ما نحتاجه حقاً: حكومة نهضة أم نهضة حكومة؟!!

بقلم: الدكتور محمد خليفة

التخبط الحكومي والشلل الشعبي

كثيراً ما اتجنب كتابة ما يجول به الخاطر حول ما يدور حولنا في ظل التخبط الحكومي والشلل الشعبي وغياب القدوات والنماذج ، بل وحتى التجارب الناجحة التي تستند عليها الشعوب المغلوب على امرها، والتي لا هم لها سوى توفير العيش الكريم – ما استطاعت اليه سبيلا- ، في ظل غياب الرؤى بل واصحابها عن المشهد، وفي ظل التفرد الحكومي ذو اللون والعزف المنفرد، نتيجة لغياب الاحزاب والتكتلات وحتى النقابات والتي تتجه في غالبيتها باتجاه الرقص على جراح الشعب المنهك، الذي اثقل بعضه التسحيج بحثاً عن ضوء امل في نفق مظلم، والبعض الاخر لا حول له ولا رأي ولا قوة، ولا حتى أهمية ، والبعض الأخير – وهم القلة – التي لا زالت تناضل بالتعبير عن موقفها المحارب لهذا التهميش والتضليل، والذي تعتبره المنفذ الوحيد لمحاولة انقاذ ما يمكن انقاذه، وتعتقد أن الكلمة هي السلاح الوحيد الذي به تحافظ على اغلى المكتسبات الوطنية التي لا تنازل عنها، الا وهي الأمن والأمان.

التعديل الوزاري فقاعات بوجه الشعب

ان عملية التعدين الوزاري – عفوا التعديل الوزاري – التي اصبحت هي الملاذ والحل الأول والأخير لكل مشكلاتنا، ما هي الا فقاعات في وجه هذا الشعب المسكين، وهذه التعديلات ان دلت على شيء، فإنما تدل على ضيق الأفق وسوء الاختيار – من الاساس – أوالتقصير في تنفيذ وتحقيق الرؤى الملكية – حسب كتب التكليف السامي – ، وما هي الا فقدان للبوصلة برمتها، والتي تدل ايضا على غياب المؤسسية – او ما يسمونها تنميقاً (دولة المؤسسات) ! والتي لا نرى منها سوى المفهوم الملغوم ،، كيف لا؟ والحل دوماً هو تبديل الوزراء وليس تغيير الاجراءات والنهج والبرامج والمشاريع !!!.

وغرابتي تشتد عندما يأتي – نفس الشخص – ليقنعنا أن الادارة الرشيقة والمتمثلة – بوجهة نظره – بدمج الوزارات، وحسب رأي مستشاريه – ان وجدوا – هي الحل الأمثل لبعض مشكلاتنا، ثم يأتي – نفس الشخص – ليقنعنا ايضاً – ان الحل الأمثل هو فك الارتباط والاندماج بين تلك الوزرات، وفي فترة لا تتجاوز الستة شهور !! فهل استراتيجية الدولة اختلفت بمواردها ومتغيراتها بهذه السرعة ؟؟ واين هم خبراء الادارة الاستراتيجية الحكومية الذين يتنقلون من دولة الى اخرى – سعيا نحو استجلاب الخبرات والتجارب لنمذجتها، على شكل برامج سياحة عابرة لا أكثر ولا أقل ، أين هم ليدافعوا عن استراتيجياتهم المزعومة والتي تتخبط كل وزير !!

النهضة والحكومة

محزن أن تتحدث الحكومة عن النهضة، وهي لا تمتلك الدافعية والمقومات للنهوض، ولا يمتك معظم وزرائها التأثير الجماهيري والقبول الشعبي لاقناع الناس ببرامجهم ومشاريعهم وحتى أفكارهم، ولا يمتلكون الخبرة الكافية – على الاغلب – بوزارتهم، مع الدوران الوزاري المتسارع، مع العلم بأن القاصي والداني يعلمون بأن مشاريع النهضة تتطلب عشر سنوات على الاقل لتحقيقها بنفس الرؤى والاهداف والأفكار والعمل المؤسسي الممنهج واسع الأفق والجهد المخلص المقيم والمنظم – وحتى وإن غاب الوزراء – لان العمل المؤسسي يعني أن هناك برامج قابلة للتطبيق على الأرض، ويتضح أثرها يوماً بعد يوم وبشكل ملموس للشعوب حتى تسعى ايضا لمساعدة الحكومة في تحقيق الرخاء والنمو المرئي والواضح، وليس الوهمي المبني على وعود استراتيجية لا ضامن فيها ولا مضمون !!!

