لمحات عاجلة وضرورية لإنعاش الاقتصاد العراقي

لقد شهد تأريخ العراق أحداثا كثيرة ابتداء من الحرب العراقية الإيرانية عام 1980مرورا بحرب الخليج الثانية التي بدأت باحتلال الكويت من قبل الجيش العراقي في 2 آب 1990 مرورا بمرحلة تحرير الكويت في 1991 ثم مرحلة الحصار الاقتصادي والتي استمرت اكثر من 12 عاما. ثم احتلال العراق وسقوط بغداد بيد القوات الأمريكية والبريطانية في 9-4- 2003.

تعرض الاقتصاد العراقي إلى نكسات خطيرة 

وقد تأثرت حياة العراقيين والقطاعات الخدمية والإنتاجية بما في ذلك القطاع الاقتصادي بهذه الأحداث.وبعد الاحتلال تعرض الاقتصاد العراقي إلى نكسات خطيرة نتيجة تدمير مؤسسات الدولة، والفوضى والفساد المالي والإداري الذي استشرى في جميع مفاصل الدولة فقد نهبت ثروات العراق بعلم قوات الاحتلال الامريكي وبعلم الحكومات المتعاقبات في ظل الاحتلال وحتى بعد جلاء القوات الامريكية عام 2011، فازدادت الاوضاع الاقتصادية سوءا.  ويقدر المختصون إن مجموع ما تم سرقته من الخزينة العراقية  من عام 2003 لغاية 2015 يزيد عن ألف مليار دولار. وبما ان الاقتصاد يعد القاعدة الأساسية  للتنمية الشاملة، في تطور الإنتاج الصناعي والنفطي  والزراعي والتجاري والخدمي  وصولا للاكتفاء الذاتي وتوفير الأمن الغذائي ثم تصدير المنتجات وجلب الاستثمارات.

أهم الركائز الأساسية التي يعتمد عليها الاقتصاد العراقي

لا بد أن  نتطرق  بعجالة إلى  أهم الركائز الأساسية التي يعتمد عليها الاقتصاد العراقي. فيعد النفط الركيزة الأساسية في الوقت الحاضر التي يعتمد عليها الاقتصاد العراقي في كافة جوانبه، ثم يليه القطاع الزراعي والقطاع الصناعي ثم بقية القطاعات كالكهرباء والسياحة والنقل والتجارة.

يأتي الخزين النفطي للعراق في المرتبة الثالثة في الاحتياطي العالمي. ونظرا لعدم استثمار العراق لواردات الثروة النفطية الهائلة طيلة الخمسين عاما الماضية استغلالا سليما، في إنشاء مشاريع استثمارية وتنموية كبرى، ونتيجة اعتماد اقتصاده على الصادرات النفطية بشكل كلي، تعرض العراق إلى هزة اقتصادية كبيرة انعكست أثارها على الموازنة العامة للدولة وبالتالي على بقية قطاعات الدولة الأمنية والإنتاجية والخدمية بعد الانخفاض الحاد في أسعار النفط عام 2014.

أسباب الانتكاسة الكبيرة في الاقتصاد العراقي:

ويمكن أن نعزو الانتكاسة الكبيرة في الاقتصاد العراقي بعد احتلال العراق في 2003 لعدة أسباب إضافة إلى ما ذكرناه آنفا: أهمها

الإنفاق الكبير وهدر الأموال الطائلة على الأمن

الإنفاق الكبير وهدر الأموال الطائلة على الأمن والتسليح وبعض المشاريع الوهمية  وسرقة الأموال الكبيرة من البنوك والوزارات وباقي مؤسسات الدولة دون حسيب أو رقيب  وكان ذلك على  حساب خطط التنمية الكبرى.

بيع البنك المركزي العراقي للعملات الصعبة بملايين الدولارات

من بينها ايضا بيع البنك المركزي العراقي للعملات الصعبة بملايين الدولارات وبشكل يومي دون اية جدوى اقتصادية. فقد تم التركيز على الصادرات النفطية بنسبة 99% في حين لا تتجاوز الصادرات غير النفطية 1 %. وبنفس الوقت لم يتم ادخال الايرادات المحلية الاتية من المطارات والمنافذ الحدودية والموانئ والجمارك والضرائب والتي تقدر بملايين الدولارات،  لم تضمن هذه الاموال في موازنة الدولة العامة من 2003 ولغاية اليوم وبشهادة اعضاء برلمانيين.

