الخطاب الديني في مواجهة الاستعمار الفكري العلماني

بقلم: حمزة الخيراوي

الإسلام دين لكل جيل

مما لا شك فيه أن الدين الإسلامي هو دين صالح لكل زمان ومكان لكونه قابل للتجديد ومواكبة أي عصر من العصور، دون أن ننسى اتسامه بالعالمية والشمولية كما جاء في قوله سبحانه وتعالى” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، فمساحة الاجتهاد في هذا الدين هي مساحة واسعة جدا، تتيح له مسايرة التقدم الهائل الذي يعرفه العالم في عصرنا اليوم، لكن على الواقع الأمر مختلف تماماً، فالخطاب الإسلامي اليوم هو في الحقيقة صار خطابا ضعيفا أو “هشا” كأقل وصف يمكننا وصفه به، لم يعد يملك القوة التي تجعله أكثر تأثيرا في المجتمعات العربية، وصار جدير بنا أن نستسلم للسؤال الذي لطالما تحفظنا وترددنا في طرحه: “هل فعلا فشل الخطاب الديني أمام العلمانية داخل الساحة العربية؟”.

إن محاولة الإجابة عن هذا السؤال تجرنا إلى معرفة الأفكار التي تنبني عليها العلمانية ومقارنتها مع ما يجري في واقعنا الراهن أو بالأحرى معرفة مدى تأثيرها في عقلية الإنسان العربي، فإذا كانت العلمانية تنبني على فكرة أساسية تجعلها في موضع التضاد مع أي دين من الأديان بما في ذلك الدين الإسلامي، وهي وضع الدين جانبا أو بعيدا عن الحياة العامة للأفراد حيث يختصر دوره على تغذية الجانب الروحي أو التعبدي فقط، فهذا يضعنا أمام القول على أن جل البلدان العربية أو كلها تسلك سبيلها نحو العلمانية، بل لقد صارت تسارع خطاها في السنوات الأخيرة، إن الواقع الآن في الساحة العربية يجبرنا على الحديث عن الدين كعائق للعلمانية وليس العكس، وذلك بسبب سيادة الانطباع العلماني في كل مجالات الحياة بما في ذلك نمط العيش والاقتصاد وحتى الإعلام والفن بشتى أنواعهما.

الخطاب الديني والعقول العربية

إن هشاشة الخطاب الديني جعلت الأبواب مفتوحة على مصراعيها أمام الفكر العلماني ليجتاح العقلية العربية دون أن تعترض طريقه أية عراقيل أو مشاكل، فمقاومته كانت ضعيفة جدا ولم ترقى إلى مستوى مقاومة الاستعمار العسكري الذي عاشته مختلف البلدان العربية، ليصبح هذا الفكر مستعمرا لا يستهان به بل إنه استعمار حقيقي أخطر بكثير من الاستعمار العسكري، كما ولا عجب أن يكون استعمارا مقصودا من طرف البلدان الغربية كأول من تبنى هذا الفكر منذ ما يقارب القرنين من الزمن، كيف لا وهاهو اليوم صار حربا معلنة جاءت بوادرها على ألسنة الكثيرين منهم، فهذا “يوري بيزمينوف” وهو عميل سابق لدى الاتحاد السوفياتي.

وضع في إحدى محاضراته خيار التخريب بدل الاستعمار العسكري واصفا الأخير بالهمجية والغير الفعال ونتائجه العكسية، ويقصد بالتخريب تخريب كل شيء لديه قيمة في البلد المستهدف ويبدأ بهدم الأخلاق كأول مرحلة من مراحل التخريب وهي أطولها، فقد أفصح بلسان واضح على أن هذه المرحلة تحتاج إلى ما بين خمسة عشر وعشرين سنة. ومن بين المجالات التي يطبق فيها مفهوم التخريب هو الدين بل إن الدين في مقدمة المجالات المقصودة، لقد أخبرنا “بيزمينوف” بكل شيء.

لكن طائفة منا لا زالت تتعامى ولا تريد أن تفهم، كما لا زالت مصرة على التعامل مع العلمانية بكونها سبيل للرقي والازدهار، مشكلتنا أننا حتى لو فهمنا ما وقع ففهمنا سيكون جاء متأخرا بكثير، لأن الحرب التي أتحدث عنها لم تعلن إلا بعدما تحققت نتائجها، فحرب العلمانية على الدين الإسلامي كانت شبيهة بحرب (الكيان الاسرائيلي المحتل) على مصر سنة 1967 حينما ضربت الطائرات المصرية قبل إقلاعها من مطاراتها الحربية.

