زلزال سياسي ضرب تونس

زلزال تونس

في هذه الأيام زلزال سياسي ثان يضرب تونس بعد زلزال ثورة 2011، لم تتوقعه المراصد واهتزت له جميع الأوساط اليسارية واليمينية وحتى المعتدلة، هزة حطمت قدرات التنظيمات الحزبية بالكامل وشملت حتى الهياكل ذات الصبغة المدنية الاجتماعية، صعقة سياسية جعلت صناع القرار والفاعلين في حيرة من أمرهم، أسئلة كثيرة تتخبط برؤوسهم من قبيل ما الذي يحدث في تونس؟ ما الذي جعل الأحزاب والمنظمات رغم إمكانياتها الضخمة تتهاوى على حين غرة؟ ما الذي حدث لماكيناتهم الدعائية؟ ولماذا لم تحقق نتائج تذكر في هذه الفترة المفصلية؟

النتائج النهائية

حسب نتائج سبر الآراء الصادرة في الفترة الأخيرة فقد شهدت نسب المشاركة قفزة نوعية و مفاجئة تجاوزت 60 بالمئة  في انتظار تأكيدها في النتائج النهائية للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي ستعلنها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ، شعب هب عن بكرة أبيه ليقوم بواجبه الانتخابي بعد أن كانت مشاركاته السابقة هزيلة ومخزية، 80 بالمئة هي نسبة الإناث اللاتي صوتن لطرف دون آخر، من 80 إلى 86 بالمئة شباب جامعي وثانوي تقدم ليشكل ملحمة تاريخية نادرة الحدوث لنصرة نفس الطرف، من هو هذا الرجل الذي قلب الطاولة على صانعي القرار في تونس و ربما خارجها أيضاً من المتداخلين  الدوليين؟ من هو هذا الشخص الذي أعاد فسحة الأمل للتونسيين والتونسيات؟

الأحزاب

إنه قيس سعيد رجل قانون دستوري مستقل كان ولا يزال في حل من كل الأحزاب، رجل منغلق على ذاته غامض لا يعرفه جيداً إلا المقربين منه ممن درسوا عنده في الجامعة، كان يظهر بين الفينة والأخرى لبضع ثوان على التلفاز الرسمي ليبدي رأيه في مسائل قانونية تقنية بحتة ثم يختفي عن الأنظار مرة أخرى، كانت مداخلاته رغم قصر مدتها تجلب الانتباه لأن طريقته في الخطاب واسترساله في الحديث دون تهتهة أو مهمهة كانت تذهل الجميع، لكن رغم ذلك لم يخطر على بال أحد أنه سيكون رئيس تونس في يوماً ما، إلى أن حدث منعرج تاريخي قلب موازين القوى، لفهم هذا التغيير المفاجئ نحتاج لدراسات أكاديمية معمقة في أعتى الجامعات المختصة، تاريخ جديد يجب أن يكتب بأحرف من ذهب عن رجل اختطف قلوب فئة من الشعب بكلامه وبمفرده.

الشباب المثقفون

وراء هذه الظاهرة الفريدة في تونس  فئة شبابية واعية لم يحسب لها حساب، إذ كانوا  يظنون أنهم لا يصلحون للاستماع،  وضعوهم كواجهة تجميلية عنوانها تشريك الشباب ومتنها كذب وهراء عليهم، فئة لا يعطى لها فرصة لتعبر عن ما دار ويدور في خلدها و لتسطر مستقبل تونس و الذي لن يستطيع صنعه من تجاوزه الزمن المعاصر بمختلف تعقيداته و تطوراته، الشباب الطلابي خاصةً  قرروا تغيير هذا الروتين القاتل، قالوا و بأعلى صوت لتلك الأحزاب والمنظمات الكلاسيكية، كفوا عنا.. ارفعوا أيديكم عنا !

الإعلام التونسي

الإعلام التونسي بمختلف مشاربه وتوجهاته لم يعطي بدوره فرصةً للشباب ليدلوا بدلوهم في مسائل مصيرية تهم البلد، قاموا بتحييده في هذا الجانب وتركوه تائهاً في برامج ذات بعد ترفيهي تمييعي غير جاد، لكن الشباب كان جدي حاسم في حقيقة الأمر لأنه كان يعرف تمام المعرفة زيف تلك الصورة التي يريدون تسويقها للعالم عنه و التي لا تمت للواقع بصلة، فكانت مواقع التواصل الاجتماعي الحاضنة الأولى لهم،  فيها تكتلوا في مجموعات متناسقة و اختاروا زعيما ملهما لهم هو قيس سعيد، دون علم هذا الأخير في بداية الأمر!
تتطور الأمر بسرعة لينتقلوا من العالم الافتراضي إلى العمل الميداني في حملة تفسيرية وبإمكانيات ضعيفة جداً، بضع مليمات جمعوها لطباعة الأوراق، تنقلوا على ظهر الدواب في مناطق وعرة، كان هدفهم إيصال الرجل المناسب إلى المكان المناسب الذي يستحقه.

عصر العولمة

في عصر العولمة والاقتصاد المتوحش انتظمت حملته الرئاسية التي شهدت غرائب وعجائب لم يعشها عالم السياسة، حملة انتخابية لم يتكبد صاحبها عناء التنقل كثيراً بل تكفل مناصروه الذين لا يعرفهم بشكل مباشر! بهذه المهمة، لم يتصل بالأحزاب أو المنظمات العريقة في تونس كإتحاد الشغل أو منظمة الأعراف كما فعل منافسوه الذين هرولوا من كل حدب وصوب للحصول على صك الغفران وكسب مؤازرتهم، ذلك الرجل لم يدفع فلساً واحداً لشركات التلميع و تصعيد الزعامات الزائفة، كان شعاره معبر جداً وبعلاقة بما أراده و يريده الشعب، الشعب يريد… هو شعار حملته، في دلالات على أن إرادة الشعب تعلو ولا يعلى عليها، فأسهم ذلك في علو مقامه.

فيديو مقال زلزال سياسي ضرب تونس

 

أضف تعليقك هنا