الأصل في الديانات التوحيد

رؤية بعض العلماء لفكرة “الأصل في الديانات التوحيد”

إن الأصل في الديانات التوحيد، وما ينقله لنا الباحثون من أن الإنسان الأول قد إنتقل من ديانة إلى ديانة غير صحيح ( فهم يرون أن الإنسان انتقل من الطوطمية إلى الفيتشية إلى الوثنية مروراً بعبادة الطبيعة ومكوناتها كالشمس والقمر والنجوم وصولاً للديانات التوحيدية)، أي انتقل في معتقداته من عبادة آلهة متعددة ومحسوسة إلى عبادة إله واحد غيبي.

ويعتمد العلماء في الغالب على دليلين أساسيين في رؤيتهم السابقة هما:

  • أولاً

    •  آثار ومخلفات الإنسان القديم ( إنسان ما قبل التاريخ ) وبخاصة المراكز الدينية ( المعابد ) والأدوات الشعائرية والصور والرموز والقرابين وغير ذلك وقد اعتبروا فيها أدلة قاطعة على ممارسات دينية تعود لما قبل التاريخ.
  • ثانياً

    • الثقافات البدائية المعاصرة وبالأخص الثقافة الدينية حيث حاول العلماء دراسة المعتقدات لدى الأقوام البدائية المعاصرة التي تعيش في استراليا والأمازون وأدغال أفريقيا وشمال أمريكا وبعض جزر جنوب شرق آسيا، ومن ثم تفسير مشاهداتهم وملاحظاتهم لمخلفات الإنسان القديم في ضوء تلك المعتقدات.

دراسة العلماء لمعتقدات الإنسان القديم

وبرأينا أن العلماء قد جانبوا الصواب في دراساتهم واستنتاجاتهم لمعتقدات الإنسان القديم، ونظريتهم مدحوضة من خلال أدلتهم نفسها:

  • أولاً

    • بالنسبة لآثار ومخلفات الإنسان القديم فإن المقصود بها آثار إنسان ما قبل التاريخ، والعلماء يميزون بين عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية اعتماداً على استخدام الكتابة، والكتابة كما هو معلوم تسهل عملية التعرف على ثقافة الشعب الذي يكتب بها، مع أن الكتابة لم تظهر في وقت واحد لدى جميع الشعوب وبالتالي فإن الحد الفاصل بين عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية ليس ثابتاً.
    • فالوصول لثقافة إنسان ما قبل التاريخ يعتمد أساساً على مخلفاته من الصور والرموز وطرق الدفن وشكل المدافن وهندسة المعابد، والتفاسير المستندة على هذه الآثار تبقى تخمينية لا يمكن الأخذ بها بشكل قاطع فالبقايا الاركيولوجية الصامتة لإنسان ما قبل التاريخ والخاصة بالممارسات الدينية لا تعطينا سوى فكرة ضئيلة عن تلك المعتقدات والثقافات البعيدة والمنقطعة
    • فقد نعرف على سبيل المثال: كيفية دفن الموتى لدى ذلك الإنسان، ولكن لن نعرف بوجه الدقة لماذا كان يتم الدفن بهذه الطريقة أو بتلك، فالعثور على أدلة توضح ممارسات دينية لإنسان ما قبل التاريخ لا يمكن أن يعطينا تفسيراً دقيقاً لطبيعة الدين الذي تنتمي إليه هذه الممارسات، فالتعرف على ثقافات ما قبل التاريخ مازال يعتبر إشكالية لدى كافة الباحثين، وبالتالي فإن محاولة تفسير معتقدات الإنسان القديم في ضوء آثاره ومخلفاته غير كافية برأينا لمعرفة الدين الحقيقي الذي كانت تدين به الأقوام القديمة.
  • ثانياً

    • بالنسبة للثقافات البدائية المعاصرة فإن المقصود بها ثقافات الأقوام البدائية التي ما تزال تعيش في استراليا والأمازون وأدغال أفريقيا وشمال أمريكا وبعض جزر جنوب شرق آسيا، وقد حاول العلماء دراسة المعتقدات الدينية لدى هذه الشعوب ومحاولة ربط هذه المعتقدات بمعتقدات إنسان ما قبل التاريخ بالرغم من ضعف الصلة بين الجهتين.

ماذا نلاحظ من خلال دراسة معتقدات الأقوام البدائية المعاصرة؟

ولكن ما ألاحظه من خلال دراستي لمعتقدات الأقوام البدائية المعاصرة أن فكرة التوحيد موجودة لديهم بالرغم من التشويش والغموض الذي يحيط بها، فإذا أخذنا بصحة المقارنة والربط بين هذه المعتقدات ومعتقدات إنسان ما قبل التاريخ فإن ذلك سيكون دليلاً لصالح الديانة التوحيدية لا ضدها ولدحض نظرية تطور الأديان من الديانات التعددية إلى الديانات التوحيدية، ونؤيد فكرتنا بالأدلة التالية:

  • شيوع الإعتقاد بوجود إله يتصف بأنه واحد وغير مرئي وموجود في السماء أو في مكان بعيد ما

    • وهذا الإله هو الذي خلق كل شيء ( الأرض والبحر والسماء والكائنات )، وهذا الإله يراقب كل ما يجري على الأرض بين الناس ورغم عدم موافقته أحياناً على كثير مما يراه إلا أنه نادراً ما يتدخل.
  • شيوع أساطير الخلق والتكوين لدى هذه المجتمعات والتي لا تختلف كثيراً عما ورد في الديانات التوحيدية

