الحلم المزعج

شهر حزيران، الشهر السادس في التقويم الميلادي، استيقظت كعادتي في الوقت المحدد، وشرعت أوقظ أهلي استيقظوا، استيقظوا، إنه اليوم الموعود  اليوم سأناقش بحثي، بالله عليكم ما هكذا تكون عائلة “التركي” _أطلق علي ابن عمي بلال هذا اللقب عندما كنا صغارا لأنه كان يراني أشبه التركيين إلى حد ما_  قلتها وأنا أُحس بنوع من الأنفة رددتها في نفسي كثيرا؛ الباحث التركي الباحث التركي…  كانت أمي قرب” الفرن” تعد بعض الرغائف وتغني بعض الأهازيج الجبلية، صوتها جميل ورنان كان أهل القرية يستمتعون بصوتها الذي يشبه “الموَّال الجبلي”.

في غمرة فرحي الممزوج بالخوف

إنه صوت القرويين الحقيقي المترُوهِ بآهات تصعد من القلب…” أجابتني قائلة ” رويدك بني، هل ستناقش أطروحتك ببطن فارغة؟ في غمرة فرحي الممزوج بالخوف،  توجهت نحو المرآة فاكتشفت أني نسيت أن أضع ربطة العنق، فرحت أبحث عنها، أيقظت أخي الصغير ليساعدني في البحث، ولكن دون جدوى، اختفت ربطة العنق اقنعت نفسي أن لا أهمية لها، المهم الآن هو أن أصل في الوقت المحدد.

ارتشفت رشفة من كوب الحليب

ارتشفت رشفة من كوب الحليب، ووضعت لقمة في فمي لأقيم بها صلبي، فانطلقت مسرعا نحو الجامعة، حاملا معي مِلفي الضخم… ولجت القاعة فألفيتها مكتظة بجمع غفير من نقاد ودكاترة…، فألقيت نظرة سارقة على اللجنة المناقشة، فتملك فؤادي خوف لم يسبق لي أن أحسست به من قبل جلست في مكاني، وضعت قارورة الماء أمامي،

فرحت أتأمل في وجوه الحاضرين، فأحسست بنوع من الغربة لأني لا أعرف أحدا منهما،  قلت لا بأس هم من محبي المعرفة إذن، هم إخوتي في العلم ، إنهم من هذا العالم ويشكلون جزءا من حياة الآخرين، فهم مني،  فزال عني بعض الخوف والتوتر،  خصوصا بعد أن رأيت عائلتي التي وصلت لتوها إلى القاعة.

لاحظت أمراً عجيبا بدا لي

لكن لاحظت أمرا عجيبا  بدا لي أن  قارورة الماء التي كانت أمامي  استحالت قنينة غاز، حركت عيني يمنة ويسرة، فألفيتها قد عادت إلى ما كانت عليه، قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لقد بدأت أهدي لعله الارتباك المولد من الخوف، فاستعذت بالله مرة أخرى، فبدأت اللجنة بالترحيب بالحضور والإشادة بعملي، فأحسست بالغبطة والسرور ولكني عندما حاولت أن أنظر في وجوه الحضور، اكتشفت اني لا أستطيع أن أراهم أو أسمعهم، لا أرى أحدا منهم ، جلت بناظري في القاعة، فلم أرى سوى عائلتي تصفق، استعذت بالله مرة أخرى، فعادت القاعة مكتظة بالحضور تساءلت بالله ماذا يحدث لي ؟

لم يخرجني من حالتي هذا التساؤل، سوى سؤال أحد المناقشين عن السبب الرئيس الذي دفعني إلى اختيار عنوان بحثي، فرحت أحاول الإجابة عن سؤاله، لكني أصبت بحبسة لسانية لم يعد أستطيع تذكر عنوان بحثي، ساعتها أحسست أن شيئا ما يحدث بالفعل ،حاولت أن أجيب  ولكنني لم أستطع، نظرت إلى المناقش فقال لي هذا الأخير لا عليك يا بني،  في بعض الأحيان ننسى عناوين كتبنا أيضا خذ وقتك الكافي لتذكر العنوان، فبادرني مناقش آخر عن السبب الذي جعلني أنصب كلمة” الموقعين في الصفحة السادسة في جملة ” نحن الموقعين أسفله” حملقت في المناقش بدا لي في البداية رجلا مسنا، لكنه سرعان ما تخيلته في صور عديدة تارة شاة بلحية بيضاء وتارة فتاة أتحدث معها،

باغتني المناقش بسؤال آخر

باغتني المناقش بسؤال آخر، ألا تتذكر شيئا عن أطروحتك؟ قالت بلى أذكر، إن دكتورتي هي أحسن أطروحة  في تاريخ هذه الجامعة، اسألوا أمي تخبركم عن الجهد الذي بدلته، نظر المناقشون والجمهور إلى الجهة التي يشير إليها بأصبعي، فلم يروا غير مقاعد فارغة ،قال احدهم أين أمك نحن لا نرى أحدا، أجابت وكنت أرى أمي في المقعد، إنها أمامي هي وإخوتي الصغار ألا ترونهم، أخبريهم يا أمي عن تعبي وكدي.

