لا نريد احتفالاً بل نريد ضمان للحقوق

بقلم الدكتورة : نظمية فخري حجازي

اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية 26-10

لعل من أشد ما استفزني إلى كتابة هذا المقال ما لمسته من ألم تعيشه المرأة الفلسطينية وما تعانيه من مشكلات متعددة تقف حائلا بينها وبين تحقيق ما تصبوا إليه ، فطالما كانت المرأة الفلسطينية الأكثر قدرة من بين نساء العالم على تحمل الظروف الصعبة فهي من ضحت بكل متاع الحياة لتستكفي بمتعة لقب سيدة نساء الأرض.

نعم إنها المرأة الصنديدة الحديدية فكان ذلك يكفي لأن تكتم ألمها وتأخذ جرعات دواؤها المعنون بقوة التحمل والصبر تلك الجرعات المتتالية و المتسارعة لم تعط المرأة الفلسطينية أي مجال لأخذ نفس عميق تخرج بزفراته الكبت الذي تعانيه فهذه المرأة ممنوع  أن تتعب أو تضعف، ممنوع أن تشتكي ولو بينها وبين ذاتها وعليها أن تبقى صامدة إلى مالا نهاية حتى لا يلوث لقب سيدة نساء الأرض ، حتى لا يقال فلسطينية ضعيفة.

صمدت المرأة الفلسطينية متحدية جبروت الاحتلال

نعم صمدت المرأة الفلسطينية متحدية جبروت الاحتلال وصامدة أمام ثقافة المجتمع الذكوري الذي تعيش فيه فكانت الأنثى والرجل في نفس الوقت كانت الأم والأب تحدت طبيعتها الفسيولوجية ورفضت أن تنهار أمام القهر فكانت خير قائدة في أسرتها وهذا ما دللت عليه الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

إذ بينت أن عُشر الأسر الفلسطينية ترأسها النساء، وهذه المرأة هي زوجة الشهيد وأخت الأسير هي من تربي الجيل الصاعد هي تدرس وتعمل هي التي قادت اقتصاد أسرتها فخرجت من هذه الأسر الطبيب والمهندس والمعلم.

وهذا بيان واضح أنها قادرة على قيادة أي مؤسسة تعمل بها فمنظومة الأسرة أكثر تعقيداً من منظومة أي مؤسسة أخرى خاصة إذا تسلحت هذه المرأة بالعلم والكل يدرك وبالبينة القطعية أن المرأة الفلسطينية ساهمت وعلى مدار حياتها في بناء الرأس المال البشري.

كانت شريكة في كل مراحل النضال

ولا أحد ينكر أن المرأة الفلسطينية كانت شريكة في كل مراحل النضال التي قادها المجتمع الفلسطيني فمنذ ثورة البراق إلى وقتنا الحالي والمرأة الفلسطينية تقود زمام المبادرات وتعمل على صنع القرار وما يثبت ذلك أن المرأة الفلسطينية عملت على عقد أول مؤتمر نسائي في العاصمة الأبدية “القدس” في 26-10-1929 وكان رفضها لقرار وعد بلفور من أهم القرارات التي عملت على تنفيذها.

إذن هي كانت صانعة الأحداث المستقبلية جنبا إلى جنب مع الرجل الفلسطيني ولم تتوانى للحظة بالوقوف بجانبه بل بكثير من الأحداث التي تحتاج لجرأة في اتخاذ القرار كانت أمامه وخير شاهد على ذلك عملية كمال عدوان التي قادتها الشابة الفلسطينية ذو العشرين ربيعا دلال المغربي ، والى الآن ما زالت المرأة الفلسطينية تتقدم الصفوف في كل ميادين الحياة.

