الجنون المفتعل

بقلم: سمير دحو

المجنون ما هو إلا شخصٌ يفتقد لملكة السيطرة على أفكاره و سلوكياته اتجاه نفسه أولاً ثم اتجاه محيطه بالكامل، و تختلف النظرة له من مجتمع لآخر هناك من يحترم خصوصياته و يعطيه الإهتمام الكافي و هناك مجتعات أخرى تخترق تلك الخصوصيات و تراه بعين الدونية و الاحتقار الغير مبررين.

الذين يعانون من أمراض نفسية

اخترت التجول بأحياء و أزقة بلادنا العزيزة و إسقاط هذه النظرية على مجتمعنا العربي و المغربي على وجه الخصوص، حيث غالباً ما كنت اصادف أشخاصاً كُثر يعانون من أمراض نفسية تختلف درجة تطورها من شخص لآخر كما تختلف أعراضها، تكاد لا تميزهم عن عامة الناس سوى بأسبالهم البالية و هيأتهم المتسخة عادة، يعيشون حياة التشرد دون مأوى، يأويهم الشارع و يفترشون الأرض و يحتضنهم الضياع، يأكلون من النفايات بقايا طعام إن وُجد، أغلبهم يعيش على التسول و عطف بعض الناس أو بالأحرى أقلية من الناس التي ما زالت تحيا على قيم الاثار و مساعدة الغير.

أكثر ما يقلق راحة بال هذه الفئة ليس غياب المأوى و لا شُحُّ ما يأكلون

لاحظت ما مرة أن أكثر ما يقلق راحة بال هذه الفئة ليس غياب المأوى و لا شُحُّ ما يأكلون، و لا حتى يخيفهم الموت جوعا، بل هم أحوج حالا إلى الدعم الحسي و المرافقة النفسية، هم أحوج إلى أقرب الناس لهم من ذويهم الذين غابوا عنهم في أحلك الظروف، عديد المرضى كان في حاجة فقط إلى إبتسامة أو حضن أو كلمة صغيرة كانت قادرة على تغيير العديد من الأشياء، و كانت كفيلة بإخراج شخص من ظلمات عذاب المرض النفسي الذي يفوق معاناة مرضى المرض العضوي بدرجات و درجات.

المجنون ما هو إلا شخص عادي

بين هذا و ذاك كانت لي أنا وجهة نظري الخاصة و المختلفة تماما عما يتم تداوله حيت دائما ما اعتبرت “المجنون ” ما هو إلا شخص عادي له أفكار يؤمن بها لوحده دوناً عن سواه مِن مَن يعتبرون أنفسهم “عقلاء” زمانهم، هو شخص يرى أشخاصاً و أحداثاً و وقائعاً تعجز مخيلة العقلاء الضيقة على استيعابها و إدراكها، و بالتالي نستنتج أن الجنون هو ملكة لم ينعم بها الله على كافة عباده، أو بالأحرى هي فن و إبداع لا يتقنه الجميع.

كيف ذلك؟

كيف ذلك؟ …. مثلا الحديث مع النفس تبدو ظاهريا ضربا من الجنون لكن هل تساءلت يوما عن القدرة الهائلة التي يمتلكها من يقوم بهذا الفعل الجنوني (إن صح التعبير ) من موهبة و من ميكانيزمات في فن التواصل، في وقت واحد يلعب “المجنون ” دورين و كأنه يخاطب مرآة يسأل و يجيب نفسه، يسأل و ينفعل على نفسه، يشرح لنفسه فكرة ما و يكذبها و لا يقتنع بها في نفس الوقت، بل أكثر من ذلك يصف نفسه بالمخبول لعدم إقتناعه بفكرة نفسه.

نعم العملية هي ضرب من الجنون المُفتعل لكن كُن على يقين أنك مهما بلغت من الصَّراحة و الصدق لن تكون أصدق من صِدقك مع نفسك و إلى نفسك ، فهو حديث الرُّوح منها و إليها يعود، هو حديث متجرِّدٌ من كل المساحيق التجميلية او لغة خشب، لن تحتاج إلى الكثير من الوقت لأجل صياغة أفكارك أو حياكة قصصٍ أيديولوجية لإقناع شخصٍ بفكرة ما أو لأجل ضحض فكرته، يكفيك فقط اخذ نفسا عميقا و التحرر من كل المأثرات الخارجية و إطلاق العنان للسانك و لأفكارك.

كلٌ منا يعشق الخصوصية ويعشق الانفراد

كباقي الناس تنتهي حريتك عند حرية الآخرين، و كلٌ منا يعشق تلك الخصوصية و يعشق الانفراد بها لوحده دون تدخل طرف آخر، لذا يجب إعطاء هذه الشريحة من المجتمع شيئا من الاهتمام و الرعاية أو القليل من الحرية إذا لم تستطع مساعدتهم، دعهم يعيشون عالمهم الخاص بدون مضايقات و بدون احتقار مبالغ فيه، بعض من العطف من بعيد و أتركهم إلى سبيلهم فربهم قادر بهم.

بقلم: سمير دحو

 

أضف تعليقك هنا