المرأة الفلسطينية والهوية الثقافية

بقلم: أ. فداء محمود الشوبكي

المرأة نصف المجتمع

المرأة نصف المجتمع، بل هي كل المجتمع، فهي الشريك مع الرجل في بناء المجتمع، وهي ركن هام من أركان المجتمع وعليها يقع العبء الأكبر في تقدم الحياة واستقرارها لذا كان لها دورها في إبراز ثقافة المجتمع والحفاظ على الهوية الثقافية.

فالثقافة لا ترتبط بفترة زمنية معينة دون غيرها، بل تمتد منذ البداية حتى يومنا الراهن وإلى المستقبل وهي الرابط الذي يشير إلى هوية مجتمع بشكل خالص وكذلك إلى هوية فرد باتجاه انتمائه إلى مجتمع ما بحيث يمتلك هذا الفرد أبعاد مجتمعه فكرية وحضارية وثقافية، والحكم هنا يعود بالأساس إلى ما يمكن تسميته بالقانون الذي يحكم هذا الانتماء، وتتضمن العادات والتقاليد والموروثات والطقوس والانتماءات القبلية والعرقية وبمعنى انتماء الإنسان إلى وطن أو جماعة.

وهذا الانتماء لم يأت بشكل يسير أو انفعالي أو مزاجي بل هو ناتج عن امتدادات الماضي والحاضر ولابد لكل شخص أن يكون ضارب العمق داخل الحياة الاجتماعية وامتداده إلى أجداده وآبائه ضمن المجتمع الذي يعيش فيه، ومن هنا يكون هذا النظام الاجتماعي المشتمل على الثقافات الخاصة به طالما تبناها الفرد وانضوى تحت مظلتها ونقلها الى أبنائه باعتبارهم حاملي ثقافة المجتمع مستقبلاً، فالثقافة المرتبطة بالمجتمع والفرد هي هويته الذي يريد إيصالها إلى الآخر وخطابه الإنساني نحو المجتمعات الأخرى.

المرأة والثقافة

فالمرأة محور هام من محاور التنمية الثقافية في هذا المجتمع حيث أنها تمتلك مقومات فكرية وإبداعية تمكنها من التعبير عن الهموم والقضايا التي تشغلها. ورغم كل الظروف التي مرت بها المرأة الفلسطينية إلا أنها تميزت عن باقي النساء في الحفاظ على الهوية الثقافية.

والهوية الثقافية تمثل الخصوصية التي تميز جماعة بشرية عن غيرها: كالعيش المشترك، العقيدة، اللغة، التاريخ والمصير المشترك، ومن هنا فإن الهوية الثقافية تحمل دلالتها من المحددات الأساسية لثقافة الأمة، لذا فهي السمة الجوهرية العامة، لثقافة من الثقافات، وهي ناتجة عن تلاحم الماضي العميق لتتشابك مع الواقع وتنفتح على المستقبل.

ما هي مكونات الهوية الثقافية؟

يرى بعض المفكرين العرب أن الهوية الثقافية نموذج ثقافي مكتسب وموروث، نابع من الثوابت التاريخية، والطبيعية، والبشرية، والثقافية، التي تتميز بالثبات النسبي، لكن في الوقت نفسه تتغير وتتطور، عبر العصور والقرون، وإن كان هذا التغير تدريجياً، كما أنها تتميز بالتفرد نظراً لما تضمه الثقافة من مكونات تتمثل في التقاليد والعادات الاجتماعية، وأنماط السلوك، والقيم، والمثل والعقائد، ورؤية أفرادها للعالم والكون.

وهي تكتسب بالتنشئة الاجتماعية، والتعليم، والاتصال والتفاعل مع الأفراد والنظم والبيئة المحيطة، وتعمل على التوحيد النفسي للأفراد.

ركائز الهوية الثقافية

من أبرز العناصر التي تمثل الركائز الأساسية للهوية الثقافية ما يلي:

  • الدين: وهو مجموعة المعتقدات والممارسات وأساس السلوكيات حيث أن له الأثر الكبير في تشكيل وتكوين المفاهيم والقيم الفكرية للممارسات المادية والمعنوية للمجتمع، فالعلاقة بين الدين والسلوك الاجتماعي علاقة تبادل معرفي وتواصل دائم لسد حاجات المجتمع المادية والمعنوية، وهو منطلقاً للقيم التي تبنى على أساسها الأفعال المتحولة إلى عادات اجتماعية ومن ثم تقاليد متوارثة بين الأجيال، فهو الأساس الذي تبنى على أساسه الهوية الثقافية.
  • اللغة: فاللغة لها مكانة مركزية باعتبارها عنصر هام من عناصر الهوية الثقافية، وهي علاقة تكاملية، فكل لغة تعبر عن ثقافة مستقلة، وهوية ثقافية خاصة بالمجتمع الذي يوظفها في ممارسته الاتصال، وهو الأمر الذي جعل منها مؤسسة ثقافية تختلف باختلاف الشعوب، وتجدر الإشارة إلى تفصيل ينبثق عن اللغة والذي يتمثل باللهجة التي تتعدد في اللغة الواحدة وهو الأمر الذي يضفي على كل فئة ميزة اللهجة التي تنطق بها.
  • العادات والتقاليد: وهما مفردتان متلازمتان حيث أن تكرار العادة وتوارثها عبر الأجيال يجعل منها تقليداً لدى الأفراد الذين توارثوها. فالعادات الاجتماعية هي ذلك الأسلوب الاجتماعي الذي يمارس في المجتمع من خلال التفاعل بين الأفراد، وهي الدعائم الأولى التي يقوم عليها التراث الثقافي في كل بيئة اجتماعية، حيث نجد في كل جماعة بعض الممارسات والإجراءات والطرق التي يزاولها الأفراد لتنظيم أحوالهم والتعبير عن أفكارهم وتحقيق غاياتهم وبتكرار تلك الأفعال تصبح عادات أصيلة وأعرافاً يعتزون بها وتبني لهم الهوية الثقافية الخاصة بهم.

