حديث سمرة وتطبيقاته في واقع سياسة نيجيريا الحالي

انطلاقا من نظرنا لما يقتضيه حالنا في نيجيريا من قرب موسم تحويل الإمارة من أشخاص إلى أخرى وبالتالي فقد تصدر كثير من الناس مقدمين لرغباتهم في الولاية على مناصب مختلف، وقد أهلكوا في سبيل ذلك –ولا يزالون- ما حباهم الله من الوسع والطاقة، فيهمني هنا دراسة قضايا متعلقة بهذا الوضع كما ترونه على ضوء الحديث الذي رواه ذلك الصحابي الجليل فذلك عبد الرحمن بن سمرة.

نص الحديث

فعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ: «لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ».[1]

 تعريف براوي الحديث

هو عبد الرحمن بن سمرة يعني ابن حبيب بن عبد شمس بن ربيعة بن عبد مناف، وقيل ليس بين حبيب وعبد شمس ربيعة، وكنيته أبو سعيد أسلم عام الفتح، وكان اسمه قبل ذلك عبد كلال بضم الكاف، وقد شهد فتوح العراق وكان فتح سجستان على يديه. مات سنة خمسين وقيل بعدها بسنة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث.[2]

حجية الحديث

فالحديث في أعلى المراتب في الصحة فقد تم إخراجه من شيخيِ المحدثين وبالتالي فهو صالح للاحتجاج بذاته. وقد ورد أيضا جملة من الأحاديث في إقرار ما أقر به الحديث من حكم طلب الإمارة والحرص عليه. فمنها:

  • عن أبي هريرة قال شريك لا أدري رفعه أم لا قال: «الامارة أولها ندامة وأوسطها غرامة وآخرها عذاب يوم القيامة».[3]
  • عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ وُكِلَ إِلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ ». [4]
  • عن أبي هريرة عن النبي «قال إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة».[5]
  • عن أبي موسى قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال أحد الرجلين: يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل وقال الآخر مثل ذلك. فقال: « إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا حرص عليه».[6]

 شرح الحديث

ولا شك أن هذا الحديث مركب من عدة من الألفاظ التي يستدعي فهمها الفهم الصائب للحديث. فقوله: لا تسأل أي لا تطلب وكذلك في أكثر طرق الحديث ووقع في رواية بلفظ «لا تتمنين الإمارة» بصيغة النهي عن التمني مؤكدا بالنون الثقيلة. إلا أن ابن حجر النهي أشار إلى أن النهي عن التمني أبلغ من النهي عن الطلب.[7]

وقوله : الإمارة أي الولاية  ويدخل فيه الامارة العظمى وهي الخلافة كإمارة أبي بكر الصديق رضي الله عنه والصغرى وهي الولاية على بعض البلاد أو على منطقة من المناطق [8]

وقوله : عن مسألة أي عن طلب وقوله: وُكلتَ إليها : بضم الواو : أي صرف إليها ، ومن وكل إلى نفسه هلك .[9] وقيل: أسلمت إليها فضعفت عنها وظهر عجزك..[10] إذ لَمْ يَكُنْ مَعَك إِعَانَة ، بِخِلَافِ مَا إِذَا حَصَلَتْ بِغَيْرِ مَسْأَلَة. وقد ورد في الأكثر بلفظ : أُكِلْت بِالْهَمْزِ لكن الصَّوَاب بِالْوَاوِ[11]

وذكر أن النهي في الحديث محمول على الأغلبية استنادا لقول يوسف: “اجعلني على خزائن الأرض وقول سليمان: “هب لي ملكا قال ويحتمل أن يكون في غير الأنبياء”.[12]

 ما يستفاد من الحديث:

فالحديث ممتلئ بالعبر والدروس والأحكام ونحو ذلك من الفوائد التي بها تتم سعادة الدارين لمن تمسك بها فمما يدل عليه الحديث ما سأذكره في السطور التالية:

