مناجاة الليل

أنظر إلى الطبيعة… يخامرها الوسن ويعانقه النعاس كأنها كلت من أعمالها طوال النهار… وأغمضت عينيها والتفت بردائها واختفت فيه… وسكنت الدنيا وهدأت…وبقيت أنا والليل.

بادرته بالسؤال أين القمر؟

بادرته بالسؤال: “أين القمر”
أجاب: “ها هو ذا، يسترق النظر إليك، ألا تراه؟”

فالتفت إلى السماء يمينا وشمالا، فطلع فجأة (ولكنه طلع منذ ساعات)،!!…. فلماذا كان يستسر؟…
قال اليل:”كأنه يستحي منك،أو هو غضبان عليك، فاستتر وراء السحب”
قلت: “ولم؟”… أنا لم أخجله….ولم أغضبه.. عجبا!!… كيف تقول ذلك..

قال: أنظر فقد اتكأ السحب وطفق يجري كأنه يريد الهروب منك).

أرجوك قف يا قمر

فهتفت به: قف يا قمر… أرجوك!…هيا يا خليلتي (السماء) امنعيه وانصريني عليه، ففي قلبي أحاديث ممضة تحرق حجابه، أريد أن أفضيها إليه علي أجد في ذلك تعزية وسلوى…يا ساريات من فضلك اقشعي عنه ، واتركيه يفيض علي نوره المنير يرسلني بين أعطافه رسائله.وا أسفاه عليكم! ارحموا هذا البائس المسكين ، لقد طرده الناس فنفض يده منهم وهرع إليكم رجاء أن تكتنفوه في حماكم… فما لكم؟؟

يا ريح! بالله عليك قفي مكانك! عهدتك رقيقة القلب ومرهفة الحس …. ولكن من متى صرت قاسية القلب لا تعرفين الرحمة والشفقة؟! ….. قفي! …. فبوقوفك سيقف الجميع!!!بعدما ضرعت إليهم ساعة رثوا لحالي …. وجعلوا يرهفون أسماعهم لي ويصغون إلي.

سألت الليل

سألت اليل: لماذا تستر على عيوب الناس من السرقة وانتهاك الحرمة وسفك الدماء والفواحش، لا تسترهم علهم يفضحون فيستريح منهم الآخرون؟ولماذا تستر على صلاة العابد وقيام المتحنث وبكاءه وتضرعه، لا تسترهم فلعل ذلك يؤثر في قلب العاصي ويتوب؟؟ لماذا تستر على الأشقياء البائسين الذين يتململون في مكان لا يهتدى إليه وعلى أولئك المظلومين الذين يموتون جوعا أو انتحارا، بالله أبرزهم ولا تخبئهم لأن دعائهم عليهم سييستجاب ويشمل سوط عذاب الله على الجميع كبيرهم وصغيرهم خيرهم وشرهم!!.

تعرض لي القمر وقاطعني

تعرض لي القمر وقاطعني: ” ويلك! أما تراني أبث على الدنيا ضوئي اللامع؟!ثم تفلسف وقال: هذا فضل كثير مني على أهل القلوب والعاطفة الإنسانية وأهل البؤس والشقاء وأهل الصلاح والخير على الرغم من هذا الظلام الذي اشتق من الظلم لفظا ومعنى۔ وهل المعاصي إلا ديجور؟!

قلت له: “نعم يا صاح! ولكن بصراحة أنت تجامل الليل فلم تسفر أكثر من هذا النور الضئيل والضوء الكليل! ألا يستحق أهل الإيمان كامل النور، كيف يكون لهم الظلام؟ حاشا لله!!وأنت يا سحاب مكثف لماذا تعينه على هذا الغش في الفينة بعد الفينة؟وأنت يا ريح عاتية يا أرق صاحبي لم تتعاون على الإثم وتساعد السحاب من الخلف؟!

وكأنهم أعرضوا عني ولم ينتبهوا إلي

وكأنهم أعرضوا عني ولم ينتبهوا إلي ومضوا في سبيلهم، فناديتهم:”الحق مر يا أصحاب والصدق مريء” وفجأة ثار الجميع وفار وحرقوا علي الأرم كأن الغيرة أخذت منهم مأخذا فهاجت الريح كالعاصفة وأسلم السحاب سوقه للريح وجعل القمر يهرب كأن الحنق يخنقهم خنقا!!.

ثم أنشأوا يقولون: “اخرس يا أخس من بيهس! ألا تعلم أننا نمهل أهل الظلم والعصيان، نستر عيوبهم لأجل مسمى، نحسن الظن بهم لعلهم يتوبون ويرجعون، نستدرجهم من حيث لا يشعرون، حتى تقوم الشمس من مغربها ويأتي يوم لن يرونا يوم لا ليل يسترهم ولا ظلام ينجيهم…. بل نهار إلى خمسين ألف سنة!! يوم يبرز المستور ويفضح المغرور”.