كيف نحافظ على الهوية الثقافية؟

يمكن الحفاظ على الهوية الثقافية من خلال:

  • التركيز على دور العقيدة الإسلامية في بناء الشخصية الفلسطينية.
  • تطويع الأنظمة السياسية لخدمة الهوية الثقافية الفلسطينية.
  • إصلاح الأوضاع العامة في المجتمع بما يتناسب مع الهوية الثقافية.
  • التركيز على دور اللغة العربية كعنصر هام يتم من خلاله المحافظة على ثقافة المجتمع الفلسطيني.
  • رفع المستوى الفكري عند أبناء المجتمع للمحافظة على قيم وعادات المجتمع، ومواجهة الغزو الثقافي الغربي.
  • تفعيل دور المؤسسات المجتمعية والتربوية والتعليمية في الحفاظ على الهوية الثقافية من خلال تطوير مناهج وأساليب التدريس التي تجمع بين المعارف وزرع القيم الأخلاقية والعقيدة السليمة ليكون لدينا جيل محصن ضد الثقافات الأخرى.
  • تفعيل الدور الحيوي للمدرسة في تحقيق التجانس القومي من خلال التوحيد الثقافي والفكري بين مختلف الطبقات مما يؤدي إلى التماسك الاجتماعي.
  • الاعتراف بدور العقل في نمو الثقافة والإبداع لتلبية حاجات الأمة والمجتمع، فلابد من فتح باب الاجتهاد وتوظيفه ليناسب قضايا العصر.
  • إعادة الثقة للفرد والمجتمع بدينه وهويته الثقافية الأصيلة.
  • إعادة النظر في وسائل الإعلام وما تبثه وتقنينها بحيث تربط بين الواقع مع الأصول الحضارية.
  • الاستفادة من معطيات التطور العلمي والتكنولوجي والاعتماد على التقنيات العلمية المعاصرة في نمو هويتنا الثقافية ونشرها.

دور المرأة الفلسطينية في الحفاظ على الهوية الثقافية:

للمرأة دور حقيقي في الحفاظ على الهوية الثقافية الفلسطينية الإسلامية، فقد سطرت في جميع المجالات أسطراً من نور، سواء كانت ثقافية اجتماعية اقتصادية بل ولها مشاركات سياسية وفي دفاعها عن مقدسات هذا الوطن.

ففي المدرسة لها دور مهم في غرس الهوية الثقافية في نفوس الطلبة من خلال استخدام أساليب تربوية حديثة من شأنها تنمية المبادئ والأخلاق والقيم الإسلامية، وإعطاء الطلبة الفرصة الكافية للتعبير عن أفكارهم وإبداء آرائهم بكل حرية، وأيضاً توجيههم بالمحافظة على ثروات الوطن وأمنه واستقراره، فذلك يسهم بشكل كبير في تعزيز الهوية الثقافية لدى الطلبة.

ولعل أبرز المجالات في حفاظها على هويتها الثقافية من خلال وظيفتها كمربية لأبنائها، ففي بيتها الاهتمام الملحوظ من خلال الأكلات التراثية المعروفة، والتنشئة الدينية الإسلامية، واهتمامها بالقصص والأهازيج الفلسطينية، ولها الدور البارز في إظهار الهوية الفلسطينية من خلال الحفاظ على ثوبها الفلسطيني المطرز.

ومن هؤلاء النساء الرائدات المناضلة شادية أبو غزالة، الفدائية زكية شموط، الشهيدة دلال المغربي، الخطيبة مي زيادة، الإعلامية فاطمة البديري، المصورة كريمة عبود، هند الحسيني التي أنشأت داراً للأيتام للذين فقدوا آباءهم في مجزرة دير ياسين، رائدة القصة القصيرة سميرة عزام، الرائدة يسرى البربري، مها أبو دية، زليخة شهابي، فاطمة برناوي، الشاعرة فدوى طوقان، رحاب كنعان، سميحة خليل، والمربية حنان الحروب والفنانة أمية جحا، وغيرهن الكثيرات ممن لهن دور بارز في الحفاظ على الهوية الثقافية.

 

بقلم: أ. فداء محمود الشوبكي

أضف تعليقك هنا