حماية البيئة في ظل الاقتصاد النيوليبرالي وخطاب خدمات النظام البيئي “هل يمكن تداول الحياة؟”

 بقلم: سامية بن يحي

تعد حماية البيئة أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية، وهو تحد تكافح حكومات العالم لمعالجته، وقد ظلت المحاولات العالمية للتصدي للآثار المترتبة عن الانبعاثات والتلوث البيئي بسبب التصنيع والاستخراجية على جدول أعمال الأمم المتحدة لأكثر من 25 عاما، فمنذ 1992  اتفق قادة العالم في قمة ريو دي جانيرو على “منع التداخل البشري الخطير في نظام المناخ والتلوث البيئي” ومع ذلك ظلت الانبعاثات ترتفع على الرغم من سلسلة الاتفاقات العالمية – من ريو 1992 وحتى كيوتو 1997 إلى باريس 2015.

تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ

حيث يوضح تقرير التقييم الخامس الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ  أن انبعاثات غازات الدفيئة تهدد بإنتاج ليس فقط الاحترار الشامل ولكن ارتفاع مستوى سطح البحر ، وتغير نطاقها وتوزيع ناقلات الأمراض ، وتغيير أنماط هطول الأمطار ، مما يؤدي إلى المزيد من الجفاف والحرائق البرية والفيضانات، مع الإقرار بأن بعض أوجه عدم اليقين العلمية لا تزال قائمة في علوم المناخ ، تم التوصل إلى توافق علمي ساحق حول خطورة المشكلة.

ورغم اعلان ترامب عن انسحاب أمريكا من اتفاق باريس والتراجع عن التزامها بمستقبل الطاقة النظيفة لا تزال الآمال في امكانية إحداث تغيير حقيقي في أسس الطاقة في الاقتصاد العالمي، وأن العالم سينتقل الآن إلى مسار طاقة أكثر استدامة له كبعد مهم  يتحقق من تلقاء نفسه لأن قادة الأعمال يحفظون افتراضاتهم حول خيارات الطاقة المستقبلية وتوقعات التكلفة.

إضراب المناخ

من جهة أثبتت الأمم المتحدة في قمتها الأخيرة  سبتمبر 2019 – في ظل الاحتجاجات المتصاعدة  التي شهدها العالم حول البيئة وحماية المناخ تحت تسمية إضراب المناخ – أن الأعمال تتحرك بوتيرة سريعة، وأن الشركات ذات القيمة السوقية المجمعة لأكثر من 2.3 تريليون دولار أمريكي، والانبعاثات المباشرة السنوية التي تعادل 73 محطة لتوليد الطاقة تعمل بالفحم.

وقد تعهدت باتخاذ إجراءات لمواءمة أهدافها التجارية – مع العلم يمثل الخروج من الفحم أولوية-  و تم توسيع تحالف Powering Past  للفحم ليشمل 30 دولة و 22 ولاية أو منطقة و 31 شركة تعهدت بإيقاف بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة من الفحم في عام 2020 والانتقال السريع إلى الطاقة المتجددة.

ومن زاوية أخرى  هناك الآن قبول واسع النطاق بأن الطريق لحماية البيئة هو:

  • تسعير خدمات الطبيعة
  • وتعيين حقوق الملكية
  • والتجارة بواسطة هذه الخدمات في السوق العالمية

حيث توجد برامج بحثية مستمرة بشأن خدمات النظم الإيكولوجية من قبل البنك الدولي، ووكالة حماية البيئة الأمريكية ومشروع رأس المال الطبيعي ، وهي شراكة بين حفظ الطبيعة،والصندوق العالمي للحياة البرية، وجامعات ستانفورد، ومنيسوتا.

فئات خدمات النظم الإيكولوجية

وقد تم تعزيز هذا المفهوم من قبل منظمة الأمم المتحدة، ودعم الإقتصادين، والباحثين كإطار لإدارة النظم البيئية ، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث تعرف خدمات النظم الإيكولوجية بأنها الفوائد التي يحصل عليها الناس من النظم الإيكولوجية ،وتصنف – حسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة- إلى ثلاث فئات وهي:

  • توفير الأغذية

    • من خلال انتاج الأغذية، والمياه.
  • التنظيم

    • تلقيح المحاصيل،التحلل من النفايات.
  • الثقافية

    • الفوائد الروحية، والترفيهية أي مساهمة الطبيعة الحيوية في رفاه الإنسان.

