ابن باديس…… رائد النهضة الفكرية الإصلاحية

بقلم: أمينة لمباركية

العلامة عبد الحميد بن باديس, رائد النهضة الاسلامية في الجزائر, مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، رجل الاصلاحات، و غيرها من الألقاب التي حملها الشيخ بن باديس و التي تشير كلها إلى مشروعه الفكري والاصلاحي الذي جاء به لمحاربة محاولة الإستعمار الفرنسي دحض الثقافة الجزائرية , العربية والإسلامية

جهاد العلامة ابن باديس الفكري ضد المستعمر

قد يختلف الجزائريون اليوم حول بعض افكار الشيخ العلامة بن باديس, لكنهم يتفقون تماما على معركته الاصلاحية و العلمية التي قادها خلال فترة الاستعمار الفرنسي الغاشم. و التي اثمرتبتأسيس جمعية العلماء المسلمين و بالاحتفاظ بالشخصية الجزائرية العربية و الاسلامية.

تبنى هذا الاخير مشروعا فكريا محض لايمانه بأن مواجهة الاستعمار تكون بالمحافظة على مقومات الشخصية الجزائرية الحضارية و التاريخية و الدينية و دعا الى نهضة المسلمين تيمنا بما كان يجري في دول شقسقة انذاك على غرار مصر و الحركة الاصلاحية التي قادها المصلح الديني جمال الدين الافغاني , فقال بن باديس: “انما ينهض المسلمون بمقتضيات ايمانهم بالله و رسوله اذا كانت لهم قوة, و اذا كانت لهم جماعة منظمة تفكر و تدبر و تتشاور و تتأثر و تنهض لجلب المصلحة و لدفع المضرة , متساندة في العمل عن فكر و عزيمة “

كما رأى العلامة بن باديس ان التغيير يبدأ من الفرد و أن اصلاح الفرد هو الاساس, فخاض معركته على تنشئة الافراد تنشئة ذات قيم جزائرية خالصة و اقتصر اصلاحه  على الرجل و المرأة على حد سواء, بل و انه كان يرى ان المرأة هي عماد المجتمع و كان يبديها اهمية خاصة في اعادة بناء الامة من جديد و لهذا ركز على وجوب تعليم المرأة و تثقيفها و شجع على ارتيادها للجوامع و الزوايا لتنال قدرا من العلوم و المعرفة التي تمكنها من صناعة فرد ذو مميزات جزائرية اسلامية صحيحة, يساهم هذا الفرد في بناء مجتمعه و حمايته من الافكار المغلوطة التي حاول الاستعمار الفرنسي نشرها في اواسط المجتمع الجزائري.و لقد اسس بن باديس سنة 1930 جمعية “التربية و التعليم الجزائرية” بقسنطينة و اولها العناية البالغة لتعليم المرأة الجزائرية.

كما انه كان يشير الى ضرورة عدم مزاحمة المرأة للرجال في الاعمال و الوظائف التي بختص بها الرجال حيث يقول: “المرأة خلقت لحفظ النسل و تربية الانسان في اضعف اطواره, و حمله و فصله ثلاثون شهرا, فهي ربة البيت و راعيته و المظطرةبمقتضى طبيعة الخلقة للقيام بهذا الدور, فعلينا ان نعلمها كل ما تحتاج اليه للقيام بوظيفتها و نربيها على الاخلاق النسوية التي تكون بها المرأة امرأة لا نصف رجل و نصف امرأة فالتي تلد لنا رجلا يطير خير من التي تطير بنفسها.”

اعتبر بن باديس ان القيام بالنهضة يتطلب تظافر جهود كل افرادالمجتمع من رجال و نساء و رجال دين و مشايخ….الخ.

و ان النهضة في نظر الشيخ عبد الحميد بن باديس هي الجمع بين الاصالة و المعاصرة على عكس ما كان يراه المفكرون في ذاك الوقت و هو ان النهضة هي التنصل كليا من الماضي الشرقي و تبني الحضارة الغربية برمتها بحجة العصرنة و التحديث و يرون انالنهضة العربية بدأت باحتلال نابليون لمصر سنة 1788, و انالجزائر ايضا لم تخل من هذا التيار و الاتجاه الفكري الذي يدعو الى التخلي عن الماضي و الاندماج مع الغرب و المتمثل في دعاة الادماج الذين طالبوا بما يسمى ” الجزائر الفرنسية”. لكن بن باديس عمل على تبديد هذا الفكر و حاربه على طريقته بالتأكيد على ان النهضة و الاصلاح لا يكونان الا بالرجوع الى تعاليم ديننا الحنيف و ليس بالاندماج مع المستعمر الذي حارب الثقافة الجزائرية و اللغة العربية مستعملا ابشع و اقمع القوانين الردعية, فتوجت جهوده بانشاء جمعية العلماء المسلمين التي هدفت خصيصا الىمحاربة هذه القوانين الردعية