  1. دل الحديث بظاهر نصه على عدم جواز الحرص على الإمارة ولا سيما طلبه وأن طالبه لا يحصل له المعونة من الله تعالى، ويدخل في الامارة القضاء والحسبة ونحو ذلك.[13]
  2. لا يلزم من كونه لا يعان بسبب طلبه أن لا يحصل منه العدل لما رواه عن أبو هريرة رفعه: «من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة»[14] وقيل: يحمل الطلب هنا على القصد وهناك على التولية.[15]
  3. ويدل الحديث على عدم أهلية الحارص على الإمارة لأن عدم توقع حصول معونته يفضي إلى عجزه وعدم كفئه وبالتالي لا يجوز توليته.[16]
  4. أن الإمارة أمانة وبلاء من الله سبحانه وتعالى[17] ومباشرتها فيها خطر عظيم قال البيضاوي: “فلا ينبغي لعاقل أن يفرح بلذة يعقبها حسرات”.[18]
  5. ودل الحديث على أن الراحة كل الراحة في الاستسلام لاختيار الله – عز وجل – ورضى بقضاءه وقدره [19]
  6. فلا يعتبر سائلا مَن قام للأمر خشية من ضياع يكون بعدم سؤاله، ومن المغتفر حرص من تعين عليه إذ ذلك واجب عليه. [20]
  7. تنعقد ولاية من ولّي بناء على طلبه إذا بويع بعد هذا لكنه آثم بالطلب حسب مقتضى السنة المطهرة[21]
  8. قال المهلب: “الحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها حتى سفكت الدماء واستبيحت الأموال والفروج وعظم الفساد في الأرض”[22] مما لا يحمد عقباه من التصرفات.
  9. علل الشوكاني قول يوسف: { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ }[23] وما يدل عليه من طلب الولاية من غير شدة حاجة، بقوله رحمه الله:”ذلك لوثوق الأنبياء بأنفسهم بسبب العصمة من الذنوب وأيضا[24]
  10. لا يعني هذا الحديث عدم قبول الإمارة من غير سؤال ولا طلب ولا إرادة.[25]

 حكم طلب الولاية

فالكراهة هي الأصل في حكم طلب الولاية عند أهل العلم وعليه تبويب البخاري للحديث الذي بعده[26] ووجه الكراهة مأخوذ من سياق حديث الباب، وقد يصرف الحكم من الكراهة إلى غير ذلك مع بعض القرائن كما هو مبين في السطور التالية: [27]

فقد يكون الوجوب اتفاقا في الواحد الصلح لها في بلد لزمه طلبه وقبوله، فإن امتنع عصى، كسائر فروض الأعيان، وللحاكم إجباره؛ لأن الناس مضطرون إلى علمه ونظره، فأشبه من عنده طعام منعه عن المضطر. يقول ابن حجر في الفتح: “مَن قام للأمر الإمارة عند خشية الضياع يكون كمَن أعطي بغير سؤال، لفقد الحصر غالباً عمَّن هذا شأنه، وقد يغتفر الحرص في حق من تعين عليه لكونه يصير واجباً عليه”. [28]

وكذلك الاستحباب: لمن يرجو بعمله إحقاق الحق ومنع ضياع الحقوق، وتدارك جور القضاة أو عجزهم عن إيصال الحقوق لأهلها.وكذلك الجواز مع الكراهة إذا كان هناك مماثل أو أفضل منه لحديث ابن سمرة ونحوه.

ويحرم طلب الإمارة لمن يخاف العجز عنه، ولا يأمن على نفسه الحيف فيه، حتى لا يكون سبباً لمباشرة القبيح.

 واقع سياسيي نيجيريا نسبة لحديث ابن سمرة

فإن إبداء الرغبات إلى ولاية المناصب الإمارة أمر معهود عليه بين الناس في مشارق الأرض ومغاربها وليس بأمر محصور في دولة من دول العالم خصوصا الدول التي كانت أنظمتها السياسية مبنية على حجر الديمقراطية فكل الدول محفوفة بالسياسيين الموجود فيهم الحرص على الولاية والزعامة فيتقدمون لطلبها.

ولكن سياسيي نيجيريا في أسوء حال وأردى شأن من حيث مناقضتهم لمقتضى حديث الباب فقد اغتالوا في تصرفاتهم واعتدوا في أفعالهم ومما يثبت حقيقة هذا الادعاء ما استفاض عنهم من شن الحروب الباردة والحارة ضد من ينازعهم في الأمر ومنها أيضا ما يستهلكونه من أموالهم الطائلة راشين بها الناس وخاصة أهل الحل والحقد منهم استمالا لقلوبهم إلى بيعتهم كما وجد من ضمن المتصدرين للإمارة من كان فساد حاله وفسقه مشتهرا بين مواطنيي نيجيريا فمنهم اللصوص المجرمون وغيرهم من الذين لم يتوفر فيهم ما قد يبيح لهم الطلب من الشروط ومع ذلك لم يمنعهم الخجل من الطلب.

بل إن الأمر الذي كنا في صدده بلغ إلى حد قد تعود دولة نيجيريا بممارسة الغش والخيانة من قبل كثير من السياسيين الذين عندهم السلطة والطول تجاه نتائج التصويت حتى توافق تلك النتائج ما أرادوه من الفوز فكأنهم نسوا أنهم مسؤولون عن تلك المسؤوليات الكبريات المتعلقة بالإمارة المطلوبة لديهم.

ثم إنهم بعد نيلهم للأمر المستهدف لديهم ترى أكثرهم يعرضون عن المسؤوليات التي كانت عليهم ويتسارعون إلى جمع الثروات وأكل أموال الدولة بالباطل ولذلك كانت نيجيريا دولة متخلفة مع ما قد حباها الله من مختلف المعادن والكنوز مثل البنزيت والذهب ولأشجار وغيرها.