أسباب عدم تأثير الخطتبات الدينية بالمجتمعات 

إن الخروج بالخطاب الديني من هشاشته وضعفه وتوجيهه نحو مواجهة هذا الاستعمار يقتضي منا معرفة أسباب عدم تأثيره القوي داخل المجتمعات مع أنه يتمحور حول عقيدة لا زالت صامدة أمام كل أنواع الحروب التي توجه ضدها: الحرب العسكرية والإعلامية والعلمية والفكرية…الخ. أكيد أن الأسباب كثيرة ولا حصر لها، لكن سنكتفي بذكر ثلاثة منها:

أولا:

التشدد، وهو لا يصدر إلا من دعاة جاهلين بالدين أو لا يعرفون عنه إلا القليل وإن كنت لا أستثني حتى بعض الشيوخ المحترفين في ميدان الدعوة، فالتشدد حدرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أذكر منها قوله:《إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه》إنه من أكبر الأسباب التي تجعل الشباب العربي يفرون من الدين فيجدون أنفسهم يسيرون بين دروب العلمانية.

ثانياً:

الفئة المستهدفة، من المؤسف جداً أن نرى أغلبية الخطب بما فيها خطب الجمعة والخطب الدينية على الفضائيات…تستهدف الشيوخ فقط، وهذا أمر سيء للغاية، يجعلك تشعر بأن الدين مجرد وسيلة للإنقاذ من عذاب ما بعد الموت لا غير، فالخطاب الديني يجب أن يستهدف بالأساس الفئة الشابة كونها الفئة الفعالة داخل المجتمع، كما يجب التعامل مع هذه الفئة دون إغفال الجوانب النفسية والمتغيرات الفيزيولوحية والعقلية والانفعالية لدى هذه الفئة، وحينها توجيه الخطاب الديني كنمط للحياة وليس وسيلة للتقرب إلى الله، إننا لا ندعوا هنا إلى التخلي عن العبادة.

ولكن ندعوا إلى إدراجها داخل نمط الحياة وتوضيح الغايات منها كونها غايات لها تأثير إجابي على علاقة الفرد بالمجتمع ولا يقتصر تأثيرها على علاقة الفرد بالله عز وجل، وبالنظر إلى الدين جيدا سنرى أن الفئة التي أتحدث عنها-الأطفال والشباب على حد سواء-هي الأكثر استهدافا في القرآن والسنة، لن أحتاج إلى تقديم أدلة على هذا، يكفي أن رسولنا صلى الله عليه وسلم نزل عليه الوحي شابا وفارق الحياة مباشرة بعد تجاوزه فترة الشباب.

ثالثا:

التقييد، لقد عانى الخطاب الديني ولا زال يعاني مما يعاني منه الإعلام العربي اليوم، أتحدث عن مشكلة التقييد، لقد صرنا نرى بعض الفتاوى لا علاقة لها بالدين، غرضها بالأساس هو خدمة جهات معينة، المهزلة العظمى هي أننا نرى أمثال هذه الفتاوى تخرج من القرب من غار حراء-مكان نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخيرا دعونا نقول أن الاستعمار العسكري الذي تعرضت له البلدان العربية في أواخر القرن الثامن وعشر وبدايات القرن التاسع عشر كان مجرد بداية لاستعمار فكري لا زال قائما لحد اللحظة، مكن الدول الغربية من تحقيق المقصد الأساسي للحرب وهو استمرارية سياستها على الأراضي العربية، لكن حتى لا نقف موقف المتشائمين.

فبالنظر إلى مدة الاستعمار بنوعيه الفكري والعسكري والتي قاربت القرن والنصف من الزمن ومقارنتها مع الأهداف التي تحققت سندرك فشلهم أكثر من نجاحهم، فما نراه في المجتمعات العربية من حالة وعي تدفعها إلى مواجهة القمع ومن تم العودة بالثقافة العربية إلى الواجهة، تمثل هذا في ثورة الربيع العربي في العديد من البلدان، كل هذا يجعلنا ندرك أن الحرب لا زالت قائمة بطرفين وليس بطرف واحد، وسينقلب النص مقدمة على خاتمة بعدما تنقلب موازين القوى بين الطرفين وهو أمر حتمي يخبرنا به التاريخ.

بقلم: حمزة الخيراوي

أضف تعليقك هنا