أحسست حينها أني أهذي كيف يمكن أن أراهم والآخرون لا يستطيعون ذلك..؟ أعاد المناقش سؤاله عن سبب نصبي للموقعين” حاولت أن أجيب أوقفني المناقش قائلا الصحيح أن تقول “نحن الموقعون أسفله” كنت أعرف أن الكلمة يجب أن تنصب لكني لا أستطيع أن أتكلم، توجهت بنظري نحو الأستاذ المشرف على أطروحتي قلت له ساعدني أجابني بماذا أستطيع أن أساعدك يابني ؟ قلت ذكرني بعنوان  أطروحتي ؟ قال المشرف بنبرة فيها نوع من العتاب أي أطروحة يابني؟ أنت لم تكتب أي أطروحة.

تعجبت وزاد عجبي وأحسست بعيني تقطر منها دموعا ساخنة أحرقت بشرتي، فتلاشت أمامي القاعة وخيل لي ان الأرضية تنسحب من تحتي ، شعرت أني أستند على كتف شخص ماـ تزاحمت في ذهني الكلمات ،فصحت إنها منصوبة على الاختصاص إنها منصوبة على الاختصاص إنها منصوبة على الاختصاص …. استيقظت أخيرا كان بالحق حلما مزعجا رفعت عن رأسي الغطاء وأنا أصيح إنها منصوبة على الاختصاص على الاختصاص.

ساعتها أدركت أني كنت في حلم  مزعج 

ساعتها أدركت أني كنت في حلم  مزعج  وجميل في الآن نفسه، نظرت في الغرفة فوجدت أمي في الغرفة وإخوتي الصغار بجنبي راحت أمي تردد” بسم الله عليك أوليدي” لابد انه كان كابوسا مزعجا ” أجابها نعم يا أمي كان كذلك، سألتها عن الساعة أجابتني: إنها الثامنة صباحا  فطلبت من أحد إخوتي أن يعد له محفظتي لأنطلق إلى الجامعة، سكت الجميع لبرهة تعجبت من سكوتهم متسائلا ما بكم؟ سأذهب إلى الجامعة لأحضر بعض الحصص، نظرت إلى أمي فإذا بها تذرف دموعا فتوجهت إليها قائلا: ما بك يا أمي؟ قالت لاشك أن هذا الحلم عبث بدماغك.

استيقظ مرة أخرى وكان حلماً مزعجا آخر

أنت لم تدرس يوما في حياتك يا بني ولم تلج المدرسة من الأصل فكيف تريد الذهاب إلى الجامعة ، اندهشت لم أصدق الأمر فأخذت أصيح كيف؟ كيف؟ كيف؟ لا يعقل ذلك صحت بأقصى ما أستطيع، لحظتها استيقظ مرة أخرى كان حلما  مزعجا آخر بيْد أني في هذه المرة، لم أجد أحدا في الغرفة ، استعذت بالله، وأول شيء فعلته هو أني هرولت لأتفقد محفظتي لأتكد  من أشيائي وأنا أبحث سمعت نداء أمي من بعيد” أبني التركي..إنها السابعة النصف، ألن تذهب إلى الجامعة؟

ما إن سمعت أمي تلفظ كلمة الجامعة، حتى أحسست بسرور عارم، فتيقنت أني لست في حلم آخر ولأتأكد تعمدت أن أضرب رأسي بزجاج النافذة التي تطل على الشارع مباشرة فتبلل جبينيي بقطرات الندى، ساعتها تيقنت أني مستيقظ  تماما، أسرعت نحو أمي، فقبلت رأسها وقضمت قضمة من رغيف ” الشعير الطري اللذيذ”: وارتشفت رشفة من كأس القهوة وانطلقت مسرعا نحو الجامعة، وكلي لهف لأحكي لأصدقائي عن أطروحتي المنامية التي لم تناقش بعد.

فيديو مقال الحلم المزعج

أضف تعليقك هنا