الشباب وقود ثورة تشرين اللبنانية

ثورة لبنان

يشهد لبنان منذ ما يقارب الشهر انتفاضة شعبية عارمة يتصدرها الشباب، يثورون على حكم طائفي قائم في البلاد منذ ثلاثين عاماً وقد أصابه الإفلاس على كافة المستويات، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. ومع ذلك فهذا الحراك الشبيه بالحراك الذي عمّ العالم العربي لا يجد صدى كبيراً في الخارج.
في صبيحة يوم ١٧ تشرين الاول الماضي وقف بعض الشباب في وجه النظام الطائفي مطالبين بسقوطه، كانت تلك لحظة فارقة لم يعد عندها لبنان على حاله.

نظام لبنان الطائفي

تبدلت الأحوال سريعا وباتت الأرض تميد من تحت أقدام نظام مذهبي فاسد، ليستمع رموزه وللمرة الأولى منذ توليهم السلطة بعد اتفاق الطائف وبوضوح شديد ومباشرة لصوت الشعب ممثلا في بعض الشباب، ذلك الهتاف كان كافيا لأن يرحل رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري (سني) سريعا بعد ان انتفضت كل الارض اللبنانية في وجه الحكم وفي توافق مزلزل.

اصبح كل يوم يمر على لبنان يزداد فيه اليقين لدى اللبنانيين بأن صفحة الحكم الطائفي تطوى عمليا، فلم تعد أمام الرئيس عون (ماروني) تلك المساحة الكبيرة التي ظل يتحرك فيها طوال ثلاثة سنوات في قصر بعبدا والى ماقبل الثورة الشعبية في ١٧ تشرين الاول الماضي.

وعود النظام في لبنان بالإصلاحات 

الزلزال الشعبي الرافض للحكم يضرب كل مدن لبنان من أصغرها الى أكبرها وهتاف واحد يوحدها “كلن يعني كلن” . ومع مرور الوقت ليس فقط تتداعى جدران الخوف بل ينتقل الخوف الى صفوف القوى المشكلة للنظام والتي تتهاوى صفوفها وترتبك خطاها تباعا، ومع هذا السقوط تزداد الجموع جرأة وتخف القبضة الرادعة عن خناق الشعب .

الشارع اللبناني يزداد تنظيما ويتعزز تصميمه على اقتلاع النظام، ولم تعد الوعود التي أطلقها النظام بالإصلاحات ، ولا التهم التي كالها عن الخونة والمندسين والمخربين تغير شيئا في الواقع، لقد حسم الشعب اللبناني أمره وأوجز مطلبه في عبارة بليغة وجهها للنظام، فانتشرت في أرجاء لبنان “كلن يعني كلن”.

على أرض الواقع تطوى سريعا ثلاثون عاما من الحكم الطائفي الأكثر فساداً والأكثر تدميرا للدولة والأكثر ايلاما للبنانيين، واذا ما انتهت هذه الحقبة الكالحة تكون قد انقضت التجربة الأولى الأكثر فشلا في حكم لبنان، والأسوأ للحكم الطائفي على مستوى العالم العربي .

تصاعد صوت الثورة في لبنان

ومع استمرار وتصاعد وتيرة الثورة الشعبية ، بدأ معه الحراك المنظم في زيادة سرعة الإيقاع والتنسيق بين صفوف الشارع، ويوم بعد آخر ترتفع وتيرة الحراك الشعبي والضغط على النظام ورئيسه ميشيل عون وحلفاؤه (حزب الله موالي لايران، يتزعمه حسن نصرلله، وحركة امل موالية لايران ويتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري) بالتنحي عن الحكم، هذا التحرك من جانب القوى الشعبية، ومع إدراك المتغيرات التي حملها الحراك الشعبي هذه المرة .

وعلى خلاف التجربة السابقة في العام ٢٠٠٥ عندما اندلعت الثورة من قلب العاصمة بيروت في اعقاب اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري (والد رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري) فقد بدت هذه المرة أكثر نضجا وحيوية وعنفوانا بالتأكيد من الحراك السابق.

