المنهج المثير للتفكير كما يجب أن يكون

بقلم: أ.فاطمة أحمد الحشاش

إن التفكير نعمة عظيمة وهبها الله تعالى للإنسان ليتعرف عليه ويعبده ويعمر في الأرض، فهي مطلب إلهي ومن أسباب نزول القرآن الكريم لقوله تعالى: ” وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون” (النحل: الآية 44)، فقد دعا القرآن الكريم للنظر العقلي بمعنى الـتأمل والتفكر لفهم الأشياء وإدراكها.

امتاز الإنسان بالتفكير وتفرد به عن باقي المخلوقات

امتاز الإنسان بالتفكير وتفرد به عن باقي المخلوقات، حيث يعرف التفكير بأنه مفهوم معقد يتألف من ثلاثة عناصر تتمثل في العمليات المعرفية المعقدة، وعلى رأسها حل المشكلات، ثم الفهم والتطبيق إلى جانب معرفة خاصة بمحتوى المادة، أو الموضوع مع توفر الاستعدادات والعوامل الشخصية المختلفة، ولا سيما الاتجاهات.

في ظل العصر الذي نعيشه والتطور الهائل والمستمر في كل ما يتعلق بالتكنولوجيا التي غزت كافة مناحي الحياة، كان لابد من إعداد المتعلم إعدادًا يتناسب مع هذا العصر بحيث لا يكون تقليديًا بل مفكرًا يتميز بمهارات عقلية عليا، ولا يكون ذلك إلا من خلال تطوير المناهج التعليمية بشكل يثير تفكير المتعلم ويسمح له بأن يبدع وأن يُعمِل عقله، ويفكر، وبالتالي يواكب التغير والتطور الحاصل من حوله.

المنهج المعزز والمثير للتفكير

إن المنهج المعزز والمثير للتفكير هو المنهج الذي ينتشل المتعلم من كونه متلق وسلبي إلى متعلم مشارك إيجابي، فهو يعتمد على أسلوب النقاش والحوار الفكري والفهم والتحليل والنقد والاستنتاج، مما يشجع المتعلم على الإبداع والابتكار وفهم وإدراك ما يدور حوله، وعليه نذكر في الأسفل بعض الاقتراحات التي من الممكن الاعتماد عليها لبناء منهج مثير للتفكير يشمل الأهداف، والمحتوى، والأنشطة والاستراتيجيات والوسائل والمواد التعليمية، والتقويم، والبيئة التعليمية.

الأهداف التعليمية:

نظرًا لأهمية الأهداف التعليمية فإننا بحاجة ماسة إلى تحديدها، وصياغتها سلوكيًا بشكل جيد، وقابل للقياس، فإن منهج بلا أهداف يعني نظامًا تعليميًا عبثيًا يسير بلا توجيه، وبشكل عشوائي، فهي نواة المنهج، وهي أساس كل نشاط تعليمي، وطرق، وأساليب تدريس، وأساليب تقويم، ولكي يعزز المنهج التفكير ويثيره لابد أن تساعد الأهداف التعليمية على ذلك، بأن تكون متنوعة، وشاملة، ومن خلال تركيزها على تنمية شخصية المتعلم في جميع جوانبه، وإثارة مستويات التفكير العليا لديه من خلال استخدام أفعال مثل: أن يبين التناقض، أن يشتق، أن يعيد كتابة، أن يستنتج، أن يصمم تجربة .. إالخ، وأن توجهه للبحث عن حلول مبتكرة لأي موقف أو مشكلة تواجهه، وأن تبعث فيه روح الحماس، والسعي نحو الفهم المتعمق، وإدراك أي معلومة جديدة.

المحتوى التعليمي:

ينبغي أن يكون المحتوى صحيحًا من الناحية العلمية، وصادقًا، وأن ينسجم مع التطورات الحديثة للعلوم، وألا يكون صعبًا بحيث يسبب صدمة للمتعلم، وألا يكون سهلاً بحيث لا يعطي المتعلم فرصة لإعمال فكره، وأن يرتبط المحتوى التعليمي بحاجات المتعلمين، واهتماماتهم، وميولهم، وما يشغلهم، فيتم عرض مشكلات من بيئتهم، وتحفيزهم على البحث عن حلول لهذه المشكلات، وأن يحتوي على العديد من الأسئلة والتدريبات المثيرة للتفكير، والقائمة على أسلوب حل المشكلات، والاكتشاف، وأن يوظف المنحى التكاملي لأهميته في تحفيز تفكير الطلاب وربط معلوماتهم ببعضها البعض في كل المواد، كذلك يسمح للمتعلم باستدعاء خبراته السابقة، وتوظيفها لإحداث تعلم جديد.

