همسة في أذن المعارضة العربية

العالم العربي 

لا يختلف اثنان على الفشل الذريع للمعارضات السياسية في العالم العربي في تقديم بديل عن الأنظمة القائمة ، بغض النظر عن ماذا قدمت و ماهي رؤيتها و ماهو إدراك صانعي برامجها، يكفيك ان تتجول بين مئات المواقع و القنوات من المعتدلة إلى الراديكالية  فالمعارضات بتوجهاتها المختلفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تنتهج مسار مكرر وخطاب مستهلك و بروبغاندا بعيدة عن واقعها.

وهذا ما يفسر نجاح الثورات المضادة في عرقلت المعارضات التى وصلت الى الحكم و ذلك يعود بشكل أساسي للديناميكية المتبعة و غياب تام لرؤية شمولية و مشروع تدرجي في فك و تفكيك البنية المعقدة للانظمة التقليدية ، و ان اجتمعت جلها في مبدأ واحد و هو التحول الديمقراطي و التوجه نحو سيادة الشعب على نفسه هذا العنوان المطاط الذي اختلف حتى من نظروا له، و تناولوا الموجات المتعددة للتحول الديمقراطي في العالم  ،  لهم رؤى و تفسيرات تختلف عن بعضها في الكليات كما في الجزئيات بأيها ناخذ وبأيها نترك ، فنحن امام اشكالية الأولويات لدى المعارضات العربية و قراءة الجيدة للواقع المحلى و الدولي، هو العائق امام تقديم بدائل تنسجم مع تفاعلات البيئة الداخلية و الدولية عن الانظمة الحاكمة.

فردوس الحرية والرفاهية

والغريب اننا نجد ان الانتشار الناعم لنموذج الليبرالي في شقه الثقافي و التبشير بيه ووعد المقهورين في مشارق الأرض و مغاربها، بجنة فردوس الحرية و الرفاهية على انغام كونداليزا رايس في بداية الغزو العراقي … إن العالم كله يريد الحلم الأمريكي فلننقله لهم في بلدانهم.

فوصول بوش الابن للحكم بتزكية من صقور البيت الأبيض تولد عنه توجه جديد يؤمن بأن مشكل شعوب العالم الثالث  في الأنظمة الديكتاتورية و إزالتها أول بوادر الانفراج والتحول الى الحرية و الديمقراطية ومضى السيل في ساقيته فجرف دول و دمرها فلم يستفيق المبشرين بالجنة  الموعودة إلا على دمار كبير، ندبت الشعوب حاضرها وتباكت على ما مضى من بحبوحة الاستبداد حتى تفاجئنا بموجة أخرى و تيار أخر يحمل شعار الحوار مع الشعوب و كان شعار اوباما يومها أن أمريكا تنشر قيمها بفكرها و حجتها و منطقها لا بسلاحها وجبروتها ، وبدأت المخابر تعمل و العقول تنتج كيف نصل الى الشعوب فنشر غسيل الأنظمة بويكليكس و تتابعت بعدها هيكلة و تكوين الشباب للتبني التغيير السلمي وفق تجربة التحول الذي عرفته اوربا الشرقية ، ثم ما لبث الغرب ان تدارك تحت وطئت  قوارب الموت و موجات الهجرة الغير شرعية و الحروب الاهلية.

المفارقة هنا  هو كيف تحول الغرب الى الديمقراطية ، من ساهم في وصول الغرب لما هو عليه ؟  ماهي الركائز الداعمة للتحوله؟  كيف استقر المشروع الديمقراطي عندهم؟

التحول الديمقراطي في أوربا 

ان التحول الديمقراطي في أوربا لم يكن سهل فكل ثوراته تحولت إلى الفوضى و العنف ( الثورة الفرنسية نموذجا )، و ان افرزت مجموعة من القيم الاجتماعية غير ان التحول الحقيقي لدى القوم لم يكن في الامكان لو لم تكن هناك تنمية اقتصادية سمحت بظهور طبقة و سطى قادت هذا التحول في سلاسة و بعيد عن ثورات الطبقة الفقيرة.

واكد ارتباط نشوء الديمقراطية الليبرالية في اوروبا وتطورها بنشوء الطبقة الوسطى وتطورها حتى قيل ان الديمقراطية بالمعنى الليبرالي لا يمكن ان تنشأ وتنمو الا بوجود هياكل اجتماعية ضمن بناء طبقي تلعب فيه الشرائح الوسطى دورا رئيساً.

الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية 

وحسب عالم الاجتماع الأمريكي سيمور مارتن ليبست فإنه كلما ارتفع الدخل الفردي في بلد ما و ارتفع مستوى التربية و التعليم لدى ساكنته و ازدادت درجة انفتاحه الاقتصادي إلا و ظهرت بوادر حدوث تحول ديمقراطي به.

وفي عام 1960 نشر كتابه ” الرجل السياسي ” الذي يعتبر أشهر وأهم كتاب حول هذه الأطروحة. وفقا لأطروحة ليبست، ترتبط الديمقراطية بمستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لإبراز هذه العلاقة، قام بتصنيف البلدان الأوروبية والبلدان الناطقة بالإنجليزية في أمريكا الشمالية وأستراليا إلى ديمقراطيات مستقرة وديمقراطيات غير مستقرة ودكتاتوريات.

وصنف بلدان أمريكا اللاتينية إلى ديمقراطيات ودكتاتوريات غير مستقرة ودكتاتوريات مستقرة. ثم قام بمقارنة هذه البلدان وفقا لثروتها ودرجة التصنيع والحضرية ومستوى التعليم باعتبارها مؤشرات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتبين من المقارنة أن البلدان الأكثر ديمقراطية في كلا المجموعتين كانت تتمتع أيضاً بمستويات تنمية اجتماعية واقتصادية.