عدم إدراكهم للمسؤولية أو اهتمامهم بالخطط الاستراتيجية

لان اهتمام المسئولين والأحزاب الحاكمة بمصالحهم الشخصية ومصالح احزابهم، كان بالدرجة الاولى على حساب المصلحة العامة للوطن، فضلا عن عدم إدراكهم للمسئولية أو اهتمامهم بالخطط الاستراتيجية التي تهدف إلى تنمية القطاعات الإنتاجية والصناعية والخدمية، وعدم وجود رؤيا لديهم في التخطيط السليم في إدارة البلد، إضافة الى تبوأ وزراء غير كفوئين لحقائب الوزارات المهمة كالنفط والزراعة والصناعة والكهرباء والمالية والسياحة والنقل والشباب والرياضة والمواصلات والبلديات والتخطيط  والوزارات الأخرى طيلة الفترة الكائنة بين 2003 ولحد اليوم.

عدم امتلاكهم الخبرة والكفاءة وعدم استعانتهم بالكوادر  المؤهلة

مع عدم امتلاكهم الخبرة والكفاءة وعدم استعانتهم بالكوادر  المؤهلة كالمهندسين والفنيين والإداريين الكفوئين، وكذلك الحال بالنسبة للمدراء العموم والمسئولين التنفيذيين لهذه القطاعات حيث تم تعيينهم على أساس المحسوبية والمنسوبية ومدى انتمائهم للأحزاب الحاكمة، ولا ننسى تحكم بعض الدول المجاورة للعراق وتدخلها في جميع الامور الامنية والسياسية والاجتماعية والخدمية والاقتصادية.

كل هذه الأسباب وغيرها أدت الى انتكاس الاقتصاد العراقي

كل هذه الاسباب وغيرها أدت الى انتكاس الاقتصاد العراقي. فبدلا من أن تقوم الحكومات المتعاقبة بتطوير المشاريع والمصافي  لتوفير  المنتجات النفطية ومشتقاتها كالبنزين والنفط والكاز والغاز والشحوم والدهون لسد حاجة السوق اخذ العراق يستوردها من إيران وبعض الدول المجاورة بملايين الدولارات. وبنفس الوقت لم تستطع  الحكومات المتعاقبة من إقامة ولو مشروع استراتيجي واحد، سواء كان زراعيا ام صناعيا مثل البتروكيماويات أو الفوسفات او الاسمدة او الكبريت، على ارض العراق منذ احتلال العراق ولغاية اليوم كي تقف مثل هذه المشاريع في وقت الأزمات الاقتصادية لدعم الاقتصاد العراقي، وكي يعوض العراق عن خسائره في الصادرات النفطية. فبعد ان كان العراق من البلدان الزراعية اصبح من البلدان الفقيرة في هذا المجال.

الإنتاج الزراعي بلغ أدنى المستويات في تاريخ العراق

فتدهور الإنتاج الزراعي وبلغ أدنى المستويات في تاريخ العراق. فاخذ العراق يستورد حتى الخضروات البسيطة كالطماطم  والبطاطس والبصل فضلا عن استيراد الحبوب والقمح والمنتجات الحيوانية والألبان بكميات كبيرة لسد حاجة المستهلك العراقي والتي تكلف ميزانية الدولة أموالا طائلة بالعملة الصعبة.

كذلك تدهور القطاع الصناعي بالكامل

الى جانب تدهور القطاع الزراعي تدهور ايضا القطاع الصناعي بالكامل، فبعد أن كان العراق ينتج ويصدر كثيرا من المنتجات الصناعية كالساحبات الزراعية والمحولات والاسلاك الكهربائية والثلاجات والمجمدات والصناعات البلاستيكية والزجاج والإسمنت ومواد البناء والمواد الإنشائية والصناعات الجلدية والنسيجية والكبريت والأسمدة مثل اليوريا والفوسفات وغيرها اخذ العراق يستوردها لسد حاجة السوق المحلية.

