التوك شو بعد الربيع العربي

عندما تتابع البرامج الحوارية العربية بعد الربيع العربي، ستشعر حتما بشيء من الإحباط، مايطلقون عليه حوارا، لايمكن بحال اعتباره حوارا، كل شخص جاء بأفكارو أحكام مسبقة، حفظها، وللأسف حفظها المشاهدون وأملوها شخصان، أوعدة أشخاص، يقول كل منهم مجموعة الجمل التي حفظها التي من الممكن أن يأتي شخص آخر، ويقولها دون أدنى مجهود، تتجاوز الأزمة كونها مشكلة حوار، إلى سؤال أعمق هو سؤال: التفكير.

ماهوالحوار؟

للحوار وظيفتان أوليتان.

الأولى

أنه وعبر طرح الحجج والحجج المضادة، يولد أفكاراً جديدة، لم تكن في الأساس ضمن مايطرحه المتحاورون.

الثانية

وهي تنبني على الأولى وتعول عليها، أن يصل المتحاورون إلى أرضية مشتركة عبر الأفكار الجديدة والمتولدة، يشيدون عليها رؤية مشتركة، تسمح بتقبل الاختلاف، وفي النهاية بالتعايش المثري والبناء، لأنه وببساطة لو كان الناس نسخا متطابقة من بعضهم البعض لما أمكنهم أن يتمايزوا، أو أن يطور كل منهم ذوقا خاصا ومتمايزا، وطريقة في العيش والتفكير تختلف عن الآخرين وتجعله يصبح«هو» وليس«شخصاآخر».

الحياة عالم1984 و1985

تخيل أنك تعيش في عالم1984 و1985  لمن لايعرفني– “طبعاً لم اكن مولود في هذها لفترة لكن من قرآتي استخلص لكم“- هنالك تلخيص لحالنا في رواية في تلك الفترة(هي رواية ذائعة الصيت للكاتب«جورجأورويل» (مؤلف«مزرعة الحيوان»)، يعيش الناس فيها في وطن شمولي، تفرض عليهم الحياة بطريقة معينة وتراقب الحكومة حتى أحلامهم وأفكارهم التي لم ينطقوا بها وتحاسبهم عليها، أرادت الدولة أنتحول المواطنين إلى نسخ متطابقة من بعضهم، يؤمنون بنفس الأفكار ويعيشون بنفس الطريقة.

السؤال مرة أخر:

تخيل أنك تعيش في عالم 1984،هل ستطيق تلك الحياة؟ هل تصورك لحياة سليمة، وثرية،يتلاءم مع تلك الأجواء؟

تقوم مواقفنا من الأشياء، ومن الحياة بشكل ما،على خبراتنا الخاصة، ولا يعني هذا إلغاء العوامل الأخرى، لكن التجارب والخبرات الخاصة بكل منا هي ما يحدد مواقفه من الأشياء بشكل أو بآخر، قراراتنا أيضا تحددها مواقفنا وتجاربنا،وبالتالي يمكن القول بأنه من أجل اتخاذ موقف ما من أمرما أوببساطة اتخاذ قرار شخصي فإننا أولا بحاجة إلى إدراك الوسطا لمحيط وفهمه.

وهذا الفهم والإدراك لابد أن يعيدنا إلى نقطة التجارب والخبرات الخاصة،حيث إن خبراتك ماهي في الواقع سوى نتائج تفاعلك مع الوسط المحيط.

نحن إذن أمام عنصرين في هذا التفاعل المستمر:

أنت والوسط المحيط. الوسط المحيط هو السياق العام الذي يتحرك من خلاله الفرد العقلاني والفاعل، الذي من خلاله ينتج نفسه المستقلة والمتمايزةالمتمايزة بطريقة تفكيرها، وبمعرفتها، وبخبراتها التي صاغها تفاعله المستمر مع الوسط المحيط.

وهذافي الواقع ما يصنع أحكامنا الفردية على الأشياء والأشخاص. فكر مثلافي جيرانك أوزملائك في الجامعة: ما هو رأيك في كل منهم؟لماذ اتصبح صديقاً مع بعضهم ولاتصبح صديقاً مع الباقين؟

هذا هو ما يسمى«أحكام»، والموقف في أساسه ينطوي على حكم، والحكم في صورته الأكثر تبسيطا هو ذلك الوصف المعياري القائم على مجموعة من الخبرات والتصورات لما يجب أن تكون عليه الأشياء(طورتها المعرفة والخبرة أيضا)،والموقف هو الصورة النهائية للحكم غير اللفظي.

ماهو الفرد العقلاني الفاعل والمتمايز؟

حينما تنظر إلى مجتمع مثل مجتمعنا نلبس كلنا تقريبا بنفس الطريقة، ونأكل نفس الأشياء ونستخدم نفس المفردات في حياتنا اليومية.

هل يعني هذا أننا نمتلك نفس العقل ونفكر بنفس الطريقة؟ إذاكان الجواب نعم، فما جدوى أن يكون لكل منا عقل مستقل؟ولكن لحسن الحظ فإن الجواب بالنفيولحسن الحظ مرة أخرىوهذا مايصنع التمايز بين الأفراد. وحينما نكون متمايزين ،فهذا يعني أن بوسعنا أن نتكامل من أجل مجتمع «متكامل» وصحي.

يفكر كلفرد أو مجموعة أفراد بطريقة تؤهله للقيام بدور بفاعل في المجتمع، أي تجعله فرداً فاعلاً، كل هذه العناصر تجعل الفرد عقلانيا أي يستخدم عقله المستقل وفاعلا، ومتمايزا أي أن يكون هو وليس شخصاً آخر.

برامج الحوار العربية بعد الربيع العربي، حينما تتابعها فأنت تبتعد عن الحوار وتدخل خانة الأحكام المسبقة الجاهزة بين أناس لايعرف بعضهم البعض، وخانة الشتائم، الشتيمة والموقف المتصلب لايصنعان حوارا،الحوار انفتاح وتفكير، وقد نعود إلى التفكير لاحقا.

فيديو مقال التوك شو بعد الربيع العربي

أضف تعليقك هنا