الإرادة الشعبية في لبنان

الثورة الشعبية هذه المرة تمثل حراكا مدهشا فعلا من حيث التصميم وقوة الإرادة الشعبية تقوده وتحركه قوة وإرادة شبابية هائلة غير مسبوقة، قوة الحراك الشعبي باغتت الحكومة وفاجأت بمستواها التنظيمي والوعي الجماهيري المصاحب حتى القوى الحزبية المعارضة، حركة شعبية واضحة في هدفها وفي غاياتها في التغيير الحقيقي وبناء لبنان جديد أوجزت ذلك في الشعار الرئيسي المرفوع “كلن يعني كلن”.

لقد تجاوزت مدن لبنان وساحاته واقاليمه العاصمة بيروت من حيث قدرتها على تنظيم قواها ، وبدت طرابلس (الشمال) أكثر ثورية في تحركها وتقدمها لمقارعة النظام القابض على الحكم بالتهديد والوعيد، يلفت النظر أن أبرز سمات الثورة الحالية هو الظهور الطاغي لعناصر الشباب المفاجأة التي سيكون لها حتما دورا في صياغة الواقع السياسي لمابعد اسقاط الحكم الطائفي، وهي مفاجأة هزت ضفتي الحياة السياسية اللبنانية حكومة او معارضة سياسية.

فالنظام الطائفي قبل هذه الأحداث بدا واثقاً من كونه قد خلق جيلا شكلته كما تريد عبر مناهج دراسية تستوحي الفكر الطائفي. السلطة نشرت وبشكل ممنهج حالة من الهوس الديني في كل مفاصل الدولة وسيطر التعسف والغلو في الدين مصحوبا بالفساد الذي نشره أركان الحكم من أفراد الطبقة من الرأسمالية الطفيلية الثرية المستحدثة والتي احكمت قبضتها على موارد وثروات البلاد.

جيل الشباب والثورة اللبنانية

نشر هذا الجو المليء بالمتناقضات وكبت الحريات حالة من الإحباط واليأس وسط شريحة واسعة من الأباء من إمكانية نهوض وثورة جيل الشباب وحسبوا أن الشباب قد ضاع وفقد البوصلة، لاسيما وان هذا الجيل من الشباب الذي يقود اليوم الثورة الشعبية قد ترعرع في عهد الطائفية وعاش محاولات ممنهجة لإحداث قطيعة تاريخية بينه وبين الماضي، ولكأن الشباب قد انتظر 30 عاما داخل القمقم الطائفي ليخرج الى الشارع ماردا قويا تقوده قيما جديدة ، وتدفعه بواعث للتغيير الحقيقي ، ويحلم بإعادة صياغة المجتمع اللبناني على أسس ومفاهيم جديدة احتواها بشعار رئيسي له دلالة “لا للطائفية” . وظني أن هذه الميزة ستلعب دورا حاسما في تحديد شكل الحكم الجديد وتضعان أسس لتجربة جديدة وتاريخية.

الفساد يخلف الفقر والبطالة 

اليوم وللمفارقة تنبثق هذه الحركة الشعبية القوية التي يقودها الشباب ولبنان يحتفي في ٢٢ تشرين الثاني بالذكرى ٧٦ لاستقلاله الان استغرق الأمر أيضا طريقا طويلا ومتعرجا لفترة 30 عاما حتى فجر جيل الشباب الحالي غضبته وخرج للثورة على تجربة مذهبية فاشلة، والمفارقة أنه اذا كان شباب الفقر والبطالة قد خاض معاركه مستفيدا من معطيات وبنيات دولة متعددة الطوائف، وتعليم مهترىء ومرافق تعليمية بالية وحرية نسبية في ظل فساد هائل، فإن هذا الشباب في محنة حقيقية امام لغة السلطة الوحيدة وماقامت به من واقع المعاش مثال الفساد والتراجع بخطوات متسارعة في التعليم والإنتاج والصحة والغذاء .

على أنه وفي جوف هذا الوضع المتردي كان ثمة جيل يولد ويتطلع ويحلم باللحاق بركب العالم المتحضر، وحيث أنه جيل يعيش عالمين أحدهما سماعي والأخر.

فيديو مقال الشباب وقود ثورة تشرين اللبنانية

أضف تعليقك هنا