الأنشطة والإستراتيجيات والوسائل والمواد التعليمية:

لكي يكون المنهج معززًا للتفكير يجب على المعلم الاهتمام بعرض الدروس بطريقةٍ تشجع المتعلم على المشاركة والتفاعل بشكل يثير، وينمي مهارات التفكير العليا لديه، ومن ذلك توظيف طريقة حل المشكلات مع إتاحة الفرصة للمتعلم ليشارك بوضع الفروض، واختبارها، وكذلك تعميمها في حال صحتها، وكذلك إتاحة الفرصة له للبحث عن حلول جديدة لكل موقف يواجهه، وإعطاءه فرصة لمشاركة زملائه في عمليات الملاحظة، والتصنيف، ومن ذلك أيضًا توظيف الأسلوب القصصي، ولعب الأدوار، واستخدام الأشكال التوضيحية، وخرائط المفاهيم، والتعلم التعاوني، والمناظرات الفردية والجماعية.

ويجب ألا ننسى أهمية توظيف التكنولوجيا الحديثة خلال الحصص التعليمية، ومما لاشك فيه أن على المعلم الاهتمام باختيار الوسيلة التعليمية بشكل جيد؛ فيركز على أن تكون جذابة، ومشوقة؛ تشغل تفكير المتعلم، وتثير انتباهه، وتحمسه لموضوع الدرس، كذلك حسن اختيار الأنشطة سواء كانت صفية، أو لا صفية؛ فيجب أن تكون مناسبة؛ فيفضل اختيار المشوقة المبتكرة التي تزيد من تفاعل المتعلمين مع بعضهم البعض من جهة، ومع المعلم، والموضوع من جهة أخرى، فيجب إعطاء تدريبات، وأسئلة تكون مفتوحة؛ كي تسمح للمتعلم الإدلاء بأفكاره بحرية، ودون أية قيود.

البيئة التعليمية:

تشمل المناخ المدرسي، ومصادر التعلم، وفرص اكتشاف المواهب، والعلاقات المدرسية، والمناخ الصفي، فعملية التعلم، وتنمية التفكير لا تحدث من فراغ فهي عمليات تشاركية، ولا شك أن البيئة التعليمية تؤثر على النتاجات السلوكية من تعليم، وتفكير، ونمو، وأدوار اجتماعية، ولكي يكون لها أثر إيجابي يجب أن تكون بيئة آمنة، ومريحة، ومناسبة؛ كي تسمح للمتعلم بإطلاق طاقاته، وتطلق العنان لتفكيره، بدءًا من العلاقات المدرسية؛ فيجب أن تكون العلاقات متبادلة بين الطلبة، والمعلمين، والإداريين، والمرشدين التربويين، وأولياء الأمور في جو يسوده الثقة والتعاون حتى تسهم بشكل إيجابي في تعزيز نمو تفكير المتعلم.

وبالنسبة للمناخ الصفي، فيجب على المعلم خلال الموقف التعليمي احترام تنوع، واختلاف الأفكار، وتقبلها، وكذلك ضمان حرية التعبير للطلبة، واحترام رأي الأغلبية، وكذلك يجب على الإدارة توفير مناخ مدرسي ملائم؛ وذلك من خلال وضوح رسالة المدرسة التربوية، وإشراك أولياء الأمور في بلورتها، وتذليل العقبات التي تقف أمام نمو تفكير المتعلم، وبالتالي العمل على توفير وتجهيز مصادر التعلم التي تناسب جميع المتعلمين من معاقين، ومتوسطين، وموهوبين، كالخرائط، والوسائل التعليمية السمعية، والبصرية، وكذلك توفير القرطاسية، وتجهيز المختبرات العلمية بما يحتاجه المتعلم، ويجب أن تكون المصادر متنوعة، ومشوقة، ومثيرة للتفكير، وتشبع حاجات المتعلم ورغباته.

التقويم:

إن التلويح بالامتحانات التقليدية كل حين، والتركيز على الدرجات أصبح أمرًا غير مجديًا، كذلك أساليب التقويم التي تعتمد على نمط أسئلة الصح والخطأ أو الأبيض أو الأسود ليست مجدية؛ لأن هناك إجابات يمتلكها المتعلم قد تكون أفضل من الإجابات التي يريدها المعلم، وبالتالي هذه الأنماط تحد من تفكير المتعلم وتعوده على الخمول، فالأفضل أن ينوع المعلم في استخدام أساليب التقويم، ويراعي الفروق الفردية بين المتعلمين، وكذلك عليه أن يركز على التقويم الذاتي للمتعلم، ومما لاشك فيه أن لجوء المعلم لاستخدام مقياس تقدير سلوكات التفكير لملاحظة تقدم مستوى كل طالب في ممارسة سلوكات التفكير لهو الأفضل بالنسبة للمتعلم.

المراجع:

أبو جادو، صالح، ونوفل، محمد. (2007). تعليم التفكير (النظرية والتطبيق)، ط1، عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.

جروان، فتحي. (2007). تعليم التفكير (مفاهيم وتطبيقات)، ط3، عمان: دار الفكر ناشرون وموزعون.

زيتون، حسن. (2003). تعليم التفكير (رؤية تطبيقية في تنمية العقول المفكرة)، ط1، القاهرة: عالم الكتب.

عبد العزيز، سعيد. (2013). تعليم التفكير ومهاراته (تدريبات وتطبيقات عملية)، ط3، عمان: دار الثقافة للنشر والتوزيع.

بقلم: أ.فاطمة أحمد الحشاش

أضف تعليقك هنا