وجع الكتابة

شيطان الكتابة

فجأة عاد شيطان الكتابة لعادته القديمة، يؤزني أزًّا، ويُزين لي غوايتها، ويراود قلمي الراهب في صومعته عن نفسه، فبعد غياب لمدة ليست بالقصيرة عاد مرة أخرى،بعدما حسبته اعترف بضعفه أمام إرادتي القوية، وبهزيمته في معركته المصيرية، وحسبتني نجحت في إقناعه أن قلمي ليس صعلوكا يرسله حيث شاء، ويحركه من خلف الستار كما أراد، يدخله معاركه ليحارب نيابة عنه، وحسبتني أقنعته أني لست بكاتب، فغاية ما في الأمر أني قارئ مبتدئ كسول، وفي أعلى درجات نشاطي، أقوم وأسقط بين السطور والكلمات، فما بالك بالكتابة، التي تعتبر مُحصِّلةً لمسيرة قرائية طويلة، وتتويجًا لمسار حافل بدراسة عقول الكتاب، والتهام إنتاجاتهم الفكرية، والغوص في فك رموز لوحاتهم الإبداعية، والتنقل بين عوالمهم الخاصة والعامة.

القوة الغريبة

لكنه عاد هذه المرة بقوة أكبر، وإصرار أعظم، وبخطة مغايرة وتكتيك فريد، علَّه ينجح في دفعي لكسر الباب، واقتحام هذا العالم الصعب، الذي يغري بجزرة النشوة: نشوة إبداع نص وإخراجه من العدم إلى الوجود، ونشوة افتضاض بكارة الورقة البيضاء بقلمي النحيل الذي يفيض نشاطا وحيوية، الذي مل البطالة والرهبنة، واشتاق لمعانقة الحروف ومنادمة الأفكار و مقارعة الأبطال.
لكنه حين يُظهِر الجزرة يُخفي عني العصا خلف ظهره حتى لا أتراجع، وأكف عن المحاولة.
فأن تكتب يعني أن تعرض عقلك على الملأ، أن تقدم أفكارك عارية للقراء على سرير أبيض، أن تكتب هي مغامرة إما ترفعك إلى أعلى أو تطرحك أرضا غير مأسوف عليك، فكم من كاتب هوت به كتاباته في مكان سحيق، و أسقطته أفكاره من أعين الناس بعد أن كان مقدرا مرفوعا، أو على الأقل معذورا مستورا.

فالخوف من الكتابة مبرر إذن لأنه مواجهة مع قراء مختلفين، ولأنه مواجهة مع اللغة حسب المبدع محمد حامد الأحمري:

{{ إذا كانت الكتابة هي الطريق إلى الشعور بالحرية ،
فإن أول ما قد يواجهه الكاتب هو الخوف من هذه الحرية ،
الخوف من مواجهة اللغة ، لأن أول منازل الكتابة اللغة. }}

قلم الانتصار

بعد صراع إذن، أعترف أنه انتصر علي هذه المرة، نجح في جعلي أُصالح قلمي بعد خصام، وأشركه في أمري ليعبر عن خواطري، ويعرب عن لواعج نفسي، سأحرره هذه المرة ليكتب ما شاء كما شاء وقتما شاء، فزمان الرقابة ولًّى، فليكتب عن انتصاراتي أو انكساراتي، عن مغامراتي أو انسحاباتي، عن شجاعتي أو جُبني، هو حر إذن.
سأكتب وكفى، لا داعي لطرح سؤالي القديم: لماذا أكتب؟ ولا لمن أكتب؟ سأكتب وكفى، سأكتب لي أولا، سأكتب لأن هناك ضجيجا بداخلي لا يسكنه إلا صرير القلم أو بتعبير “ثيودور أدورنو”:

{{ عندما تمتلك الإنسان حكة الكتابة، لا يشفيه منها سوى كشطها بالقلم}}.

سأكتب لأن هناك فوضى من الأفكار والأحاسيس والمشاعر، لا يرتبها إلا رَصُّ الحروف ونحت الكلمات ورسم الجمل.
سأكتب وكفى، لن أرهق نفسي بالخوف من رقابة رقيب، ولا تجسس متلصص على كتاباتي أو تافه كما عرفه جلال الخوالدة حين قال:

{{ الذي لا يُجيد كتابة كلمة واحدة مكونة من 4 حروف لكنه يتقن إيجاد 4 أخطاء فيها؛ يستحق لقب تافه بجدارة}}.

سأكتب

سأكتب فالكل يكتب، من يحسن ومن لا يحسن، من يُفصح ومن يُكَنِّي فلماذا لا أكتب؟

الكل يكتب: الإسرائيلي يكتب، النصراني يكتب، البوذي يكتب، أفلا أكتب وأنا مسلم مؤمن.

لكل قضيته التي يكتب عنها ويناكف ويبارز عنها، فما معنى أن أخذل قضيتي؟، فالصمت في بعض المواقف تقصير، وفي بعض القضايا يجرم الساكت عن الحق والناطق بالباطل سواء بسواء كما يدعو “إلياس فركوح” إلى الكتابة والكلام بقوله:

” الحياد جريمة. السكوت جريمة و الكلام أمضى من القتل
..لنكتبْ إذن ، فالكتابة صلاة الكلمات بالكلمات.”

سأكتب خواطري ، وأطرح أفكاري، وأدافع عن آرائي، وأوثق إنتاجاتي، فإن وجدت القبول عندك أيها القارئ اللبيب فإمساك بمعروف، وإن لم تلق ترحيبا فتسريح بإحسان والله المستعان.

فيديو مقال وجع الكتابة

أضف تعليقك هنا