وعود كاذبة

بقلم: أشرف القابسي

تونسي مرهق أعاني من الغربة والقلق الموحش، من جراء الظروف «المقودة» والحياة الدامسة!!.. أقطن بحي مهمش بالقرب من ساحة اختارها أهالي الحي لينظموا أفراحهم بـ «الموزد» الصاخب وقذف «الشماريخ» في ساعة متأخرة من الليل.

لم أتابع هذه الأفراح بقدر ما أتابع عبر نافذتي حفل من نوع آخر

لم أتابع هذه الأفراح بقدر ما أتابع عبر نافذتي حفل من نوع آخر !! فبمجرد ما ينتهي الحفل في ساحة الحي، يزحف على الشارع قافلة من «الكلوشارات» الذين يركلون أبواب المنازل بأرجلهم، ويفرغون في طريقهم صناديق القمامة العطرة، بعد أن يشرب هؤلاء كميات هائلة من «البربر» و«الروج» في بطونهم المنتفخة بغاز الميثان، ثم يبدؤون بالصراخ ملء حناجرهم بكلام ساقط وشتائم سافلة تجعل الشيطان يضع أصابعه في آذنيه خجلا من سماعها.

وبعدما يمرون كقافلة من الثيران الهائجة، تنتبه حاسة شمي إلى تصاعد روائح تبولهم و إفرازاتهم السامة والحمضية لأغلق بعد ذلك نافذة بيتي وأخلد للنوم.

صباحا.. يقوضني منبه الهاتف على جرس صاخب

صباحا.. يقوضني منبه الهاتف على جرس صاخب يؤثثه ضجيج السيارات والشاحنات وأبواقها الملعونة..أتوجه الى المطبخ لأحتسي فنجان من القهوة على الأسطوانة المعتادة صراخ أبي وأمي عن شؤوننا المادية.أرتدي بدلة العمل وأخرج الى مزبلة الحي والتلوث البيئي والصوتي التي أعتدت عليه نوعا ما.

في شارع مكتظ على نقطة التقاء الطرق في إحدى النقاط السوداء “برشولنة”. حيث يبرز الناس أنيابهم بدون مراعاة لا شيوخ ولا نساء ولا أطفال.. إنها أقبح صورة يمكن أن تراها في كل صباح وأنت في انتظار الحافلة الصفراء التي تأتي أو قد لا تأتي.

ثم أتذكر حبيبتي التي تطفئ في نفسي كل الضجيج الذي أحمله معي كل صباح حيث ألمحها من بعيد عند «الحماص» فأقصد أنيستي وحبيبتي سيجارة “كريستال ليجير” التي تمتص قليلا من غضبي وإستيائي الشديد، وفي نفس الوقت تمتص مني دقائق من عمري الذي لم يعد له معنى من يوميات مواطن تونسي يعيش على أرض منسية..

فجأة ألمح الحافلة آتية من بعيد

وفجأة ألمح الحافلة آتية من بعيد ، وأشعر بنبضات قلبي تتسارع، حيث سيبدأ صراع بين القوي والضعيف لحجز مقعد غير مريح، بعد ممارسة وسائل متعددة كالتدافع والقفز والتسلق والمراوغة مع الحشود التي ستصعد جميعها على متن الحافلة الصفراء. و أكبر من يعانى داخل هذا الصراع هم الإناث، فبعد ولوج باب الحافلة يبدأ الاحتكاك، المعاكسة، التحرش اللفظي والجسدي… وماهو ألعن من ذلك.

بعد وصولي الى العمل في مقهى «اولاد الشعب» كنادل غير محترم حيث أعامل كعبد من رب العمل وكخادم مطيع من الزبون الناقم على البلاد، الذي يرى منتجات في اعلانات التلفاز دون أن يحلم بامتلاكها ذات يوم. لذلك فالحل في نظره هو تدمير نفسيتي انتقاما لطبقته الكادحة التي أمثلها أنا شخصيا.

بعد مرور يوم عصيب

وبعد مرور يوم عصيب يضل يلاحقني في طنين أذني ابتداءا من صراخ الأبوين ورب العمل انتهاءا بصراخ المجتمع.. لأفتح التلفزيون على رجال أحزاب يصرخون كثيرا ..ولكم كم أكره الصراخ!حيث يخدمون أجندتهم الضيقة من أجل مقاعد برلمانية وأغلبية حزبية ليذهب هؤلاء للنوم والشخير على مقاعد البرلمان، فهؤلاء لم يأتون بجديد للمواطنين والشباب الطامح غير شعارات ووعود كاذبة، بعيدا عن أي خطط إستراتيجية تعالج الواقع برؤية وأفاق عالية وقوية.

للأسف.. تمكنت الدولة العميقة من التعشش والتفرغ لإمتصاص جذور الوطن كما يمتص «دراكولا» دماء الناس. فلقد رأينا تهديدا للطّبقة الوسطى و انهيار تام للطبقة الفقيرة التي أصبحت بدورها أحد أدوات إنتاج الفساد على المستوى الاجتماعي والأخلاقي والفكري الذي يجعلنا من بلدان العالم الثالث، أو بالأصح من البلدان المتخلفة. ..ولكم كم أكره التخلف.

بقلم: أشرف القابسي

 

أضف تعليقك هنا