.

وبالحديث عن التعليم بعد الثورات التحررية في البلدان العربية، وتطبيق المراحل التعليمية والمدارس بعد هذه الثورات وإلى وقتنا الحاضر وعن تعليم الفتيات في ظل حضارتنا المعاصرة، وعن اختلاط المدارس بين الذكور والإناث وتوضيح نتائجها وعواقبها.

أوضاع المرأة في فلسطين

إن الحديث عن أوضاع المرأة في بلادنا – في فلسطين – هو بالضرورة جزء من الحديث المباشر وغير المباشر، عن أزمة مجتمعنا الفلسطيني الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحضارية والثقافية، بارتباطها بالأزمة العامة للمجتمع العربي، انطلاقاً من رؤية معرفية شمولية تقوم على أن مجتمعاتنا عموماً، لا تعيش أو تنتسب إلى زمن قديم مسلّم به، أو حضاري ديمقراطي بالمعنى الجوهري، جعل من استمرار الأنماط والأزمنة القديمة أو إعادة إحيائها عبر إعادة إنتاج التخلف أمراً يكاد يكون طبيعياً بوسائل إكراهية وعنيفة أحياناً، أو بوسائل تبدو أنها سياسية في أحيان أخرى.

حرية التعبير

إن تراكم هذه المظاهر في حالتنا السياسية الفلسطينية عبر أدوات وعلاقات السيطرة الفردية والبيروقراطية والإخضاع للأغلبية الساحقة من الأفراد في مجتمعنا، لم تقتصر آثارها الضارة ونتائجها السلبية عند الحق الخاص- للرجل أو المرأة – المرتبط بالمعنى السياسي أو الديمقراطي أو القانوني أو الحرية في الرأي والتعبير فحسب، بل تمتد الأزمة إلى الحق أو الحيّز العام لكل المجتمع بكل أفراده من النساء والرجال على حد سواء بما يعمق مظاهر الهبوط السياسي على الصعيد الوطني ومظاهر التخلف والتبعية على الصعيد الاجتماعي الداخلي.

الأزمة والصراع العربي الصهيوني

في مثل هذه الظروف من تعمق مظاهر الأزمة بأبعادها السياسية في إطار الصراع العربي الصهيوني، أو بأبعادها الاجتماعية في إطار التبعية والفقر والتخلف العام، يمكن تناول قضية المرأة الفلسطينية أو العربية، وهي ظروف توفر الرؤية الموضوعية للرجل والمرأة باعتبارهما كائنين إنسانيين يتلقيان ويتحملان معاً كل نتائج هذه الأزمة السياسية أو الطبقية أو العنصرية أو غير ذلك.

قضية تعليم المرأة

ولكن إقرارنا بإمكانية توفر هذه الرؤية الموضوعية للرجل والمرأة معاً في مواجهة الأزمة في الظروف الراهنة، لا يعني إغفالنا لخصوصية قضية المرأة في بلادنا، المتمثلة في الجذور الاجتماعية والثقافية والتاريخية، التي تشكلت وترسخت بصورة سلبية عبر المسار التاريخي العربي، الذي توحّد في كل مراحل تطوره، القديم والحديث والمعاصر، في النظر أو الموقف من المرأة، الذي يقوم على أنها امرأة ولّادة أو زوجة أو خادمة أو… وغير ذلك من الصفات والمفردات التي جمعت في معنى أو مغزى واحد بين المرأة والصفات المادية أو الجسدية بعيداً عن سمات التفكير والتدبير وتحمل المسؤولية، ودليلنا على ذلك ما نشاهده أو نقرأه من معطيات في واقعنا الراهن، حول نظرة الرجل إلى المرأة، التي ما زالت تقوم على الاضطهاد والدونية وحرمانها من المشاركة في القرار أو المطالبة بحقوقها أو التعبير عن رأيها، إلى جانب التعاطي معها كسلعة جسدية وما تقدمه اليوم البرامج التلفزيونية المعولمة وبعض دور الأزياء والأفلام السينمائية، وبعض الكتب والمجلات ووسائل الإعلام… إلخ باسم الانفتاح يعزز تلك النظرة.

المرأة ونشاطاتها

إن استعراض أوضاع النساء العاملات في النشاط التعليمي بمختلف مجالاته ومؤسساته يبيّن أن أعداد المعلمين أعلى من أعداد المعلمات في مختلف المؤسسات، باستثناء رياض الأطفال، رغم أن التعليم من المهن التي تقبل عليها المرأة، كما يلاحظ أن عدد المعلمين الحاصلين على شهادات جامعية أعلى بكثير من المعلمات، وتتراجع نسبة الإناث بصورة أكبر مع ارتفاع درجة المؤهل العلمي مثل الماجستير والدكتوراه (أقل من 7%)، كما نلاحظ أن العدد الأكبر من النساء العاملات في المؤسسات التربوية متخصصات في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية.

