رحم الله أخلاق القرية

كانت القرية مضرب المثل في الأخلاق والتلاحم والأمان، لكنها لم تنجُ كغيرها من تشويه كل ما هو جميل، وإذا طالعت أخبار الحوادث ستجد حضوراً مؤثراً للقرية فيها، فما من يوم يمر دون حادث كبير بإحدى القرى يزيل كل ما عُرف عنها من أخلاق وتمسُّك بالقيم، ويجعلها تتفوق أحياناً على المدن فى الإجرام وقلة الضمير.

القرية والقلوب الطيبة

تردّد على مسامع أبناء جيلى حكايات كثيرة تعبِّر عن علاقات «الود والحب والوئام» التى كانت تسود بين أهالينا من أبناء القرى الطيبين، بل وعايشت بنفسى حكايات كهذه، فما زالت جلسات الصيف والسمر والشاى بيننا وبين جيراننا حاضرة فى مخيلتى، يتشاركون الهموم والأفراح معاً.. وما يحز فى النفس ويوجع القلب أنك لا تجد شيئاً من هذا إلا القليل النادر، إن وُجد.
رحم الله أخلاق القرية.. ورحم الله أجدادنا الذين – باتوا يُلعنون من أحفادهم الآن- بل نسمّيهم «سفهاء أحفادهم»، فكم كانت علاقات الناس فى زمانهم مثالاً للطهر والنقاء، يتقاسمون الطعام والشراب، كل يرسل لجاره ما يطبخه فى بيته، ولا يمانع فى أخذ شىء من طعامه، بحب وإخلاص، دون مَنٍّ أو أذى، فلا تجد بينهم جائعاً أو محروماً.. فالجميع وقتها كانوا «أصحاب بيوت»، كما نقول في أمثالنا.

الوقت الحالي وانعدام الضمير بين أبناء القرى

أما فى واقعنا المتردى، الذى نفتش فيه عن هذه الأخلاق، وكأننا نبحث عن قشة فى كومة من القش، لا نجد إلا انعدام الضمير وانتكاس الفِطرة، وغياب الوعى والصدق، وانتشار الكذب، فربما بسبب خصومةٍ بسيطة، أو مشاجرة عابرة بين جارَين، يتطور الأمر فتجد مَن يرفع سلاحاً وربما فأساً، أو يفتعل جريمة بـ«التلفيق والتزوير»، دون خجل أو مواربة، وكلّ همه أن يُلحق أكبر ضرر بخصمه الذى هو جاره، الذى نزل فيه جبريل -عليه السلام- بحقه موصياً النبىَّ صلى الله عليه وسلم «حتى ظننتُ أنه سيوِّرثه»، على لسان نبينا مقرِّراً ما قاله المَلَك الكريم.

الحسد والبغضاء في قلوب أبناء القرى

«الحقد والغل والحسد والبغضاء» صارت تملأ قلوب الكثيرين من أبناء القرى، خاصة بين جيران «الحيط فى الحيط»، فأصبحت نفوسهم مريضة، تحتاج إلى إعادة تأهيل، كى تندمج وتنسجم فى المجتمع، وحتى لا تصير كالعضو الفاسد داخل الجسد.. ربما أفسد الجسد كله، ربما بسبب أمهات فقدن معنى الأمومة، من احتضان للأولاد، وتنشئتهم على المحبة وعدم الكراهية والنظر لما فى أيدى الناس.. أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله!
وفى النهاية.. ما الذى يمنع المصلحين، وخطباء المساجد، ورجال الدين، بل والمعلمين والآباء من غرس قيم الحب والصفاء والتسامح في نفوس الأبناء مرة أخرى، حتى تعود أخلاق القرية التى نترحم عليها الآن، وينعم أهلها ببركات من السماء والأرض.. قبل فوات الأوان!

فيديو مقال رحم الله أخلاق القرية

 

أضف تعليقك هنا