حكايا الليل

بقلم: أميمة سعيدي

حلم المساء

لحظة ركوبها القمر كانت المُتنفّس الذي تحط بثقلها وبيومها كلّه عليه،  يمرّ  اليوم بطوله، تختفي في ضوئه السّاهر كأنّها لم تخلق من قبس، تشتعل كشمعة القرابين، والنار من الأعلى تراقصها الاتجاهات ويغالبها لحن صاخب لكنّه حزين.
تلج ذلك الحلم مع حلول كل مساء، تختبىء عن الجميع وعنها، متذكّرة ما شاءت، متفحصّة الأوجه ومفتشة في النوايا، تعصر الأمل والنّغم، مكرّرة في كلّ ذلك شجن القوافي، راكبة بحر القصائد : هناك مصرع الوحي وولادة اللّيل البارد ورحم السكون القاتل.
أو هناك أخرى: حيث جِنانٌ من رحمها تنتشر في الدم لتُشيعَ الفرح، هناك حيث ألق النجوم وبهرج السّهر، هناك في فلكِ ما تعيش: نسيَتْ فتعلّمَتْ. في فلوات الزّمن، ترتفع قليلا عن الأرض وعن البشر، تغزِل فكرة تشبهها.

رحلة العمر 

ثمّ.. تحاول فك مجلد قد انفتح أمامها على إثر راحتها تلك، بعيدا عن ضوء الشّموع واحتراق فكرتها، وترحال الفصول. خلف الوقت مباشرة، تشخص سامقة نحو الورق، منكرة ضياع خطّها ورحيل الملح بعينها، وذهاب النظر. لا أعمدة تحمل الكتاب ولا كتابة عليه، ولا رسوم. فقط خيطان رفيعان يؤرجحان ذلك الشيء أمامها، فيفترّ سجرًا.

ثمّ.. يضيعُ الصّوت ويبقى المعنى معلّقا: في ما قد مضى عن ذكريات لتواريخِ فاض بها الرأس بعد أن اشتعلت الأيّام من صَيحتي الأولى
غُبارًا وحنينًا.

ذكريات الليل 

ثمّ.. يجنّ القمر وتحوس الملامح ويختلط الضجيج بالصفير بحقائب الأصوات وأمتعة الأمكنة: هناك ضحكنا وهناك بكينا وهناك تواعدنا على القضاء -و- على القدر. تموج النيران وتُشمَّع الأعمال بعيدا عن اليد: هناك حيث سطوع الشمس وعند ثغرة ما في السّماء سأتلو ما تيسّر منّي على ما تبقى منّي.
على هذه القبور التي جمعت أسماء كثيرة في ذات الكيس، على هذا الليل الذي قد أصبح منّي، فوّاح أراه ينمو بجانب رأسي كلّ مساء. على الوعود التّي أنفض كلّ سنّة الغبار عنها، على حافظة أسراري، على من يشبه دمعتي الخضراء، على المرآة التي أتفحصها كل صباح باحثة عن روحي، على الطين الذي يغذيني وأُنكره .. على ما سأكونه في قادم العمر.

بقلم: أميمة سعيدي

أضف تعليقك هنا