ما السر .. في ذكاء الشعوب

هل هنالك شعوب غبية وأخرى ذكية ..؟

مالذي يحدد وعي الشعب على آخر….؟

معضلة الملايو

كتب رئيس الوزراء الماليزي “مهاتير محمد” كتاباً في عام 1970م بعنوان “معضلة الملايو” كان شابًّا ناشطاً سياسيًّا داعيًّا إلى الثورة الصناعية وقتئذٍ عندما اتهم عرق الملايو بالكسل؛ ولم يلقَ الكتاب قبولاً وحُظِر حينها. بعدها بحوالي عشر سنوات وُضِع هذا الكتاب قيد التنفيذ والتطبيق، بعد أن وصل “مهاتير” إلى منصب رئاسة الوزراء، ولا يخفى على أحدٍ ما أصبحت عليه ماليزيا منذ ذلك الحين.

الشعب الماليزي وبقية الشعوب

إذاً ما الفرق بين ماليزيا كشعب وبين بقية الشعوب سواء أكانوا عرباً أم غيرهم ؟ الفرق هو الوعي؛ “درجة الوعي” هي ما جعلت ماليزيا ماهي عليه الآن. إنّ الزعم بأن هنالك شعب يتفوق على شعب آخر ، هي هو زعم في غير محلّه تدينه قوانين حقوق الإنسان.

فالشعوب في كل مكان هي الشعوب ذاتها بكل انفعالاتها، كما أنّ منحنى الذكاء يظلّ يعكس القيم ذاتها في البشر. لذا فالفارق بين الشعوب يكمن في الخبرة التاريخية ودرجة الوعي. ينشأ الوعي كانعكاس للمعرفة الإنسانية، ويتم تعزيزه بمبادرات الأفراد وتخطيط النخب وعمل المؤسسات، يتقبلها الشعب بكل ترحاب اذا أحسن القائمون استخدام الوسائل التي تعزز وعي الأفراد وعامة الشعب؛ كما حدث في ماليزيا وغيرها من تجارب الأمم الناجحة.

المجتمع نحو المستقبل والفشل

ومن هذا المنطلَق فإنّ أية كارثة أو سقوط شعبي هو سقوط للنخبة أوّلاً قبل أن يكون فشلاً شعبيًّا؛ فالنخبة هي مَن تقود المجتمع وهي مَن توعّيه وتنير دربه نحو المستقبل، وفشلها – وإن كانوا أفرادًا معدودين – يعني إضاعة المجتمع وإسقاطه في الهاوية. من واجب الأفراد والجماعات في المجتمع أن يعملوا حسبما أوتوا مِن مواهب و إمكانات متاحة؛ إذ أنّ صناعة الوعي لا تاتي إلا بالاستفادة الكاملة من الجميع وطاقتهم وكفاءتهم، والبحث عنها واستثمارها في جذب الشعب إلى الفكر الأصيل والثقافة الواعية، مع الكتاب الهادف والمعلم الأمين. من هنا يبرز دور الرجوع الى أصولنا وقواعدنا الكبرى وشخصياتنا التاريخية الملهمة لكي نرجع إلى منبع المعرفة الصافي، وليمدّنا بكل مقومات النهوض والرفعة في مستوى وعينا.

الوعي والتفكير

ومن خلال بعض الإحصاءات يتبيّن أن وعينا يأخذ مراتب متدنية من بين وعي الأمم الأخرى. كما أنّ وعينا قد تعرّض منذ عقود إلى تزييفٍ وتشويهٍ وموجاتٍ خطيرة ما زال صداها يتردد إلى الآن. وعلى المستوى السياسي فالأنظمة التي توالت على الحكم وتحكّمت في الدولة بكبير الأمور وصغيرها، بدءاً من شعائر الدين والعقيدة وانتهاءً بالفتاوى المضللة، ساهمت بوافر التشويه للوعي والتضليل، والدفع بالمفكرين والعلماء طوعاً أو كرهاً إلى الانخراط في سلسلة الهجمات المنظمة على الوعي الجمعي للناس.

عصر الإعلام

في هذا العصر، عصر الإعلام العابر للزمان والمكان، لم يعد من الممكن تغييب الوعي، وكم صمد وعينا بوجه التزييف والتضليل والتشويه، وكم سيصمد في المستقبل إزاءه. بالطبع إن وعينا لن يتبدد أو يُنفى، وسيُسخّر له مَن يدافع عنه، إلّا أنّ هذا لا يخفي التخوّف من التحولات التي طالتُه منذ انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التي تفتي في مسائل شتى. وبذلك نشأت لدينا نخبة مزيفة من المثقفين والمفكرين والعلماء والفنانين ، الذين يرتزقون من الوعي المشوّه واعتقادات عامة الناس. لذلك كثيراً ما نجد مقولة ”الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب“ حيّةً أمامنا؛ فمثلا إذا أُعجبنا بشخص لصوته وبلاغة حديثه وأسلوبه، فسوف نجعله هو : العالم والداعية والفيلسوف والمفكر والمفتي دون إحقاقٍ لكفاءةٍ أو لمعرفة، فالحق ما وافق الأصول المتعارف عليها، وكما يقال: ”لا يُعرف الحق بالرجال وإنما يُعرف الرجال بالحق“. ومتى ما نفر الناس من شخصهم هذا وملّوا منه، استبدلوه بآخر يوافق أهواءهم، وهكذا تدور الدائرة مرّة أخرى.
لا شك أنّ تحصين وعينا مِن تحولاتٍ خطيرة كهذه يمثل تحدّيّا أيضاً للنخبة أوّلاً ومن ثم سائر المجتمع، وهو أمرٌ لا يجب إغفاله.

فيديو مقال ما السر .. في ذكاء الشعوب

 

 

أضف تعليقك هنا