مشكلة الكهرباء في العراق

وكذلك الحال بالنسبة للكهرباء فبدلا من إنشاء محطات  عملاقة لإنتاج الطاقة الكهربائية في المناطق الآمنة من العراق لسد حاجة الوطن وتصدير الفائض، اخذ العراق يستورد الكهرباء من دول الجوار، إرضاء لها،  مما اضطر المواطنين والقطاع الخاص إلى استخدام المولدات الخاصة أو الاعتماد على المولدات الأهلية.

فتفاقمت مشكلة التلوث البيئي من جهة وارتفعت مصروفات المواطن للحصول على الطاقة الكهربائية من جهة اخرى بأكثر من عشرة اضعاف عما كان يدفعه على فاتورات الكهرباء قبل الاحتلال. ولو كانت هناك نيات صادقة لدى الحكومات المتعاقبة في اصلاح الاقتصاد العراقي، لاستعانت بخبراء ومختصين و مخططين لوضع خطط استراتيجية لاستثمار الغاز الطبيعي الذي يحرق هدرا في حقول نفط كركوك والبصرة بدون استفادة، حيث يمكن أن يستغل في تشغيل المصانع العملاقة  وتغذية محطات توليد الكهرباء بدلا من استيراد الغاز من الدول المجاورة. لذلك ظل إنتاج الطاقة الكهربائية في أدنى مستوياته ولم يتحسن طيلة السنوات الخمس عشرة الماضية رغم إنفاق المليارات من قوت الشعب العراق على هذا القطاع بدون جدوى.

عملية جذب السائحين في زيارة المعالم السياحية

إن عملية جذب السائحين والزوار في زيارة المعالم والآثار السياحية بما في ذلك المعالم الدينية تعد من أهم مصادر جلب النقد الأجنبي ودعم ركائز الاقتصاد إلا أنها أيضا لم تلق العناية والاهتمام من قبل وزارة السياحة ومؤسسات الدولة المختصة مما جعل العراق يخسر سنويا ملايين الدولارات التي يمكن أن تساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. وكذلك الحال بالنسبة إلى قطاعات أخرى كالنقل والبلديات والاسكان والصحة والتربية والتعليم العالي وغيرها.

التسريع في عملية انعاش الاقتصاد في العراق

لذلك من اجل التسريع في عملية انعاش الاقتصاد لا بد أن تركز الدولة أولا على توفير الأمن والأمان لاستعادة الاستقرار الذي يعتبر البيئة  الأساسية للتطور الاقتصادي والسلم الوطني في جذب الاستثمار الأجنبي وضرورة التخلص من التدخلات الخارجية. إن غياب الاستقرار السياسي بالتأكيد سوف يترك أثارا سلبية على جميع مفاصل ومؤسسات الدولة وسوف يعيق من عجلة التنمية والتقدم.  فلا بد من دولة قوية لكي تقيم الأمن والاستقرار من خلال قوات أمنية مهنية بعيدة عن الحزبية  والطائفية والمناطقية هدفها الأول والأخير توفير الأمن للمواطنين وحماية مؤسسات الدولة والحدود لا لحماية الأحزاب والمسئولين والمنطقة الخضراء التي يقبع بها المسؤولون.

ومن غرائب الامور

ومن غرائب الامور ان تطلب الحكومات من أبناء العشائر حماية أنفسهم ومناطقهم من العصابات الارهابية والميليشيات بدلا من القوات الأمنية التي واجبها الاساس حماية العراق من الإرهاب. اذا ما اخلصت الحكومات العراقية المتعاقبة نياتها في تطوير الاقتصاد العراقي، لا يمكن ان ينشط الاقتصاد ما لم تأخذ الحكومة العراقية على نفسها اولا اصلاح النظام السياسي والمؤسسات الامنية اولا لتوفير الامن ثم البدء بإصلاح قطاعات الاقتصاد العراقي الانفة الذكر وفق خطط وبرامج استراتيجية هدفها توفير الامن والعيش الرغيد للمواطن العراقي ثم الوصول الى مرحلة الاكتفاء الذاتي والاتجاه للتصدير.

فيديو مقال لمحات عاجلة وضرورية لإنعاش الاقتصاد العراقي

 

أضف تعليقك هنا