الإنسان العربي والتقدم التكنولوجي

بقلم: محمد عبد

ثمةَ مواضيع لم يتسنَّ لأحدٍ منا التفكير بها ملياً، أو حتى تخيلها بجديةٍ تامة. بعض الناس قد لا يعرفون شيئاً ذا قيمة عن موضوع الطاقة الشمسية مثلا، أو عن كرة دايسون، وأستعمار المريخ، والروبوتات والذكاء الصناعي، و نهاية الحياة على كوكب الأرض، والمخلوقات الفضائية، والحياة الرقمية، وعالم الحوسبة، وأشياء أخرى ذات علاقة بعلم الكونيات، أو علم الأعصاب، أو علم الرقميات، أو الفيزياء الكمومية، وغيرها من العلوم التي تتسم بملامح مستقبلية.

الأمور التي تثير السخرية لدى البعض

الأمر هذا بحد ذاته يثير نوعاً السخرية لدى البعض، لأن مثل هكذا مواضيع يتطلب تصديقها وقت محدود، ذلك إن لم نهب لقراءتها، وتداركها بطريقة إيجابية، أو أن نشغل بالنا بالتفكير بها طوال الوقت طالما هناك سياسة شاملة ترعى هذه المواضيع وغيرها، وهناك علماء ما زالوا يدرسون بجهد حثيث هذه الجوانب بكل تفاصيلها الصغيرة، ويجهدون بالبحث دوما عن أشياء جديدة. وبالمقابل هناك دول ومنظمات تنفق أموالا طائلة في البحث والتجريب، ووضع الخطوات الحقيقية على أرض الواقع واحدة تلو الأخرى.

يس هناك أحد ينتظر منا تصديق هذه العلوم

ليس هناك أحد ينتظر منا تصديق هذه العلوم، وتقبل الأفكار الجديدة. لطالما سمعنا أن وكالة الفضاء الدولية (ناسا) قد أكدت أكثر من مرة أن هناك ما يربو على أكثر من مئة ألف حياة ذكية داخل مجرتنا فقط، مع أننا لو رجعنا الى التقدير الأولي الذي يشير الى أنهم لم يستطلعوا سوى أربعة بالمئة من الكون الواسع والمتمدد، وأنهم لا يعرفون حتى الآن أية معلومات عن ال ٩٦ % المتبقية. وقد ردد الناس هذه المعلومات بشكل متكرر، فبعضنا من صدق، والبعض الآخر من أحتج وكذب كل ذلك.

الإنسان العربي يمتلك عقلية جافة نوعا ما

وفي شئ يشبه النكتة يقول الفيزيائي نيل ديغراس تايسون أنه من المحزن لكن هل هو محزن لأن ما نعرفه قليلا أم لأننا لا نعرف أي دليل عن ال ٩٦% المتبقية؟إن إشكالية تصديق مثل هذه الأفكار يتعلق بمأزق كبير جدا، ربما بحجم الكون إذا أردنا التشبيه من دون مبالغة.إن الإنسان العربي يمتلك عقلية جافة نوعا ما، وأنه متمسك بهذه الحدود من التفكير، وغالبا ما يشعر وبزهو أن الكون كله قد صمم من أجلة وحسب.

وفي الحقيقة فإن هذا هو مجرد شعور مثل أي شعور آخر، كشعورنا بالألم أو السعادة، وليس الألم والسعادة إلا أشياء وهمية لا وجود مادي لهما.وبغض النظر عن تعدد حضارات الحياة في الكون، أو حتى تعدد الأكوان، فعندما نحصر الرؤية قليلا نجد أن كوكب الارض بحد ذاته حاوٍ لأنواع عديدة ومختلفة من الكائنات الحية، وأشكال الحياة وفي هذا الصدد يقول مايكر شمير : “هل يمكن تصديق ذلك أن كل هذه الحقائق الكونية مسخرة من أجل نوع واحد من أنواع الحياة وهو ‘الإنسان’ من بين ملايين أشكال الحياة الأخرى على كوكب الارض، من بين مليارات المجرات الاخرى.”

علينا أن نصحح هذه المغالطة التي تصيب الإنسان العربي

قد تصبح هذه المقولة أكثر وضوحا وأكثر تحسرا إذا وضعنا كلمة ‘العربي’ بعد كلمة ‘الإنسان’. علينا أن نصحح هذه المغالطة التي تصيب الإنسان العربي، الإنسان هو الذي يقوم بأكتشاف الحقائق، وهو الذي يقوم بتصديقها أو دحضها بالوقت نفسه. لكنه بالطبع ليس هو الذي سُخِرَ الكون وموجوداته من أجله، فهو مجرد مخلوق صغير هنا. وعلينا تصديق ذلك شئنا أم أبينا.القضية الكبرى المهمة هي أن العالم سارٍ في إكتشاف المزيد من الحقائق وتدشينها، ومن دون التوقف لحظة واحدة لأخذ رأي الإنسان/الفرد في موضع ما.

الإنسان ليس بقادر على ضبط حركة الكون

الإنسان ليس بقادر على ضبط حركة الكون، أو التلاعب بقوانين الطبيعة، أو حتى تحريك بياناته في مسار معين حسب ما يرغب به وهذا يجعله بصدق مثل “كائن طفيلي” وبفعل سخيف جدا، فإنه “ينصب مصيدته ويقوم بوضع الطعم فيها ثم يخطو داخلها” على حد رأي الكاتب الأمريكي جون شتاينبك.

ونحن إذ نشير الى ذلك نخص به الإنسان العربي، لأن الإنسان الغربي قد تخطى هذه المرحلة منذ زمن طويل، وسارع في أنتشال نفسه من مثل هذه المآزق الكبرى، بينما لا يزال الأنسان العربي يتخبط بها.ولا بد من تقدم تكنولوجي في سبيل تحسين الإنسان وليس القضاء عليه، كما يخيل لدى البعض. إنني شخصيا أتطلع لحضور هذا التقدم وأتشوق لرؤيته، وأجد في ضرورة خلق حركة ذات إطار واسع من الوعي والتخيل اللامحدود في عالمنا العربي.

التقدم التكنولوجي هو جزء من التطور

إن التقدم التكنولوجي هو جزء من التطور الذي يصيب الإنسان والطبيعة كلها، ويصيب الأفكار والموجودات والكون برمته.
لكن البعض وللأسف يرضخ إلى تجنب هذا التقدم، وتفادي هذا الإنفتاح مرغما نفسه على التمسك بالأصولية الدينية، والتقاليد القبلية ما ينم عن إستحالة تصديق، أو حتى تخيل بدرجة ضعيفة وجود حياة ما في كوكب آخر غير الأرض، إن إنسان مثل هذا ولنسمه “الإنسان الإصولي”.

كيف سيفهم مشاريع أخرى أكبر، وكيف سيجاري هذا التقدم وهذا التطور الهائل؟ إنسان مثل هذا لا يزال ينمو لتصور أن بأمكان تحميل كامل وعيه في ذاكرة الكومبيوتر، أو سيادة الذكاء الأصطناعي عليه، أو أنه سيعيش في عالم رقمي.سيقول هذا الإنسان إننا سنحارب المخلوقات الفضائية، ولن يتمكن أي مخلوق من أن يغزوا كوكبنا، وأننا لن نهجر هذا الكوكب الذي خصنا الله به.

بقلم: محمد عبد

 

أضف تعليقك هنا