وأعلن البنك الدولي بالإشتراك مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة في أكتوبر 2009 مشروعا عالميا بشأن تقييم النظم الايكولوجية والثروة يتيح للدول اختبار هذا الإطار وتطويره ،فالفائدة الحقيقية من تقييم النظام الإيكولوجي للألفية هي تقديم خدمات النظم الإيكولوجية، بإعتبارها قابلة للمعاملة كسلع أساسية، ونتيجة لذلك اتسع مجال الاقتصاد النيوليبرالي في خطاب التنمية المستدامة مايسمى بإعادة اختراع البيئة.

خدمات النظام البيئي والأهمية الاقتصادية للطبيعة

لقد أصبح مفهوم خدمات النظام البيئي مؤخرا إطارا مفاهيميا رئيسيا لمناقشة التفاعلات بين الإقتصاد، والمجتمع والبيئة  لتعزيز الحفظ ،و قد تم تركيب البيئة ضمن النماذج السائدة، ولغة الإقتصاد، والخدمات، والقيم وبهذه الطريقة كان المقصود من مفهوم خدمات النظام البيئي أن يكون “مغيرا للعقل” مما يوحي بأن تدمير البيئة يتعارض مع مصالح البشر،  حيث أثبتت نجاحها خاصة مع المشروعات واسعة النطاق التي استخدمت مفهوم خدمات النظام الإيكولوجي لتقييم الأنظمة الإيكولوجية.

وفي مناقشات أوسع حول الأهمية الاقتصادية للطبيعة،أين يستخدم مفهوم خدمات النظام البيئي الآن في العديد من الوثائق السياسية من قبل مختلف الهيئات السياسية بما في ذلك الحكومات، والمنظمات الدولية، ومن المتوقع أن يترجم كل هذا  فهم أوسع لاعتمادنا على الطبيعة – لأسباب بشرية ونفعية- مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تغييرات، وتأثيرات بيئية إيجابية.

استخدام خدمات النظام البيئي في الاقتصاد النيوليبرالي

تبرز فكرة استخدام خدمات النظام البيئي في الاقتصاد النيوليبرالي بشكل خاص عندما يتم ترتيب معاملة يدفع المستخدم من خلالها مقابل تقديم خدمة ، كما هو موصوف في الأدبيات المزدهرة بشأن المدفوعات مقابل خدمات النظام البيئي، أو عند أي ترتيب آخر تم إعداده ليكشف المستخدم عن استعداده للدفع مقابل خدمة، كما يتم توسيع إطار العمل أكثر في خدمات النظام الإيكولوجي ليشمل قضايا العدالة البيئية، التي تزداد أهميتها عندما ندرس سياق الإيكولوجيا السياسية لبعض الترتيبات الجديدة بشأن استخدام خدمات النظم.

ففي الواقع غالبا ما تترجم إلى تسليع خدمات النظام البيئي وعلاقات القوة الجديدة، على سبيل المثال هل يمكن أن يؤثر استخدام خدمة معينة في النظام الإيكولوجي بواسطة مستخدم معين، أو مجموعة من المستخدمين على قدرة الآخرين في الإستفادة من خدمة النظام البيئي ؟، ومع ذلك على الرغم من أن هذه القضايا لها أيضا عواقب بيئية، إلا أنها في الغالب قضايا اجتماعية، وبالتالي لم يتم إدراجها في هذا الإطار حتى الآن.

العدالة البيئية

إن السياسات، والممارسات المستندة إلى خدمات النظام الإيكولوجي، قد تستفيد من تركيز أوثق على قضايا العدالة البيئية، ما لم يصبح البحث عن العدالة أكثر أهمية بالنسبة لخدمات النظام البيئي ، فالارتفاع السريع لهذا النهج ممكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة عدم المساواة، وقد تركت أهمية الإقتصاد، والبيئة، وغياب العلوم الإجتماعية في تطوير خطاب خدمات النظم الإيكولوجية ثغرات في المعرفة، والسياسة فيما يتعلق بالتأثيرات المختلفة لخدمات النظام البيئي.