النهوض أساس النجاح للحكومة

ان الحكومات التي تريد ان تنهض بشعوبها، عليها أن تنهض بنفسها أولاً من باب أولى !! وبالتالي يجب عليها ان تركز اولاً على حسن الاختيار، والذي هو اساس وجوهر الفوز في عمل الفريق، وكذلك وضوح الهدف والغاية وأن يكون كل لاعب له دور واضح ومحدد وتكاملي مع بقية اعضاء الفريق، فتبدأ العملية من الأسرة والتي هي عماد المجتمع، وادارة شؤونها تتطلب ليس حمايتها فقط ضمن برامج تزعزع قيمها المجتمعية والدينية التي تربى معظم اجيالنا عليها، بل ايضا توفير سبل الامان الاقتصادي لمن يديرها – سواء الرجل او المرأة او كلاهما – والتي تصب في ثقلها – بعد ذلك – باتجاه مدارس التعليم الحكومية والخاصة، والتي اصبحت هي الحاضن الاساس لبناة مستقبل الوطن وعناصره، والتي اصبح لزاماً على الحكومات ان تنهض بهذه الفئة من صانعي التغيير ومهندسوه، وبالتالي سرعة الاستجابة لتوفير الحياة الكريمة التي يستحقونها.

التعليم والدولة

مع ضرورة قياس الاداء وتطويره وتحديد اولوياته التي يجب أن تتواكب فيه استراتيجيات التعليم مع استراتيجية الدولة الكلية – ان وجدت – ومن هنا يصبح العبء الاساس على التربية والتعليم اتحسين مخرجات العملية التعليمية، التي تنتقل منها الاجيال المتخرجة من المدارس – اما الى المهن الحرفية – التي تحتاج تأطير شمولي أكثر ورعاية من قبل الغرف الصناعية والتجارية والمهنية  – أو تتدفق الى الجامعات المنهكة (سواء الحكومية او الخاصة) والتي تشكل ممر عبور بتصريح يسمى شهادة –  بالغالب – والتي يجب ان تتواكب تخصصاتها وبشكل ديناميكي مع متطلبات واحتياجات سوق العمل في ضوء التنافسية الشديدة لاستقطاب الكفاءات والعقول المبدعة، ومن هنا تتكامل خطة التعليم مع خطة العمل مع الخطة الاستراتيجية للدولة أساسا، وهذه اولى الخطوات نحو النهضة والنهوض !!!

الحكومة والشعب

ان حكومات النهضة، يجب عليها النهوض ببرامج الاستثمار وتشجيعها وتهيئة الفرص والتغلب على التحديات، سواء للمستثمر المحلي او المستمر العربي والاجنبي، وتخفيف العبء الضريبي والحد من الاحتكار وتغول المافيات الاقتصادية  المسيطرة على الاسواق وبكافة قطاعاتها، والسعي نحو الحد من الجمارك والضرائب واشياء أخرى اثقلت كاهل الوطن والمواطن !!

وكذلك يجب أن تنهض هذه الحكومات بالشباب والمرأة من مختلف اطياف المجتمع شمالا وجنوبا، شرقا وغرباً، وفتح الافاق لأمل واسع لاصحاب الأفكار الريادية والمبدعين والمهمشين والباحثين عن بقعة ضوء في ليل مظلم، والساعين الى اقتناص الفرص والتي يجب ان تمنح للجميع بعدالة ومساواة وضمن اعلى درجات سيادة القانون.

وحتى تنهض الحكومة بالناس، عليها أن تنهض بنفسها – اولا – من خلال تعزيز الثقة بينها وبين هؤلاء الناس، والعمل على تفعيل المشاركة الشعبية وتنفيذ القوانين التي تضمن لهم حرية التعبير والشفافية والمساءلة وضمان حقوقهم الانسانية. والنهضة تعني السعي الحقيقي نحو تفعيل برامج التنمية السياسية واخراجها من البرواز المزخرف لارضاء المانحين، الى تقنين العملية الحزبية – بشكل فعلي – وتفعيل دور الاحزاب وتشديد الرقابة على ادوارها وادواتها وبرامجها والتي وجدت من أجلها، والتخلص من التابعين المضللين للوطن والمواطن، والذين لا هم لهم سوى مناصب فارغة جوفاء ليتصدروا المشهد العام، وكذلك وضع قانون شمولي – لا عصري – للانتخابات النيابية والتي تضمن الكفاءة في الاختيار وتفعيل الأحزاب – ان كان لا بد من وجودها اساسا- ، وكذلك تعديل قانون اللامركزية – او التخلص منها لخفض النفقات – وقانون  البلديات والتشديد في رقابتها ومسائلتها لتفعيل مساهمتها بشكل أكثر فاعلية نحو دفع عجلة النمو والتنمية والنهضة المأمولة !!!

النهضة هي الخروج عن المألوف

ان النهضة – يا سادتي – تعني الخروج بعيدا عن المألوف وكسر كل قواعد اللعبة السابقة، وخاصة ونحن في عصر الرقمنة والاقتصاد المعرفي والريادة، والسعي نحو تفعيل الأقلية المهمشة والمبدعة من الشباب المنتمي لهذا الوطن ومن مختلف التوجهات الفكرية والتيارات – وحسب الكفاءة والانجاز فقط – وضمن رؤى واضحة مستمدة من رؤى سيد البلاد – الملك عبد الله الثاني ابن الحسين (حفظه الله) – والتي تحمل في طياتها الخير الوفير لهذا الوطن وابنائه.

والله من وراء القصد

بقلم: الدكتور محمد خليفة

أضف تعليقك هنا