تعليق موجز حول كلام الكلباني في حواره مع العبيد حول الأغاني

بقلم: عبد الله بن سيف العامري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد…فقد استمعت إلى حديث حِواري مصوّر مع الشيخ عادل الكلباني حول ما انتشر له من أحاديث فيها تجويز لاستماع الأغاني؛ ولأنه جرت العادة أن يتداول مثله عبر وسائل التواصل فإنني أوجز التعليق عليه بمقتضى الحال مستعينا بالله تعالى، وألخّص ذلك في نقاط مقتصرا على ما يستحق التعليق عليه من كلامه، وأما ما تضمّنه المقطع من كلامٍ أجنبيٍ عن العلم فأترك التعليق عليه لمن استمع إليه.

الإشكال الأكبر عند أبي عبد الإله

١_ الإشكال الأكبر عند أبي عبد الإله : أنه يحمل الألفاظ المحتملة على ما يظنّه هو من المعاني لا بمقتضى العلم..
ومن ذلك مثلا : أنه يظن أن كل لفظ فيه: غنى .. يغني .. يراد به الغناء المعهود!
والحق أنه ليس كذلك لا لغة ولا شرعا؛ بل الغناء في اللغة وفي المعهود الذهني آنذاك يختلف المراد منه باختلاف سياقه، والتفصيل في هذا يطول؛ ولكن حسبي أن أذَكّره بالحديث الذي رواه البخاري (7527) :” لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ “، وفي شروحه ذكروا معاني منها : تحسين الصوت، والتلذذ به.

اللهو

ومثالٌ آخر كلامه عن لفظ (اللهو) واحتجاجه بالحديث الذي في الصحيح: عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ ؛ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ ؟ “.ولفظة اللهو هي من الألفاظ التي تختلف باختلاف سياقها؛ والمراد هنا ضرب الدف في الأعراس ونحوها كما نص العلماء؛ وإلا فقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي: «كل ما يلهو به الرجل المسلم باطلٌ، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهنَّ مِن الحق”

أنواعه:

فانظر إلى أنواع اللهو هذه هل لها علاقة بالغناء مثلا؟ومثال ثالث: لفظة (القينة) فأبو عبد الإله يظن أنها مرادفة للمغنّية؛ وهذا خطأ علمي أيضا؛ فالمعاجم تفيد أن القينة هي الأمَة سواء كانت مغنّية أو غير مغنّية.فهذه ثلاثة أمثلة على أخطاء علمية في الفهم انطلق منها أبو عبد الإله ليؤصّل كلامه، وما بني على باطل فهو باطل.

يؤسفني أن أبا عبد الإله يكرر خطأ علميا وقع فيه مرات كثيرة

٢_ يؤسفني أن أبا عبد الإله يكرر خطأ علميا وقع فيه مرات كثيرة؛ في هذا المقطع وغيره؛ وهو زعمه أن الجاريتين اللتين كانتا تغنيان في قصة الرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر أنهما كانتا مغنّيتين!
والعجيب أنه يقول ذلك ويكرره مع أن راوية الحديث السيدة عائشة رضي الله عنها أكّدَت أنهما ليستا كذلك فقالت : “وليستا بمغنّيتين” في صحيح البخاري نفسِه! .. إي والله في صحيح البخاري.

قال القرطبي:

(قولها ليستا بمغنيتين، أي ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرّزٌ عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به) .ونقل كلام القرطبي كثير من الشرّاح وأقرّوه وزاده بعضهم تفصيلا فلتراجع الشروح لئلا يطول الكلام هنا.

وقال ابن رجب في فتح الباري:

(وقول عائشة: ((ليستا بمغنيتين)) ، إنما بينت ذلك؛ لأن المغنية: التي اتخذت الغناء صناعة وعادة، وذلك لا يليق بحضرته، فأما الترنم بالبيت والتطريب للصوت إذا لم يكن فيه فحش، فهو غير محظور ولا قادح في الشهادة).
وقال ابن حجر في الفتح: (واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها: (وليستا بمغنيتين)،).

٣_ يذكر أبو عبد الإله بعض الأحاديث التي وردت في مناسبات خاصة وهي الأفراح التي استثناها العلماء المانعون، من مثل حديث الرُبيّع بنت معوّذ رضي الله عنها في صحيح البخاري 4001؛ فقد صرحت أن ذلك حصل في عرسها . ولا إشكال في ذلك؛ فهن (جويريات يضربن بالدف) وفي(الزفاف) كما نصّت عليه هي نفسها.

٤_ وأما لعب الحبشة في المسجد فقد قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله : ( واستدل قوم من الصوفية بحديث الباب على جواز الرقص وسماع آلات الملاهي.. وطعن فيه الجمهور باختلاف المقصدين فإن لعب الحبشة بحرابهم كان للتمرين على الحرب، فلا يحتجّ به للرقص في اللهو).
واكرر الاستشهاد بالحافظ ابن حجر لأن أبا عبد الإله يكرر الإحالة عليه؛ فهذا ما لدى الحافظ رحمه الله حول ما أنت بصدده!

٥_ وأما عمل أهل المدينة فقد سئل أحد كبار أئمة أهل المدينة بل هو النجم كما وصفه الأئمة.. سئل عن الغناء فقال: إنما يفعله عندنا الفساق. صح هذا عن مالك فيما رواه الخلّال في كتاب”الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.

٦_ ثبتت حكاية الإجماع على تحريم المعازف عن جماعة كثيرة من أهل العلم من سائر المذاهب، منهم:
عمر بن عبد العزيز
والاوزاعي
وابن جرير
والآجرّي
وأبو الطيب الطبري
وأبو الفتح الرازي
والبغوي
وابن البزري
وابن أبي عصرون
وابن قدامة
والرافعي
وابن الصلاح
وأبو العباس القرطبي
والنووي
وابن تيمية
وابن القيم
والأذرعي
وابن رجب
والبزّازي
وابن حجر الهيتمي
وغيرهم.

ومن أراد التفصيل في حكم الغناء والمعازف فليراجع (تلبيس إبليس) لابن الجوزي، و(إغاثة اللهفان) و(مسألة السماع) لابن القيم، و (كفّ الرعاع) لابن حجر الهيتمي، و(تحريم آلات الطرب) للألباني، و (الرد على القرضاوي والجديع) للشيخ عبد الله رمضان موسى. وغيرها.هدانا الله جميعا لما يحبه ويرضاه، وجنّبنا أسباب غضبه. والله تعالى أعلم.

بقلم: عبد الله بن سيف العامري

أضف تعليقك هنا