الفرق بين المؤمنين والفاسقين

وأفرد القمر بقوله: “أما ما قلت أن الظلام لم يعد لأهل الإيمان فإنني أؤمن بذلك ولكن هذه حكمة الله وتدبيره فهم يصدعون بالحق علانية ولا يخافون في الله لومة لائم لديهم شجاعة إيمانية وقوة روحانية وأما المنافقون الفساق الفجار فهم جبناء يفعلون ما يفعلون تحت سقف الظلام وخلف ستر اليل خفية وسرا ليس لهم جرأة على اقتراف الجرائم علنا فضوء النهار إبراز حقيقة الصالحين وظلمة اليل إبراز حقيقة المفسدين”.

دعوا هذا التفلسف فإنني لم آتيكم لأسمع منكم هذه الثرثرات ، تركت الناس وراء ظهري لأنهم لا يقدروني شعوري ولا يهمهم أمري رغم أني أقاسي الآلام ليلا ونهارا وأتفقد شيئا طالما قرأت عنه في الكتب ورأيته في حلمي يسمونه “الإنسانية” ولا أدري أين توجد هي؟! أبين البشر أم الحيوان أم الجمادات أم في الخيال يعبث به ؟! نعم!.

لقد ماتت الإنسانية منذ زمن ولكن أأنتم أيضا متم؟!

لقد ماتت الإنسانية منذ زمن ولكن أأنتم أيضا متم؟! لم ترحم الإنسانية على هؤلاء البؤساء أما ترحمون عليهم؟! لقد جفاني الجميع فلم يبق لي بد من أن أبث ذات نفسي وسريرة قلبي بين أيديكم لعل ذلك يخفف عني ما أجد من برحاء الحزن وحرقة الشجن، ولعلكم تبكون معي فأجد في ذلك تفرجا وتروحا. قد أصبر إن لم تشاركونني في الرثاء على هؤلاء ولكن كيف أصبر إن لم تبكوا على مظلومي فلسطين والشام وبورما وكشمير!!

كان الرعد والبرق يسترقان السمع من فوق السماء

(وكان الرعد والبرق يسترقان السمع من فوق السماء فسمعوا ما جرى ما بيني وبينهم )ثم ظهر الرعد فجأة فدوى وقصف ما شاء الله فشعرت كأنه ينهرهم ويزجرهم على قساوة قلوبهم حين تصلب الناس وتصخروا وعيرهم كأنه قال: عار عليكم يا من أتى ربهم طائعين أهكذا أمركم ربكم ألا تلين قلوبكم مما تشاهدونه من يوم خلقت السماوات والأرض!! ألا تبكون عليهم ولو مرة على الأقل ألا تسنزفون ولو دمعة يحسبون أن الطبيعة لن تتخلى عنهم ويعللون نفوسهم بهذا الملجأ والمأوى”واشتدت حفيظة البرق فالتمع وجعل ينهال عليهم جلدا بسوطه الأبيض الطويل

إنها العاصفة تدوي ويثور الإعصار

وإذا بالعاصفة العاتية تدوي ويثور الإعصار…. لا!… بل إنها تعول وتولول وتنوح وتئن وتلطم وجهها وتشق صدرها وتحوم حومان السكران… لهذه الظاهرة الممضة!والأمواج جعلت تزمجر وتجلجل…لا!… بل إنها تختنق غيظا وحنقا على هذا المأتم…. تصطدم بالصخور… لا!…بل إنها تجرح رأسها على الصخور من هذه المأساة.

وامتقع لون السحب وارتسم السواد على وجهه خوفا وهلعا ولم تملك نفسها أن هطل المطر.. لا! …بل أجهشت السماء بالبكاء… وسالت الدموع سيلان البحيرة من قمة الجبل إلى سفحه…. يا لهذا البكاء الشديد… لا ينقطع ولا يتوقف… كأن الانفعال أثر فيها أكثر من تلك… لأنها كانت خليلتي أينما كنت وأينما ذهبت…. كانت بطانتي… أفضي إليها أسراري ولا أخفي لها بما تكن نفسي.

الشمس التي غابت من قليل

وهذه الشمس التي غابت قبل قليل… كانت تفور وتشتاط غضبا… تحمر عيناها… لأجل هذه الداهية…
وهل غربت وانتشر الظلام الحالك…. لا!…. بل إنها تقنعت عن الدنيا وأغمضت عينيها وكأنها أغمي عليها لشدة ضغط الدم!! ….. ولكن لم أشعر بذلك حقا!.

وطلع القمر… لا بل إنه روح الشمس التي زهقت… تضحك وتبتسم لأنها تملصت من ربقة هذا المأزق….وبعد ما رأت الأرض ما أصاب السماء أطرقت رأسها وتأسفت…وأين الريح؟….. إنها ماتت!! …..فزعا مما رأت… إنها كانت أرهف حسا وألطف طبعا وأرق شعورا وألين عاطفة من تلك.

و هكذا جنت الطبيعة جنونها

و هكذا جنت الطبيعة جنونها!!كأن هذه الطبيعة الجامدة تحسد على هذه المخلوقات التافهة الحقيرة الميتة التي لا شعور فيها ولا عاطفة يدعونها (الناس)، لأنها أوتيت السيادة والشرف فخانت وظلمت فلم تفلت من جورها الطبيعة أيضا…أما اليل فسلام عليه لقد أبى إلا أن يسير في دربه ويتعصب لفلسفته حقا إن النور لا يؤثر الظلام ولا هما يجتمعان!.

فيديو مقال مناجاة الليل

 

أضف تعليقك هنا