ومن الحب ما قتل – #قصة

بقلم: الكاتب صلاح الشتيوي

كنت في سفر إلى أحد البلدان الغربية وكان جالسا بجانبي بالطائرة رجل من القطر المصري الشقيق تعارفنا وتبادلنا الحديث وعرفت إنه يعمل في السرك كمروض للأسود، سألته عن قصة مروض الاسود المعروف في مصر محمد الحلو الذي قتله الأسد تنهد مرافقي وقال: أخي إنها قصة غريبة اجتمع فيها الوفاء والغدر والندم والغيرة وكان السبب الحب، سألته كيف ذلك فقص لي الحادثة فقد كان رفيق الصدفة متواجدا يومها بالسرك لمشاهدة محمد الحلو والأسد.

من هو محمد الحلو؟

قال مرافقي مفتخرا أن السرك في مصر يرجع فضل انشائه للزعيم جمال عبد الناصر وكان مكانه حي العجوزة على نهر النيل وأسست أول مدرسة سيرك سنة 1962، لقد اشتهرت عائلة الحلو بترويض الحيوانات المفترسة خصوصا الأسود، وكانت عروضها قوية نالت اعجاب الجماهير وقد فقد بعض أبنائها حياتهم ثمنا لهذه المهنة الخطيرة والصعبة.تربت عائلة الحلو على حب الحيوانات المفترسة وتوارثت ذلك فأصبح أطفالهم يعيشون ويلعبون مع الأسود وتربطهم بهم علاقات عاطفية كبيرة وكان محمد الحلو أحد افراد عائلة الحلو المعروفة في عالم السرك جده محمد علي الحلو الذي أسس سيرك الحلو في مصر سنة1889.

 الحادثة الأليمة

صديقي صلاح كنت أتابع العرض انا وكثير من المتفرجين وعند انتهاء فقرة الأسد “سلطان” قام محمد الحلو بتحية الجمهور ورددنا عليه بالتصفيق فقد كان العرض رائع، وفجأة هجم الأسد “سلطان ” على محمد الحلو على كتفه وغرس فيه مخالبه وانيابه في ظهره.

سقط محمد الحلو وهو ينزف والأسد جاثم عليه، اندفعت انا والجمهور والحراس بالكراسي لإنقاذه، قدم ابن الحلو وهو يجري وهجم على الأسد وبيده قضيب حديدي، هرب الأسد بعدما خلف جروح خطيرة بمدربه مات محمد الحلو وهو يردد: «اوصيكم ما حدش يقتل سلطان وصية امانة ما حدش يقتله”.

ما سبب هجوم سلطان على مدربه؟

احتار الجمهور في سبب هجوم الأسد على مدربه وصديقه هل بسبب طبيعته الحيواني او امرا اخر، عند انطلاق العرض وامام الجمهور هجم الأسد (سلطان) على مدربه، كان الموسم موسم التزاوج عند الأسود وكانت الانثى المتواجد في العرض تحب الأسد (سلطان)، وقد حاول اسد اخر اسمه (جبار) التقرب منها فضربه الأسد (سلطان)، فقام مدربه بضربه ليسيطر عليه ويمنعه من احداث فوضى امام الجمهور ولا يضرب مرة اخر الأسد (جبار) وبعد انتهاء العرض هجم عليه الأسد فهل هو ردة فعل على ضربه امام الجمهور.

وضع الأسد بعد الحادث

نقل الأسد سلطان بعد مقتل مدربه وهو حزين الى حديقة الحيوانات لاعتبار انه لم يعد يصلح للسرك، رفض الأسد الطعام في الحديقة وصار يعيش في اكتئاب وحزن عميق لم يستطع بياطرة حديقة الحيوانات تفسيره هل وضعه بسبب قتله لمدربه او ابتعاده عن حبيبته؟ هل هو الندم او الحب؟.

وأصر الأسد سلطان اضرابه على الطعام فقرر البياطرة تقديم انثى له لتفك عليه وحدته الا انه ضربها بقسوة وطردها وواصل اكتئابه وعزلته، واصل الأسد في حزنه حتى وصل به الامر الى عض جسده فقص ذيله بأسنانه الى نصفين، ثم قام بعض ذراعه، واكله بكل وحشية وضل يأكلها حتى نزف ومات.

هل ندم الأسد؟

الأسد “سلطان “هاجم مدربه لشعوره بانه انحاز الى الأسد “جبار” الذي أراد الاقتراب والتودد لحبيبته، حز في نفسه كيف لصديقه أن يبيعه لعدوه شعر بالإهانة امام حبيبته أيقن بان صديقه غدره فرد الفعل،حزن لقتله لصديقه وحزن حزنا عميقا ورفض الاكل وطلب الموت من كثرة ندمه على ما فعله وقوة حبه لمدربه واشتياقه اليه، وعندما طالت به المدة ولم يمت أكل جسده ليس جوعا بل عقابا لنفسه حتى الموت، فهل له مشاعر وإحساس وحب وندم كالإنسان اما ان للحيوان اسرار لم نكتشفها بعد.

  • إن الأسد تنطبق عليه أبيات الاصمعي حين سأله فتى وكتب له:
    • (وكيف يدارى والهوى قاتل الفتى، وفي كل يومٍ قلبه يتقطع)
  • فأجابه الاصمعي:
    • (إذا لم يجد الفتى صبرا لكتمان امره، فليس له شيئ سوى الموت ينفع).
  • فأجابه الفتى وكتب:
    • (سمعنا اطعنا ثم متنا فبلغوا، سلامي الى من كان للوصل يمنع)
    • (هنيئا لأرباب النعيم نعيمهم، وللعاشق المسكين ما يتجرع).

ومن هاته الحادثة والقصيدة جاءت مقولة: ومن الحب ما قتل لقائلها الاصمعي.

بقلم: الكاتب صلاح الشتيوي

 

أضف تعليقك هنا