    • وسنقدم  لكم بعض هذه الأساطير التي ذكرها فراس سواح في موسوعته تاريخ الأديان – كتاب الشعوب البدائية والعصر الحجري حيث يقول: ((إن أساطير الخلق والتكوين تأخذ حيزاً واسعاً من الموروث الميثولوجي للجماعات البدائية …… وهنا تتعدد الروايات فلربما قام الإله الأعلى أو بطل حضاري بدئي في الأزمان الأولى للغوص في أعماق المياه الأولى واغترف قبضة من الرمل صنع منها الأرض المهيأة للعيش أو أنه فصل بالقوة بين الأب (السماء) والأم (الأرض) من أجل إيجاد فسحة من المكان لحركة الآلهة والبشر وبقية أشكال الحياة التي أنجبها الزوجان البدائيان وهما ملتصقان)).
    • ويذكر أيضاً في قصة غواص الأرض ((أن أصل الأرض يعود لحاصل عمل شخص يغوص إلى قعر المياه الأزلية للحصول على قليل من الرمل أو التراب ليخلق منه الأرض، والغواص هو في الأعم حيوان، ويوجد في العادة عدد من الغواصين الذين يحاولون بالتتابع الغوص بحثاً عن التراب ……….. وإلى جانب الغواصين هناك شخص خالق، ومهمة الخلق هي أخذ حفنة الرمل أو التراب، وتوسيع هذه الأرض في طور النشأة بالعجن والتمطيط وغناء أغنيات الخلق وعندئذٍ تطفو الأرض المخلوقة فوق المياه الموجودة منذ الأزل)).

ومن خلال دراسة هذه الأساطير نلاحظ ما يلي:

  • أولاً

    •  إن هذه الأساطير تتقارب كثيراً مع ما ذكر عن الخلق والتكوين في الديانات التوحيدية، فالخلق يبدأ دائماً من الماء حيث يغوص الإله للأعماق ويغترف التراب ويبدأ بخلق الكائنات، وهذا يتطابق مع القرآن الكريم في قول الله سبحانه وتعالى: ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)) الأنبياء 30، وكذلك فإن أسطورة خلق السموات والأرض بالفصل بينهما تتطابق أيضاً مع القرآن الكريم في قول الله سبحانه وتعالى: ((أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)) الأنبياء 30.
  • ثانياً

    •  إن هذه الأساطير تكاد تكون واحدة لدى أغلب الجماعات البدائية المعاصرة بالرغم من التباعد الجغرافي الشاسع بين مناطق سكنها وعدم إمكانية التواصل بينها بأي شكل من الأشكال، فجماعة في إفريقيا وأخرى في استراليا وثالثة في أمريكا الشمالية ورابعة في الأمازون وخامسة في جزر جنوب شرق آسيا، والبحار والمحيطات كما هو معلوم تفصل بين هذه القارات، ووحدة هذه الأساطير عند تلك الجماعات البدائية يقودنا لاستنتاج مفاده :

إن هذه الجماعات قد أخذت أساطيرها من نفس المنبع، وكون هذه الأساطير متوارثة شفاهياً لدى هذه الأقوام، فإن ذلك لا يدع مجالاً للشك في أن أسلاف هذه الجماعات كانوا يعيشون في نفس المنطقة.

الأدلة التي تثبت أن أصل الديانات توحيدي من وجهة نظر الكاتب

وبالتالي فإن أصل الديانات إما توحيدي أو تعددي، ونحن نرى أن الدين كان في الأصل توحيدي ثم بدأ بالانحراف تدريجياً حتى ظهرت الديانات التعددية والوثنية، فأرسل الله سبحانه وتعالى الرسل لإعادة البشرية للطريق القويم وعبادة الله الواحد الأحد، وأسوق لكم الأدلة التالية لإثبات وجهة نظرنا:

  • إن هذه الجماعات البدائية لديها من التخلف الفكري والتأخر الحضاري ما يجعلها غير قادرة على ابتكار أفكار تتعلق بالكون والحياة بهذه الصورة الدقيقة.
  • إن أقوام عديدة في العصر الحالي ما تزال تعبد الأصنام أي ذات ديانات تعددية بالرغم من التطور الحضاري الكبير الذي وصلت إليه كالصين والهند، ومع ذلك لم تتغير دياناتها منذ آلاف السنين بالرغم من احتكاكها المباشر مع الديانات التوحيدية.
  • إن الديانة التوحيدية تتناقض تماماً مع الديانة التعددية، فالأولى تحاول دوماً رفض التعدد بينما تؤكد الأخرى على تعدد الآلهة، والملاحظ أن الديانة الإسلامية وهي الديانة التوحيدية التي مازالت تحافظ على الوحدانية المطلقة للإله الذي تعبده ترفض أي وجود لإله آخر، بينما نلاحظ أن معظم الديانات التعددية تدرك وجود إله أعلى فوق الآلهة المتعددة وهذا يدل على أصالة التوحيد.
  • أثبتت دراسات تاريخ الأديان أن التعددية ظهرت تدريجياً من إلهين إلى ثلاثة، ثم ظهور تخصص بين الآلهة (إله للسماء، وإله للأرض، وإله للخصوبة وإله للمطر ………) بينما الديانة التوحيدية تظهر على يد رجل مرسل من الإله الواحد ويقوم بقلب الأوضاع رأساً على عقب.
  • الملاحظ من خلال الدراسات التاريخية للأديان أن رجال الدين كان لهم الدور الأكبر في انحراف البشرية وتقهقرها نحو التعددية.

فيديو مقال الأصل في الديانات التوحيد

أضف تعليقك هنا