نعمة الكسل

 المفاهيم في حياة الإنسان

منذ بدء الخليقة إلى الآن وكثير من المفاهيم وجدت في حياة الإنسان، وارتبطت معه في يومه كدلالات محددة لتوجهات أفكاره وأعماله، إحدى هذه المفاهيم قد يلاقي استحسانا كبيرا في نفس صاحبه والآخرين من حوله، وآخر قد يبلغ استهجانا، وبين هذا الاستحسان وذاك الاستهجان تبدو حقيقة الأمر في أن هذه المفاهيم قد وجدت بطبيعتها عاجزة عن اختيار ما يصفها به البشر، فالإنسان هو الوحيد القادر علي التحكم فيها فيستطيع أن يلحق العزة بإحداها، أو يلحق العار بأخرى، وإن سألنا فلاناً مثلاً: أيهما قد يمثل الخزي أكثر في حياتك، النشاط أم – اللفظ المقابل له – الكسل، بالطبع سيجيب فورا إنه الكسل، ولن يتوقف عن الحديث إلا بعد أن يبين لنا كيف استطاع الكسل أن يفسد ويعطل تقدم العالم علي مر التاريخ.

 الألفاظ بين الناس

إن البشر بشكل عام في حاجة ملحة إلى فهم الكثير من المفاهيم المتضادة في حياتهم، فكثير من الألفاظ التي يتداولها الناس لا يمكن أن تحقق الوعي المتصل بين الذات والذات، أو بين الذات والآخرين إلا بفهم معناها، تقابلات لفظية كثيرة في حياة الإنسان مثل: الظلام في مقابل النور، والحزن في مقابل السعادة… وغيرها، أمر مؤكد هنا أننا سنستبين أحدهما لأننا بالفعل قد تبينا الآخر، وتبعاً لذلك يمكن القول: لا يمكن للسعادة أن تتحقق دون غصة حزن، أو للنور أن يتألق دون سبره العتمة، وإن افترضنا جدلاً أن أحدنا يستطيع أن يتثبت وقتاً طويلاً لأحدهما دون الآخر فالنتيجة النهائية ستكون موتاً بطيئاً للأول، وفناءً سريعاً للثاني.

 الحياة والوعي بين الناس

إذن لا يمكن أن تستقيم الحياة بوعينا لأحدهما دون الآخر، أو كما يخبرنا عنواننا الكسل في مقابله النشاط، وحتى تتضح رؤية الأمر، وتفضيلا للنشاط علي الكسل كما يري معظم الناس يجب أن نتساءل هنا: ماذا يحدث إذا أراد إنسان ما أن تدب حياته نشاطاً بشكل دائم؟ … إن الإجابة متوقعة بالنسبة لنا، لسوف يعجز الجسد عن الحركة بعد إجهاد مستمر ينبغي ألا يتوقف لأن التوقف هو مقابل للنشاط، كما سيتعطل العقل عن اتخاذ القرارات بعد عمل دائم.

وإذا عجز الجسد وتعطل العقل غابت معهم النفس وتشوهت صورتها… الآن يبدو لنا أن فهم الكثيرين للكسل قد كان خاطئا، فالكسل كما يبدو: هو التوجه الذي به يحصل الجسد علي راحته، والعقل علي اتزانه، والنفس علي إيمانها، إذن فالكسل لديه قدرة علي تجديد حياة الإنسان بشكل دوري ولكن مع الاعتبار بأنه لا يمكن أن يعني به دائما عدم النشاط، أو بقول آخر: النشاط في حاجة إلي الكسل كما أن الكسل في حاجة إلي النشاط.

 الإنسان ولحظات الكسل 

وبالنظر إلي تاريخ الإنسان ومكتشفاته العلمية المهمة، سنجد منها ما ولد في لحظات تعبر عن الكسل، ومنها أن (أرشميدس) استطاع التوصل إلي (قانون الطفو) بعد استجمامه لبعض الوقت في مغطسه متلاعبا بجسده في الماء صعودا وهبوطا، وهذه النظرية ساعدت علي بناء السفن وطريقة صنع الغواصات، كما أن (إسحق نيوتن) كان متكئاً علي شجرة التفاح شارداً بتفكيره حتى انتبه إلي سقوط التفاحة… فتوصل إلي نظرية الجاذبية التي فسرت فيما بعد كثيراً من ظواهر الكون من الداخل والخارج، كما أن الكهرباء لم يعرفها البشر إلا من خلال استمتاعهم باصطياد الأسماك، وتأملهم البرق في السماء وهو يضرب الأرض بصواعقه.

اختلاف مفهوم الكسل

ووفقا لما سبق يجب علينا التمييز بين مفهوم الكسل كصفة طبيعية عارضة نصف بها أحيانا لحظات من يومنا، وبين التكاسل كفعل نتفنن في أدائه حتى نصبح عاطلين عن العمل، فلا يجب أن يختلط الأمر لدينا حتى نستطيع أن ندرك الفرق ساعتها بين الكسل والبطالة، إن النشاط في حد ذاته عمل قائم علي الجهد البدني والعقلي، وكذلك الكسل عمل موقوف فقط علي جهد العقل وتأملاته، لا أعتقد الآن إلا وأن تواجدهما معا يعبران عن عمل يدفع الإنسان نحو حياة أكثر تقدما ورقيا. إذن يمكننا الآن القول: إن الإنسان الذي يبحث عن وسطية وشفافية الحياة، وفهم أعمق لها، بل وتذوق طعمها الرائق يجب عليه التزاما كما يؤمن بنعمة النشاط، عليه أيضاً أن يؤمن بنعمة الكسل.

فيديو مقال نعمة الكسل

 

أضف تعليقك هنا