دور جمعية العلماء المسلمين بين الماضي والحاضر

تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في 5-5-1931 بنادي الترقي في الجزائر العاصمة و حضر الاجتماع التأسيسي 72 من العلماء الممثلين لمختلف المناطق الجزائرية و شتى الاتجاهات الدينية و المذهبية و تعتبر الجمعية امتداد للحركة الاصلاحية التي قادها الشيخ عبد الحميد بن باديس. انشأت الجمعية كرد على احتفال الاستعمار الفرنسي بقرن من التواجد على الاراضي الجزائرية, ولقد سعى هذا الاخير من خلال تأسيسه للجمعية الى التعليم و التربية و تطهير الاسلام من البدع و الخرافات و احياء الثقافة العربية التي عمل المستعمر على وأدها, و المحافظة على الشخصية الجزائرية بمقوماتها الدينية و الحضارية و التاريخية.

ترأس العلامة بن باديسالجمعية و عين الشيخ البشير الابراهيمي نائبا له, و محمد الامينالعمودي كاتبا عاما,اتخذت الجمعية شعار “الاسلام ديننا و العربية لغتنا و الجزائر وطننا” بناءا على الاهداف الرئيسية التي خططها بن باديس و مساعديه. نظمت جمعية العلماء المسلمين نشاطها الاصلاحي بتقسيم نشاطاتها على القطر الوطني على ثلاثة اجزاء و ذلك لكي يشمل هذا الاصلاح اكبر عدد ممكن من الافراد الجزائريين, فكلف بن باديس الشيخ “الطيب العقبي” ليتولى منطقة العاصمة الجزائرية و ما جاورها, و الشيخ البشير الابراهيمي يتولى منطقة الغرب, و تولى هو نفسه منطقة الشرق, و بعدها احدثت الجمعية عدة فروع لها في باقي مناطق الوطن.

تمثل دورها الاساسي في نشر اللغة العربية على نطاق واسع و بعث التاريخ العربي الاسلامي, كما انها نجحت في اعداد نخبة من الرجال و النساء ليكونوا عمدة لنهضة الجزائر. لم تكتف الجمعية بدورها التربوي و التعليمي داخل الجزائر فقط بل امتدت الى خارج الجزائر و بالضبط الى فرنسا لمرافقة ابناءالمهاجرين الجزائريين هناك و لتذكريهم دوما بأصولهم العربية المسلمة و لترسيخ الثقافة الجزائرية لديهم.

كان هذا دور جمعية العلماء المسلمين اثناء فترة الاستعمار و بما انهالا زالت متواجدة الى يومنا يتسائل سائل ما هو دورها اليوم و قد طرد الاستعمار و قضي على البدع و الخرافات و حوفظ على اللغة العربية كلغة رسمية للدولة. ان دور الجمعية اليوم لا يقل اهمية عن دورها في السابق فهي كانت تحارب عدوا ظاهرا اما اليوم فهي تحارب عدوا خفيا و هو الغزو الثقافي و انتشار الفكر الغربي خاصة مع التطور التكنولوجي الذي اتيح الاطلاع على كافة ثقافات العالم و بالتالي فان جمعية العلماء اليوم تعمل على توجيه فكر الشباب نحو ثقافة اسلاميةعربية و تواجه الشعوذة و البدع و الخرافات من جديد في ثوب جديد باسم التدين الخاطئ, و تصحيح مفاهيم الاسلام على انه علم و عمل.

كما انها تهتم بتعليم المرأة ليكون لها شأن و دور بناء في المجتمع و لا يكون لها فرق بين المرأة المسلمة و غيرها الا في عقيدتها السليمة , كما ان جمعية العلماء اليوم تعمل جاهدة للقضاء على الافات الاجتماعية كالتدخين و الخمر و المخدرات و مكافحة السيداليعيش الفرد في مجتمع صالح و بيئة سليمة, بالاضافة الى دورها السياسي في مواجهة التهجمات على الاسلام و رموزه و على المسلمين و الرد على المواقف المضادة للاسلام, كما انها تبدي رأيها في بعض المسائل السياسية الوطنية و تطرح افكارها و تقترح الحلول. و بهذا يكون دور جمعية العلماء اليوم لا يقل اهمية عن دورها اثناء الحقبة الاستعمارية فهي تعمل دوما وفق المبادئ التي وضعها الشيخ عبد الحميد بن باديس و هي الحفاظ على الشخصية العربية الاسلامية و النهوض بالثقافة الجزائرية و العمل على تطويرها و مواكبتها للعصر الحديث.