التغيير الديمقراطي

لقد كان للطبقة الوسطى دور تاريخي فاعل في التحول الديمقراطي  ( دور بورجوازية المدن في توطيد الديمقراطية في أوربا الغربية ). لقد ساندت هذه الطبقة التغيير الديمقراطي لأنه يمنح إطارا سلميا يسمح لها بالحفاظ على مكتسباتها الاقتصادية و يبعد خطر الميول الثورية للطبقات الفقيرة ، حيث يعد العامل الاقتصادي من العوامل ذات الأهمية القصوى في أي تحول أو تغير سياسي ، حيث تؤثر الأبعاد الاقتصادية على عملية التحول الديمقراطي تأثيرًا مزدوجًا ، فالإخفاق في عملية التنمية الاقتصادية هو أحد الأسباب الدافعة للتحول ، وفي الوقت نفسه فإن وجود هذه التنمية الاقتصادية يوفر آفاقًا رحبة لتفعيل هذه العملية وما تنتجه من فرص إحداث هذا التحول، وذلك على النحو التالي:

  • تؤدي التنمية الاقتصادية إلى تغيير قيم السكان ، فنتيجة لزيادة نسبة المتعلمين وانتشار التعليم جراء التنمية الاقتصادية فإن ذلك يؤدي إلى زيادة قبولهم لفكرة التسامح والاعتدال والعقلانية، وبموجب ذلك تنشأ الثقافة السياسية للديمقراطية.
  • ينتج عن التنمية الاقتصادية مستويات أعلى من الدخل والأمن الاقتصادي لغالبية السكان، وبالتالي تحد التنمية الاقتصادية من احتمالات صراع الطبقات، ومن التمييز القائم على أساس الطبقة، كما أن هذه الزيادة تزيد من حجم الطبقة الوسطى التي تعمل على إحداث توازن واعتدال في الصراع.

التطوير الاقتصادي وتعزيز الديمقراطية

وقد أكد هذه العلاقة بين التنمية الاقتصادية وتعزيز قيد الديمقراطية “صموئيل هنتنجتون” الذي أشار إلى أهمية التطور الاقتصادي لإمكانية تحقيق الديمقراطية، بل وأسبقية التطور الاقتصادي لإمكانية تحقيق الديمقراطية ، إذ يعتقد هنتنجتون أن النمو الاقتصادي الكبير قد مهد السبيل لقيام الموجة الثالثة للديمقراطية ويسر انتشارها.

فالتحول إلى الديمقراطية غير وارد في الدول الفقيرة ويتطلب حد أدنى من النمو الاقتصادي. لكن الثراء وحده لا يكفي لتحقيق الديمقراطية ، مما دفع هنتنجتون إلى إضافة شرط ” النمو الاقتصادي ذا القاعدة العريضة ” كسمة للنظم المتوقع تحولها للديمقراطية ، وارتبط هذا في تحليلاته بإبراز الأهمية التي تمثلها الطبقة الوسطى.

هذا هو حديث مفكريهم و جهابذة الفكر السياسي الغربي فكيف نصنف المعارضات في المجتمعات العربية و هي تجتر ما يقال لا تمحيص و لا تحليل لواقعها و تجارب التحول الديمقراطي في اوربا  . لا ديمقراطية بدون تنمية و لا تنمية مستدامة بدون ديمقراطية هذا قولهم ، فاي دعوة من الغرب للنشر القيم الديمقراطية و أي موافقة و تتطابق لها من قوى المعارضة  لا يسعها الا قول الشاعر العربي : اوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل .. ما هكذا تورد يا سعدُ الإبل . فالتنمية الاقتصادية شرط اساسي للتحول الديمقراطي و من اراد  الشواهد فليراجع اثار الربيع العربي على جميع المستويات و ليقارن ذلك بتجارب دول شرق أسيا حيث هناك لا ووجود للديمقراطيات الغربية.

نقاط مهمة لمشروع ديمقراطي

و أخيرا فإن التنمية شرط أساسي و الاهتمام بالطبقة الوسطى ركيزة مؤسسة لأي مشروع ديمقراطي و قد نلخص هذا في النقاط التالية :

  • تبنِّي برامج وإستراتيجيات قومية، نابعة من رغبات الشعوب، وبعيدة عن أملاءات قوى الرأسمالية العالمية المتوحشة
  • التركيز على تنمية العنصر البشري
  • أن تعود الدولة إلى سابق عصرها في حماية الفئات الفقيرة
  • وضع برامج وآليات لضمان التوزيع العادل لدخل
  • اعتبار أزمة الطبقة الوسطى هي أزمة تنمية
  • دعم قيم الشفافية والمشاركة السياسية

هذا المسار التدرجي هو الذي سمح بتطور المشروع السياسي في اوربا و امريكا و جسد لديهم القيم المدنية و بناء دولة القانون ، فالمعارضات العربية مطالبة باعادة النظر في مسارها السياسي و  توجيه رهاناتها الى التحديات الاقتصادية التنموية و الابتعاد عن طوباويتها و خطابها السياسي الغير موضوعي و عليها الالتزام بالبرغماتية في الممارسة على ضوء ان اللبنة الاولى للتحقيق مشروعها الاجتماعي و السياسي هو التنمية الاقتصادية.

فيديو مقال همسة في أذن المعارضة العربية

أضف تعليقك هنا