حيث لا يزال البحث يسيطر عليه التحليل الاختزالي، والقيم الاقتصادية المجمعة التي لا تخبرنا إلا قليلا عن التأثيرات الفعلية على المجتمعات إذا كانت  تزيد من عدم المساواة، لأن الأغنياء هم الذين يستفيدون حاليا من خدمات النظام البيئي أكثر من الفقراء.

عواقب تطبيق سياسات خدمات النظام البيئي في مرحلة عدم الاستقرار والظلم

كما قد يساهم تطبيق سياسات خدمات النظام البيئي في عدم الاستقرار، والظلم مما يؤدي في النهاية إلى تقليل جاذبية نهج استدامة النتائج، وإمكانياتها لمعالجة أنماط التدهور البيئي المستمر، كما يمكن أن يساعد الاتجاه الحالي للتركيز على القيم الاقتصادية المجمعة لخدمات النظم الإيكولوجية في جعل حالة تنفيذ البرامج حيث تكون الحكومات، أو المستثمرين مترددون،  وهذا أمر مهم،لكن قد لا يسهم إلا قليلا في هدف تنفيذ البرامج، والمساهمة في الرفاهية الإجتماعية.

فمن المرجح تجاهل احتياجات ، وتطلع المجموعات المحرومة على نقيض مبادئ العدالة  من حيث التوزيع، والمشاركة، والإعتراف مضمنة في سياسات، وممارسات خدمات النظام الإيكولوجي، لذلك نهج خدمات النظام الإيكولوجي يحتاج إلى جعل العدالة البيئية أكثر مركزية لتجنب المزيد من تهميش المهمشين ، والحصول على نتائج عادلة.

لأن التركيز الحالي على التجميع في نهج خدمات النظام الإيكولوجي قد لا يسهم كثيرا في تنفيذ البرامج التي تساهم في تحقيق الرفاهية الإجتماعية الإقتصادية المستدامة، وبالتالي يمكن الاستنتاج أن الوصول إلى خدمات النظام الإيكولوجي بين مجموعات مختلفة تتشكل من خلال الخصائص الإجتماعية مثل الطبقة ، الطبقة والجنس ، وأن الإتجاه الحالي للتركيز على الفوائد المجمعة داخل أبحاث خدمات النظام البيئي من المرجح أن يخفي، ويرسخ الظلم البيئي.

منظمة التجارة العالمية وخصخصة الخدمات البيئية

ولذلك ليس من المستغرب أن تخطط منظمة التجارة العالمية لخصخصة الخدمات البيئية، لأن الواقع  في إطار الإتفاق العام بشأن التجارة في الخدمات الذي تم التفاوض بشأنه من منظور المناقشة العامة ينص على خصخصة استخراج المياه وتوزيعها، وحماية الغابات، وتعزيز الإدارة المستدامة للغابات، ودراسات الأثر البيئي، وخدمات البحث والتطوير، وبرامج التوعية العامة ، وإدارة الطاقة والنفايات، ولا تدخر خطط الخصخصة لمنظمة التجارة العالمية سوى القليل من الأمور.

بل إن منطق الاقتصاد النيوليبرالي يدفع إلى أقصى حد لتبرير التداول، وليس فقط الخدمات الأساسية للحياة مثل توزيع المياه، بل الحياة نفسها، وبموجب الإتفاق المتعلق بجوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة (تريبس) تدعي منظمة التجارة العالمية أنه يمكن تداول الحياة، وهكذا من خلال براءات الاختراع ومثال على ذلك استولت الشركة الأمريكية رايس تك على العديد من المشتقات من الأرز البسمتي.

وبهذه الطريقة فقد سرقت قرونا من جهود الزراعة، لأنه وفقا لليبراليين الجدد، فإن صاحب شكل الحياة يوفر الحماية، وهذا يثبت أن الكثير من الآثار المبكرة والأكثر حدة حول قضايا البيئة في المستقبل القريب ستكون في دول العالم النامي.

 بقلم: سامية بن يحي

أضف تعليقك هنا