التعاقد الذي لا يرحم

فقراء أمريكا

شاهدت حلقة “فقراء أميركا” على قناة DW التي تتحدث عن الفقر والمشردين في أميريكا، كان من اللافت للنظر أن هؤلاء المشردين يُعتبرون من الطبقة الوسطى العاملة، لكنهم فقدوا منازلهم بسبب العجز عن دفع الإيجار، حيث أصبحوا ينامون في سياراتهم، ويأكلون بنظام مقايضات أو مساعدات، يتعالجون بفضل مبادرات شخصية ومؤسسية آنية محدودة “مستشفيات ميدانية”، كتلك التي تقام في مناطق النزاعات والحروب، وكان مما أدهشني أن أحد تلك الحالات كانت تتبرع بالدم مرتين أسبوعياً مقابل مبلغ مالي محدود!.

تتحدث الإحصائيات عن أكثر 40 مليون أمريكي يعيشون تحت خط الفقر، وأن الآلاف من هذا الشعب الثري يعجزون عن سد حاجاتهم الأساسية على الدوام، من مسكن وعلاج وطعام..الخ، حسب ما ذكرته القناة.

ربع سكان الولايات المتحدة تحت خط الفقر

يظهر الوثائقي أن 6000 حالة طرد يومي للمستأجرين في الولايات المتحدة، وفي مدينة ريتشموند عاصمة ولاية فيرجينيا، حيث ربع سكان المدينة تحت خط الفقر، هناك ما لايقل عن ثلاثة آلاف حالة إخلاء مستأجرين من منازلهم سنوياً، ووفق قانون الولاية فإنه بعد أسبوع أيام من تأخر السداد، يحق لمالك المنزل البدء في حالة الإخلاء، وتغيير قفل الأبواب، ورمي الأثاث على الرصيف، أي الإخلاء بالقوة، وفي حالة قامت شركة بعملية الإخلاء فإن على المستأجر تحمل بمصاريف الشركة.
وأن هناك نظام إلكتروني يتيح لملاك المنازل معرفة سجل “المستأجرين السيئين” وهو مراقبة منهجي، يتكون من وقاعدة بيانات عن حالات المستأجرين، وعليه يقرر هؤلاء الملاك الموافقة أو رفض من يتقدم لإستئجار منازلهم، ويلقى هذا النظام الشحب والإستنكار.

المساعدة ستعودهم على الكسل والاعتماد على الغير

في إحدى تلك الحالات كانت المستأجرة امرأة تعيل ابنتها، ورغم أنها تجد عملاً، ورغم أنها التزمت بدفع الإيجار لمدة 7 سنوات، ومع ذلك فإن مجرد تأخرها لأيام كان كفيلاً بطردها، عندما جاءت الشرطة لإخراجها، وقام الملك بتغيير القفل ذرفت دموعها، لكنها مع شكرت الشرطي لقيامه بواجبه، ولم تنتقد فعل مالك المنزل، لم أستغرب هذا الفعل المعاكس لتلك الدموع الحزينة والحائرة، في مجتمع اعتاد على النمط التعاقدي في الحياة، لا على النمط التراحمي، التعاقد النفعي الذي تكون فيه المادة هي أساس التواصل والترابط، نمط يعتبرُ الفقراء مجرد كسالى ولا يستحقون أدنى مساعدة؛ لأن المساعدة ستعودهم على الكسل والإعتماد على الغير، رغم عدم صحة هذه الفرضية.

إلا أنها صورة نمطية تجد رواجاً في المجتمع الغربي ككل، على عكس ما يسود في منطقتنا العربية على سبيل المثال، حيث المجتمع التراحمي، والذي برغم فقره وما يعيشه ما اضطرابات إلا أنه يصر على أن أساس العلاقة بين أطياف المجتمع هو التعاطف والتضامن، ولست هنا أحث على نمط معين من الحياة ونبذ الآخر، ، ولا القول بأن الإنسانية ماتت في الغرب، لكن الحديث هو عن المفهوم الجمعي الذي يعيش عليه الغرب، مفهوم المادة والمنفعة المتبادلة.

التراحم والتعاطف من أهم أسباب الاستقرار الاجتماعي

علينا أن لا ننسى أن التراحم والتعاطف من أهم أسباب الإستقرار الإجتماعي، يساعد في القضاء على الفقر والعوز، وأن نفهم أن مساعدة الفقير في بناء حياة تفاعلية مفيدة، هي مهمة أخلاقية على المجتمع أجمع، وصلاحها يفيد المجتمع، وألا نتعامل مع الآخرين معاملة مادية بحتة عديمة الإنسانية، نفعية لا يحركها الحافز الوجداني..

المجتمع التي يبني أفراده العلاقة بينهم على أساس إنساني أخلاقي، مع الإعتراف بالحقوق الفردية النفعية التعاقدية هو مجتمع متوازن، مترابط عاطفياً، وله ديمومة البقاء حتى في أصعب الظروف.

فيديو مقال التعاقد الذي لا يرحم

 

 

أضف تعليقك هنا