التاريخ والثورة

بقلم: الكاتب صلاح الشتيوي

لقد جرت العادة في كتابة الخطابات أو البرقيات أن ننهيها بكتابة كلمة تم وانتهى، وغاية ذلك تنبيه القارئ إلى فهم ما كتب ودراسته والعمل به، لقد كثر في عصرنا الذين يخطبون في كل مناسبة وعلى كل منبر وكل وسيلة إعلام، ولكنهم ومع الأسف لا ينهون خطاباتهم ونصائحهم ودروسهم بتم وانتهى، وبالتالي فإن القليل من السامعين من يستجيب وينفذ ما سمعوه ودرسوه.

الطبيعة أحسن معلم

قال الفيلسوف الصيني “او تسو”: إن الطبيعة خير معلم، لأنها تعبر عن واقع ملموس نعيشه ونتعامل معه كل يوم وكل ساعة، وبالتالي فإن الإنسان لا يحتاج لمن يرشده ويهديه أو يحذره.. إن الإنسان الذي يمر بتجارب ويعرف كيف يتعلم منها يستطيع أن يتألق وينجح في حياته، فإذا تمكن من إدراك أسرار الطبيعة وقوانينها استطاع أن يعيش حسب دستورها ومن يتعلم ويأخذ بخبرة غيره أكمل معرفته وزادها ما نسي أو خفي عنه.. إن الإنسان الصادق هو من يتمكن من أن يعطي للتجربة طريق يسلكه للنجاح، فبالتجربة يقيم الماضي وإصلاح الحاضر واستشراف المستقبل.

التاريخ كتاب العبر

لقد اعتبر ابن خلدون أن التاريخ كتاب العبر، فمن جهله لم يحسن اختيار مبدأه، ولا سبيل لمسلكه، ومن لم يتعظ ويعتبر من أخبار السابقين لن يحسن قراءة حاضره، ولا استشراف مستقبله ويترك للمصادفة خبره وآخره.

إن التاريخ عند ابن خلدون له وجه ظاهر وآخر باطن، أما ظاهره؛ فيخبر عن الأيام والدول التي سبقتنا منذ قرون، أما باطنه؛ فهو تدقيق وتعليل الكائنات والعلم بكيفية الوقائع وأسباب حدوثها، وهكذا يمكن القول إن التاريخ علما يعلمنا بأخبار الأمم الماضية وأخلاقها وسياسة الملوك في دولهم، كما يعلمنا التاريخ عن الاجتماع الإنساني… فموضوع التاريخ عند ابن خلدون يدور حول الإنسان وأعماله، وما تحمله من أسباب ومبررات ونتائج، أما عناصر التاريخ عند عالمنا ابن خلدون فهي الإنسان، والماضي والتقلب في الزمن، إن التاريخ هو في ظاهره لا يزيد عن أخبار، أما في باطنه نظر وتحقيق وحكمة.

نحن والتاريخ

نعيش أيام لا يوجد بها عالم عاقل أو خبير ماهر لتدبير أمورنا وإخراجنا من الفوضى، لم نتعظ من الذين سبقونا، ولم نأخذ دروسا من التاريخ، كلنا على حد السواء حكاما ومحكومين.

إذا أردت أن تفهم ما يصير فما عليك أن تسأل ثائري هذا الزمن ومغلقي الطرقات، اسألهم ماذا يريدون، وعن أي مستقبل يبحثون، فسيجبونكم بالهتاف: (يسقط النظام.. يسقط النظام.. والاتحاد أقوى قوة في البلاد)، وإذا أردت أن تتأكد وتفهم سبب نكبتنا فتحدث إلى النخبة واسألهم نفس السؤال لأجابوك وقالوا: (يجب أن نفعل.. ويجب أن نقول.. ويجب أن يكون.. ويجب أن يصير.. ويحدثك عن الأمم المتقدمة، وكيف وصلت إلى ما وصلت إليه.. ووووو).

وعلى عكس الكل تجد عامة الشعب في واد آخر لا تهمه الثورة في شيء ولا المدينة الفاضلة. فاذا سألتهم لقالوا:(نحن نريد أمنا واستقرارا وخبزا وماء وعدالة وكرامة وعمل)، وهناك فصيلا آخر في المجتمع يسمى فصيل المصالح والمنافع، وهو الفصيل الأخطر ويمثله فصيل أصحاب المصلحة، وتجار الدين من رفعوا شعار الخلافة في زمن عجيب والواضح أنهم لم يحسنوا قراءة التاريخ، ولم يفهموا قوانين الطبيعة، وأرادوا التغيير ولكنهم نسوا أن قلة خبرتهم بالسياسة جعلتهم لا يفهمون ما يخططه الغرب، إن السعي الجامح للجلوس على كرسي الحكم من البعض لإشباع شهوة السلطة والحكم جعله هاته الفئة من البشر لا يهمه من أجل حلمه فعل أي شيء حتى إن قاموا بهدم أركان الدولة وعبثوا بعقل الأمة، واستبلهوا الشعب.

غياب القائد سبب العلة

لم أفهم سبب فشلنا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، فهل كل هذا الإخفاق سببه عدم نجاح الثورة أم كثرة المتآمرين على الثورة؟ هل الاعتداء على الناس والممتلكات تفرض علينا العودة إلى القمع والعنف لإصلاح ما أفسده الفاسدون؟ لماذا لم تنجح الثورة، ولم تنجح الأحزاب بكل مشاربها ولم ينجح من خططوا للثورة ومن قاموا بالثورة في تغيير الأوضاع إلى الأحسن، والجواب: أن الثورة ليس لها قائد بل ركب عليها كل قواد.

تم وانتهى.

بقلم: الكاتب صلاح الشتيوي

 

أضف تعليقك هنا