حالة هستيرية

بقلم: أميمة سعيدي

تدافعت الأفكار بقوة داخل عقله..فكر بسرعة و تساءل..هل هناك فرصة أخرى يمكن أن ينفذ منها لحياة أفضل..صحيح أنه فشل في كل عمل قام به ولكن النجاح الحقيقي يأتي دوما متأخرا؟..لم لا يمنح نفسه هدنة ثانية؟..فرصة للعودة بها عن هفواته و يتصالح فيها مع نفسه و العالم لعله يجد مخرجا لأخطائه..أخرج راسه من الحلقة.

نبض قلبه بعنف وهو يحدق في الحبل

نبض قلبه بعنف و هو يحدق في الحبل المتارجح امام بصره تماما.. تحسس عنقه بلا وعي.. هبط من كرسيه.. خذلته اقدامه و لم تعد بقادرة على حمله فتهاوى على سريره يرتجف.. دفن راسه بين كفيه يفكر.. هل يتراجع في قراره الان؟.. لم يعد يدري… يوشك ان يسلمه التفكير للجنون .. صحيح الحياة جميلة و لكنها ليست له.. الانتحار هروب لا ينكر ذلك .. و البديل ان يبقى ليلعن حظه مع كل صباح.. و يعود كل صباح ليلعق جراحه.. لا .. لن يتردد تلك المرة .. تنفس بعمق.. فتح عينيه .. اقترب من الكرسي بسرعة و خطا فوقه.. امسك بالحبل لثوان ثم احكم وضعه حول رقبته.. لن يمنح نفسه املا زائفا .. و لن يقبل ان يعود ليمثل دور الرضا بحياة مثيرة للشفقة .. مازال قلبه ينبض بعنف.

عليه أن يهدأ قدر الإمكان

عليه ان يهدأ قدر الامكان قبل لحظة التنفيذ.. يريد ان يغادر العالم بسلام .. يغادر بطمأنينة بعد ان عاش طول عمره يرتجف خوفا من كل شيء حوله.. ارتجفت قدماه فاهتز الكرسي ضغط الحبل على عنقه اكثر.. تسارعت نبضات قلبه و زفر انفاسه بقوة.. نظر للارض اسفل منه .. خطوة اخيرة باقية.. يترك جسده للفراغ و مصيره للقدر .. خطوة ويصبح كل ماضيه بلا قيمة وراء ظهره.. رفع راسه قبل رحيله.. ابتسم بسخرية.. اخر ما يرغب ان يراه قبل رحيله قبل موته هو صور حياته الفاشلة .. ثوان و ينتهي الامر على اي حال .. حبس انفاسه. نقل قدمه نحو حافة الكرسي ببطء.

تفاجىء بدمعة تنحدر من عيناه .. هو الذي لم يعتاد ان يبكي مهما كان الألم الذي يتعرض له .. ترى هل اخطأ؟.. تسرع كالعادة.. اندفع وراء خلاص سريع لهموم مؤقتة.. و امه.. هل كان أنانيا عندما عزم امره دون ان يفكر في مصيرها بعده..هي التي اتخذته عكازا تستند عليه من عثرات الايام فتهاوى بها مبكرا.. و الناس.. لم سمح لبعض أواه حمقاء ان تحكم على حياته و تقود حياته بجنون لتصل بها الى النهاية.

نهاية لم تراود خياله

نهاية لم تراود خياله يوما و لم تتمثل له في أسوأ كوابيسه.. لا .. لن يسمح لنفسه بانسحاب سريع مخجل امام وهم يسيطر عليه .. ثقته بنفسه على تجاوز الفشل مازالت قوية رغم كل ما مر به.. لن ينهي حياته بفشل جديد .. يؤمن ان مازال لديه الافضل.. يشعر في عروقه بدم الحماس مازال يتدفق فيها .. و طاقته لم تنفذ بعد.. سيعود ليثبت لنفسه قبل ان يبرهن للاخرين انه قادر على هزيمة اعدائه بنفسه.. لن يسمح للكسل و الفشل ان يكون عنوان حياته.

لن تلتصق به تلك الصفات مرة اخرى.. سيعود للحياة اكثر تصميما.. و أمه.. ما اجمل حضنها .. سيبرهن ان ثقتها فيه كانت في محلها تماما .. هم بالنزول من على الكرسي .. مد يده نحو الحلقة التي ضاقت باحكام حول رقبته.. في تلك اللحظة اهتز جسده.. ارتجت الارض بغتة تحت اقدامه.. سمع صوت شيء يتحطم.. قبل ان يبظر للاسفل تمايل الكرسي تحت ثقل جسده .. تهشم فجأة سريعا محدثا دوي خافتا.. هوى جسده متأرجحا في الفراغ .. ضرب بأقدامه في الهواء بلا وعي محاولا العثور على شيء صلب يقف عليه بلا فائدة.

ضغط الحبل على عنقه أكثر

ضغط الحبل على عنقه اكثر.. انسحب الهواء من صدره في دفعات سريعة متلاحقة.. احتقنت عيناه بعد ان بدات الدماء تندفع اليها بقوة .. تلون وجهه سريعا بلون الدم.. بدأ يضرب بقدمه في الهواء بقوة اكبر فلا يزيده سوى ضغط الحبل السميك على حنجرته .. حاول ان يمسك بالحبل بيده و لكن قواه بدأت تخور.. جرب ان يصرخ فلم يخرج صوته .. في لحظات بدأت صور حياته تتدافع امامه.. ادرك وقتها فقط انها النهاية و لكنه مازال يقاوم و يرفضها .. شعر بحواسه تكتسب ثقل مفاجئ .. الاصوات تختفي تدريجيا من حوله.. بدأت الصور تتلاشى ببطء.. الضوء ينسحب من امام عينيه .. يفقد قدرته على المقاومة.. يختنق.. تنتاب جسده رعشة لا يستطيع ايقافها .. ترتجف اطرافه بعنف.. و.. ببطء يتسلل الى عالم اخر لا يعرفه.. في تلك اللحظة.

من كل الصور التي مرت في ذهنه وقتها توقفت ذاكرته امام واحدة منها.. لا يعرف السبب .. اخر ما يتذكره وجه أمه داخل غرفته اثناء حديث قصير معه.. ربما من يومان او ثلاث.. لا يستطيع تحديد الزمن بدقة .. لكنه يتذكرها جيدا و هي تهمس في اذنه قبل ان تغادر “لا تنسى ان تصلح الكرسي الصغير لأن قدمه تبدو مكسورة ” .. و لكنه اهمل الامر كعادته .. نظر الى الكرسي المحطم تحت قدمه .. ابتسم بسخرية و الدم يندفع الى راسه.

بقلم: أميمة سعيدي

أضف تعليقك هنا