تهميش دور المرأة الفلسطينية

ولكن كيف يتم مكافئة هذه المرأة في ميدان العمل؟ لا أريد أن أكون متشائمة ولكن سأقول الحقيقة بأنني متشائلة نتيجة لما أراه من تهميش لدور المرأة الفلسطينية ، ولعل الوقوف هنا مهم لنرى التناقض بين ما تسعى إليه التشريعات الفلسطينية لحماية المرأة وزيادة مشاركتها الفاعلة في المجتمع وبين ما نجده من معوقات تجعل المرأة الفلسطينية تفكر ألف مرة قبل انخراطها في العمل فهي ترى بأم عينها المعاناة التي تعانيها أختها وصديقتها في موقع عملها سواء أكان ذلك في العمل التنظيمي أو مواقع سوق العمل المختلفة.

ولا أريد أن أخوض في الموضوع كثيرا فالشواهد حاضرة والكل يعرفها بدءاً من القطاع الخاص الذي يعامل المرأة بأنها اقل حظاً في الحصول على المراكز العليا فيها، مع العلم أن كثيرا من المهام المنوطة بأصحاب المراكز في القطاع الخاص يتم القيام به من قبل النساء فهي التي تصنع الخطط وهي التي تًسير العمل وتتابعه إلى أن يخرج لحيز الوجود مقدماً على طبق من ذهب إلى الرجل فهو المدير وصاحب المركز.

إضافة  إلى موضوع الرواتب التي تكاد تصل إلى نصف راتب الرجل ،وفي كثير من الأحيان نرى النظرة الذكورية تحدق بها من كل صوب وكأنها متهمة بجريمة معينة ويتم مراقبتها  وتقييد حريتها مما يقتل فيها الحافز إلى  التميز والإبداع ويحول دون وصولها إلى المراكز القيادية فقلة قليلة من النساء هي التي استطاعت أن تكون في مركز صنع القرار وصدقا هذه المرأة هي محظوظة جداً لأنها وجدت من يهتم بها من العنصر الذكوري ويدعمها ويقف خلفها وكأنها تستند إليه. ولكن الطامة الكبرى إذا لم تكن تلك المرأة فعلاً تستحق هذا المنصب فإذا ما مال هذا العنصر الذكوري انهارت تلك المرأة.

 الواقع الأليم أدى إلى كثير من هدر الطاقة النسائية

نعم هذا واقع أليم أدى إلى كثير من هدر الطاقة النسائية في المجتمع الفلسطيني فبدلا من تطوير هذه الطاقات والكفاءات يتم محاربتها بشكل مباشر من خلال حرمانها من تولي المناصب السيادية وبشكل غير مباشر من خلال عدم فتح المجال لها في مكان عملها للتطور وهضم حقوقها وهناك الكثير من الأساليب التي يتم اتخاذها لتنفيذ ذلك.

فالرجل هو المفضل دائما وكلمة الرجل هي الفيصل حتى في الترقيات الوظيفية يكون هناك عاملين أساسيين لا ثالث لهما الأول من يدعم تلك المرأة ، والثاني مدى رضا قمة الهرم الوظيفي عن الداعم، أما بالنسبة للكفاءة فحدث ولا حرج يتم تغليفها بأقوى أنواع الأغلفة الموردة لتوضع جانباً بحيث يتم الحديث عنها بما يتناسب وطبيعة الموقف دون أن تنال أي حق من حقوقها.

الكيانات التي تُعنى بشؤون المرأة

وبالرغم من اهتمام الحكومة الفلسطينية بإنشاء  العديد من الكيانات التي تعنى بشئون المرأة مثل وزارة المرأة، ووحدات للنوع الاجتماعي إلاّ أنها لا تلبي الحد الأدنى من تحقيق طموح المرأة الفلسطينية ، فالمطلوب من الجميع  وعلى وجه التحديد من الكيانات التي تتابع أمور المرأة العمل على إعادة إنصاف المرأة لا نريد أكثر من عدالة ومساواة بين الجميع وأن يتم اتخاذ معيار الكفاءة كأهم عامل في التعامل مع المرأة الفلسطينية ، ولن يكون ذلك إلا من خلال تطبيق النزاهة والشفافية في كافة مؤسساتنا ومتابعة هموم المرأة الفلسطينية وإنصافها قبل فوات الأوان.

بقلم الدكتورة : نظمية فخري حجازي

 

أضف تعليقك هنا