تطور المجتمع

صحيح أن هذا المجال هو الأقرب إلى وضع المرأة ودورها ـ في حدود واقعها الراهن حتى الآن، في مجتمعنا، إلا أن هناك أسباباً ومعوقات تحول دون تخصص المرأة في المجالات العملية والعلمية الأخرى، وترتبط بالأسرة، أو النظرة لدور المرأة، لكنها في التحليل الأخير مرتبطة بحالة تطور المجتمع وتخلفه الراهن كمعوّق رئيس يحول دون حرية المرأة في اختيار مسارها العلمي والعملي في آن معاً.

مشاكل قطاع التعليم

لكن ما زال قطاع التعليم يعاني من عدة مشكلات فلا زالت المدارس الحكومية تعاني من اكتظاظ كبير في الصفوف لذلك لجأت الوزارة إلى عمل فترتين دراسيتين) صباحية ومسائية ) ممّا يؤثّر سلباً على التحصيل الأكاديمي للطلاب وأحياناً قد يكون أحد مسببات تسرب الفتيات في المرحلة الثانوية، كما إنها تعاني من نقص في بنيتها التحتية خاصة عدم ملائمة التدريس في فصل الشتاء بسبب عدم وجود أي نوع من التدفئة والعكس في فصل الصيف كذلك ما تزال تعاني المدارس من نقص في الملاعب ونقص في المعدات والتجهيزات العلمية، وعلى الرغم من أن نسبة موازنة قطاع التعليم تبلغ 17% من ميزانية السلطة الوطنية لعام 1999 إلا أن هذه النسبة آخذة بالانخفاض الأمر الذي يعكس مشاكل كبيرة جداً على الأوضاع التعليمية خاصة أوضاع المعلمين والمعلمات الذين يعانون من تدني رواتبهم ممّا يؤّثر سلباً على مستوى التعليم بشكل كامل.

الإرشاد النفسي في مجال التعليم

ورغم قيام السلطة الوطنية الفلسطينية بتوظيف مرشدات اجتماعيات ومرشدين اجتماعيين في مدارس الضفة الغربية وقطاع غزة إلا أنه ما زال هناك حاجة ملحة إلى الاهتمام بتأهيل هؤلاء المرشدين خاصة في مجال النوع الاجتماعي وقضايا الإرشاد المدرسي كما أن هناك حاجة ماسة إلى توظيف المزيد من المرشدين، والمرشدات في نفس المدرسة نظراً لأهمية الدور الذي يلعبونه في إرشاد الطلبة ومساعدتهم على التكيف المجتمعي في ظل التطورات البيولوجية والاجتماعية التي تحدث، خاصة للفتاة التي لا تجد من يرشدها في مرحلة المراهقة نتيجة لثقافة الحلال والحرام.

تطور المناهج التعليمية

وعلى الرغم من مبادرة وزارة التربية والتعليم مع الجهات الأخرى المختصة إلى تطوير للمناهج الفلسطينية والتأكد من تضمينها للنوع الاجتماعي وتضمينها لقضايا الديمقراطية والتعددية إلا أن هذه الخطوة يجب أن يتبعها تطوير شامل للكادر التعليمي لضمان عكس هذه المناهج، وتعليمها بشكل غير تقليدي وبأسلوب يشجع التفكير المنطقي وبرؤيا تعكس المساواة بين الجنسين في الحياة العامة والخاصة.

خطة منتظمة للتدريب على الأساليب التربوية الحديثة

ومن الضروري وضع خطة منتظمة للتدريب على الأساليب التربوية الحديثة -غير التقليدية-في التدريس وعلى المفاهيم الخاصة بالنوع الاجتماعي وأهمية إشراك المرأة في التنمية المجتمعية وأهمية وصول المرأة لمراكز صنع القرار للعمل على ضمان إيصال هذه المفاهيم إلى الطلاب بطريقة تربوية وعكسها في الحياة العامة والمجتمع. وعلى وزارة التربية والتعليم الاهتمام بجانب الإرشاد التربوي والاجتماعي من خلال توظيف عدد أكبر من المرشدات والمرشدين الاجتماعيين في المدارس. والعمل على تأهيلهم وتدريبهم في المدارس، خاصةً على مفاهيم النوع الاجتماعي والتربية الجنسية ومفاهيم الديمقراطية لما لها من أهمية كبرى في تكوين شخصية الطالب والطالبة.

  1. الهوامش
    1. إصلاح جاد. “دراسة حول: الأطر والمنظمات النسوية غير الحكومية”، الحركة النسوية الفلسطينية، مواطن، رام الله، 2000، ص 70.
  2. “تقرير المرأة والرجل في فلسطين”، المجد للصحافة، صوت النساء، العدد 76، 15/7/1999.
  3. الجهاز المركزي للإحصاء. “التقرير الإحصائي للقوى العاملة رقم 88″، تموز 2000، ص 31.

 

بقلم:  أ. ولاء عبد الفتاح الهمص

طالبة دكتوراه – المستوى الأول مناهج وطرق تدريس الجامعة الإسلامية – غزة فلسطين

أضف تعليقك هنا