فعلى هذا الأساس، أرى أن الوضع بأمس الحاجة إلى التغيير من الأسوء إلى الأحسن فذلك التغيير يتطلب نجاحه المتوقع تحققه لتعاون أصناف من الناس حتى يتم التحقق فمن أهمهم من ينتمي إلى واحد أو أكثر من الأصناف التالية:

 

  1. السياسيين:فأوصي سياسيي نيجيريا بتقوى الله في السر والعلن، وأن يأخذوا بالحذر من الخطورة الموجودة في الإمارة، مع الإنصاف مع أنفسهم فيما يرومونه حتى لا يتصدرون لأي منصب من دون مصلحة عظمى تتوقع من ذلك للدولة. وأنصحهم بعدم نشر الفساد في الأرض أثناء محاولاتهم على حصول المناصب بل كونوا مستسلمين لقضاء الله وقدره فعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
  2. هيئة الانتخابات: فأما هيئة الانتخابات بنيجيريا فأنصحكم بحسن تصفية كل من يتقدم بطلب الرئاسة فمن رأيتم في قبحا بينا أو فسادا ظاهرا فجردوه من أهلية المشاركة مع عدم الخيانة في ذلك.
  3. شعب نيجيريا: فأرجو من شعب نيجيريا أن ينظروا جيدا في حال جميع المتقدمين للمناصب فيجتهدون في اختيار أفضلهم ولا يلتفتون إلى رشوة ولا عنصرية ولا جاه فاجعلوا هممكم في اختيار من هو أصلح للإمارة فتلفون أنفسكم ناصرين للظالمين والمظلومين.
  4. أعضاء مجلس التشريع بنيجيريا: فأحث أعضاء مجلس تشريع نيجيريا بجعل تصرف من تصدر للرئاسة مع فساد حاله البين واعتباره من الجرائم الوطنية التي يستحق العقوبة البدنية ليحذر كل من يريد ذلك كل الحذر قبل اتخاذ القرار النهائي فيقل عدد غير الأكفاء من الذين يطلبون الإمارة في نيجيريا فيوجد نيجيريا من الدول المتقدمة ببركة إسناد أمرها إلى المستحقين بها.

 الخاتمة

قال تعالى:

{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[29]

 

[1] البخاري: الصحيح، رقم 7146، مسلم: الصحيح، رقم 1273.

[2] فتح الباري شرح صحيح البخاري، 580/10

[3] الطبراني: المعجم الأوسط، رقم 5616.

[4]  أبو داؤد: السنن، رقم 3580.

[5] البخاري: الصحيح، رقم 7148.

[6]  مسلم: الصحيح، رقم 1733.

[7] ابن حجر: الفتح، (، بيروت، دار المعرفة، 1379) 13/124.

[8] ابن حجر: المرجع نفسه، 13/125، محمد بن صالح بن محمد العثيمين: شرح رياض الصالحين 1/723.

[9] سليمان بن محمد اللهيميد : إيقاظ الأفهام في شرح عمدة الأحكام،( السعودية، رفحاء) 3/79.

[10] أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي : كشف المشكل من حديث الصحيحين، (الرياض ، دار النشر، 1418هـ) 1/313

[11] النووي: شرح صحيح مسلم، (بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1392)  12/207.

[12] ابن حجر: الفتح، 13/125.

[13] المرجع السابق، 13/124.

[14]  أبو داؤد: السنن، رقم 3577.

[15] بدر الدين العيني الحنفي : عمدة القاري شرح صحيح البخاري (المكتبةة الشاملة) 35/212

[16] النووي: شرح صحيح مسلم ، 12/208.

[17] ابن الجوزي: كشف المشكل ، 1/313

[18] النووي: شرح مسلم، 13/126.

[19] ابن الجوزي : كشف المشكل ، 1/313

[20]ابن حجر: الفتح، 13/126.

[21] محمد بن علي بن محمد الشوكاني : السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، (دار ابن حزم). 1/940

[22] ابن حجر: الفتح، 13/126.

[23]  سورة يوسف، الأية: 55.

[24] الشوكاني: نيل الأوطار، (إدارة الطباعة المنيرية)، 9/131.

[25]  الشوكاني: السيل الجرار المتدفق، 1/816.

[26]  البخاري: الصحيح، رقم7148.

[27] وهبة الزحيلي: الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، (دمشق ، دار الفكر)، 8/84.

[28]ابن حجر: الفتح، 13/126.

[29]  سورة القصص، الأية 83.

فيديو مقال حديث سمرة وتطبيقاته في واقع سياسة نيجيريا الحالي

 

أضف تعليقك هنا