إصلاحاته الاجتماعية

إعتبر العلامة عبد الحميد بن باديس أن النهضة و الاصلاح يكونان بتحقيق الوعي في المجتمع المراد اصلاحه و ان هذا الوعي لا يتحقق الا بنشر العلم و القيم لكافة فئات المجتمع لانه هو السبيل لانتشار الاخلاق و استلهام القدوة الصالحة في كل مجال و علاج المفاسد الاجتماعية ومواجهتها و القضاء عليها وفي مقدمتها الجهل والجمود والتخلف.لقد تسبب الاستعمار الفرنسي في تردي الاوضاعالاجتماعية للافراد و المجتمع الجزائري منذ دخول فرنسا للجزائر اصبحت حياة الافراد جحيما فتحولت حياتهم الى فقر و عوز و حاجة.

انتشرت البطالة و الامراض العضوية و النفسية بينهم و تدهورت الاوضاع الاجتماعية بشكل رهيب, و هذا ما عبر عنه احد الاروبيين الذين زاروا الجزائر في مطلع القرن العشرين بقوله: “انالحياة التي يحياها الجزائريون هي حياة لا يمكن وصفها بغير البائسة و الحقيرة, هذا الشعب الذي كان بالامس السيد المتصرف فيما يملك, اضحى اليوم نتيجة لوجود الفرنسيين على ارضه كالعبد الذليل ينتظر اللقمة التي ترمى اليه, الحياة بائسة جدا, الناس يعانون من المرض و الاوبئة, و الامراض الجلدية تنتشر بصورة مخيفة بين الناس الصغار و الكبار, و قليل من الناس يحظون بفرصة العلاج و الدواء, لقد تنقلت في ارجاء متفرقة من الجزائر و رأيت مشاهد فظيعة لشعب فقير بائس يسير ببطء نحو الفناء”.

و امام هذا الوضع الاجتماعي المتدهور قام الشيخ عبد الحميد بن باديس و شيوخ جمعية العلماء المسلمين بالتصدي للأفات و المحرمات بتوعية الناس على اساس الدعوة و النصيحة و الوعظ و كتابة المقالات الاجتماعية لتصحيح العادات الخاطئة و الغريبة عن المجتمع الجزائري, كانت تنشر مقالات بن باديس في جريدة المنتقد التي اسسها سنة 1925 و التي اوقفت بعد العدد الثامن و اسس بعدها جريدة الشهاب الاسبوعية و ذلك لمواصلة بث ارائه في الاصلاح و محاربة الفساد بأنواعه من خلال مقالاته التي كان لها دور بارز في القيام بالنهضة. فهو اتخذ من الكتابة وسيلة للتصدي للغزو الثقافي الاروبي و حاول اصلاح ما افسده المستعمر في المجتمع الجزائري بالرجوع الى القرأن الكريم الذي كان يدعو دوما بالعمل به و التمسك به للمحاقظة على الشخصية الاسلامية خاصة, و بالتالي الابتعاد عن البدع و الخرافات و ماينشره المستعمر من افكار غربية اروبية تؤدي بالمجتمع الى فقدان هويته.

كما اهتم بن باديس بالشباب كونه العنصر المحرك في المجتمع و اولاه عناية خاصة, خاصة و ان فرنسا هدفت الى ضرب شباب المجتمع الجزائري بتحريضه على الخمر و المجون, فتصدى بن باديس لهذا بدعوته للشباب الى الانضمام الى الزوايا و الجوامع و الانخراط في الكشافة الاسلامية التي كان فيها رئيسا شرفيا, كما انه كان يمد للشباب يد العون و يساعدهم ماديا و من ماله الخاص. ولا احد ينكر انه بذل جهودا حميدة في هذا الميدان, و انه عمل جاهدا لاصلاح الامة و احدث ثورة فكرية و تنويرية استطاع من خلالها الابقاء على الهوية العربية, الاسلامية و الجزائرية.

بقلم: أمينة لمباركية

أضف تعليقك هنا