نفحات

بقلم: حمزة العربي

طريق الراحة

إذا شعرت بالرّاحة التّامة وأنت في طريق أو عمل فـاعلم أنك في طريق خاطئ، ولا تقل إنّ الله جعله سهلا ويسّره، لأنّ الله لا يعطي عبده إلا بعد بذل جهدًا ولو كان بسيطًا، ألا ترى مريمَ وقد اتّخذت مكانًا قصيًّا خائرةَ القُوى خائفةً من الفتنة تتمنى الموت وقد جاءها المخاض تحملُ نبيّ الله عيسى -عليه السّلام- وهي من هي! ليقول الله لها وهو القادر على كل شيء: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا(09) [سورة مريم/25]. ليس لشيء إلا ليعلّمنا أنْ لا رزقَ إلا بحركة أو سعي أو طلب، وليس بتلك السّهولة التي تلهث خلفها، حتى أنت خاطبك المولىٰ عزّ وجلّ قائلا: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ(06)﴾ [سورة الانشقاق/06]. ألم يكن قادرا أيضّا على نقل محمّد صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة -كما قال عفريت من الجنّ لسليمانَ قبل أن يرتدّ إليك طرفك!- لكنّه هاجر سعيًا ليعلّمنا درسًا عظيمًا في بذل الأسباب والاجتهاد.

السّهولة ليس أمراً محموداً

مبالغتك في الراحة والبحث عن السّهولة ليس أمرا محمودًا، فهي كالملح؛ قليلُه يجعل الطّعام لذيذًا وكثيرُه يفسدُه،  ثمّ إنّك  ما خُلقت لترتاح أو لتجد الطّريق مفروشًا بالورود أو ببساط أحمرَ. أما نظرت إلى سيرته العطرة صلّى الله عليه وسلّم ومَن قبله مِن الأنبياء والرّسل؟! هل ارتاحوا يوما؟ أما شاهدته يسعى يَمنة ويَسرة بين القبائل يعرض نفسه عليهم، أوَلَمْ يُطرد ويُرمى بالحجارة، أفلم يهاجر وصحابتَه؟!  اُنظر في قصص الأوّلين والآخرين من البشر لترى حجم المعاناة التي تجشّمها أصحاب الهِمم العالية في طريقهم إلى هدفهم وفي سبيل ترسيخ فكرتهم وإسماعها العالمَ، وهذا بابٌ أَجملَ فيه أهل التّنمية البشريّة وفصّلوا فيه تفصيلا، وأحيلك على كتبهم لتستزيد وتتعرّفَ  دائرةَ الأمانِ التي نحيط بها أنفسنا ولا نكاد نخطو خُطوة خارجها.

عبادة الله 

إذا أردت أن تبلغ مرادك -إن كان لديك مراد طبعا!- فعليك أن تتخلّص من فكرة السّعي وراء راحةٍ موهومةٍ مزعومةٍ في الدّنيا وقد خصّصها الله تعالى لعباده في جنته، تحّرك من مكانك واخرج من الحدود التي رسمتها لنفسك قسرًا وقصرًا حصينًا، تلك الحدود التي تكبّلُ يديك ورجليك وقبلهما عقلَك وروحَك، ولا تكنْ كعيناءَ يتغزّلون بحسنها وجمال عينيها واتّساعهما ثمّ لا ترى ما حولها! أطلق العَنان لحريتك ولا تكن أسيرًا لمخاوفِ الطّريق وأهوالها وأرزائها ومصاعبها كَسَبِيِّ حربٍ يستجدي حريَّتَه وإخلاءَ سبيله أو كعبدٍ يتذلَّلُ ويتودَّدُ بين يدي  سيّده ليعتقه، واسمع لقول الشّاعر أبي القاسم الشابيّ:

ومــــن يتــهيَّــب صعــود الجبــال *** يــعـــشْ أبــدَ الدَّهــــرِ بين الحُفَــــر

اُخرج من تلك الحفرة التي قَبَرْتَ نفسك فيها وأَلْجَمْتَ روحك بها ولا تنْسَ أنَّ الطَّريق إلى القمَّة محفوفةٌ بالمكارهِ والحواجزِ لكنّها حتمًا لن تثني عازمًا ولا حازمًا لا يرى أمامه إلا هدفَه يتحقَّقُ. أبشر إذا بادرتْك فكرة التّغيير والسّعي وشعرت بشيء في داخلك يطلبُ منك أنْ تقوم بأوّل خُطوةٍ خارجَ أسوارِ الأوهام والمخاوف، لا تضيّعِ المزيدَ من الوقتِ. اِبدأ الآن؛ لعلّها أوّلُ خُطوة إلى بيتِ المقدسِ ! -دعْكَ ممَّا قلْتُ اللّحظةَ- ربّما هي واحدةٌ من فلَتات اللّسان أو الحرف ! أو ربّما عادت إليّ حالة من الهلوسة التي تقاسمني اللّياليَ عادةً.

 

بقلم: حمزة العربي

أضف تعليقك هنا