مخالفة المنهج الرباني وخرق القانون الوضعي

وأنا أنظر من شرفة الفندق المرتفعة وأراقب العالم لفت انتباهي كلب تسوقه امرأة في فسحة، فإذا به يدس نفسه في رصيف كثيف العشب ويقضي حاجته، وما كان منها إلا أخرجت كيسا أخضر اللون يبدو أنه مخصص لهذا الغرض، والتقطت ما أحدثه الكلب ثم إمعانا في النظافة والاطمئنان إلى أنه لم يبق في مؤخرة الكلب شيء أخرجت كيسا آخر وقلبته على يدها ومست به مؤخرة الكلب، ثم حملت الأكياس ومشت بها إلى سلة مهملات مخصصة للفضلات العضوية ووضعتها فيها.

وفي هذا وقفات

الوقفة الأولى:

مع مقدار القاذورات والعنت الذي تحملته هذه المرأة في هذه الإطلالة البسيطة، ومن هذا وغيره الكثير جاء التشديد والنهي النبوي الرباني عن اقتناء الكلاب وحيازتها في البيوت ما لم تكن إما للصيد أو لحراسة الزرع والماشية؛ فهو نجس نجاسة عينية لا تطهر بالنظافة ولذا جاء الأمر بغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب، وهذا التشديد ليس في من النجاسات الأخرى وإن عظمت كالدم والبول والغائط فيكتفى هنا بغسل الإناء وحسب!
وهذه جملة من الأحاديث التي تدل على تحريم اقتنائه إلا في حالات محددة:
روى البخاري (2322 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ ) .

وروى مسلم (1575) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ ) .

وروى مسلم (1574) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ ) .

وروى ابن ماجه (3640) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ ) صححه اٍلألباني في صحيح ابن ماجه .

وشيء يسير من قذر هذا الحيوان ظهر لنا من خلال هذه المشاهدة البسيطة (فظا بالنا وما يفعله في البوت نفسها). هذا بخلاف ما تراه في التلفاز من مآكلة كلابهم من ذات الإناء، وتقبيلهم بل ولحس أفواههم!!
كل هذا بسبب زيغهم عن الهدى واتخاذهم سبيلا غير سبيل الحق؛ وهذا والله حق،،
ولكن!!

الوقفة الثانية:

رغم أن أحدا لم يكن يراقب هذه المرأة فإن رقيبها كان ذاتيا والتزامها بالقانون الوضعي للبلاد كان محمودا، فقد تجشمت العناء وتحملت القذر ولم تخرق القانون، بل التزمت به على نحو ملفت،،،

ولنا بين هذا وذاك وقفة

الوقفة الثالثة:

بين نحن وهم، بين الرباني والوضعي، فلا خلاف في الأصل؛ فما جاء به الرباني شامل ويصلح لكل الظروف والأحوال، ومنظم لجميع نواحي الحياة، فهو تام ولا تعقيب عليه، وللناس أن يسنوا من القوانين المنظمة لنواحي حياتهم المختلفة ما لا يخالف الشرع، وكان حادثا ولم يأت فيه نص صريح، وترك للاجتهاد والتواطؤ، ولكن الخلل في حياة البشر يكمن في مخالفة أحدهما أو كلاهما، فما بال صلاة أحدنا لا تنهاه عن الضرب بقوانين المرور عرض الحائط، أو العبث بالممتلكات العامة، أو التحايل من أجل الكسب الحرام، أو تعمد تلويث البيئة، أو بث النفايات في الآفاق، أو الغش في العمل أو الامتحانات، أو المحباة أو الاستئثار بالخير له ولمقربيه أو تفضيل الواسطات على الكفاءات.

الخلل في حياة البشر

انى لهم أن يرتقوا ويتقدموا وهم لم يأخذوا بالأسباب التي بمثلها يرتقي البشر،، أو يجعل القائمون على النظام على كل منهم رقيب؟ أن لم يكن الوازع داخليا فلا حياة لمن تنادي،،، تعم الفوضى وتخرب البلدان، وينتشر الظلم وهضم الحقوق،، والإحباط،، فالننظر حولنا لكي نرى تصديق ذلك،،
وما هذا إلا لضعف الوازع الرباني ذلك الدستور الشامل الذي ما ترك شاردة ولا واردة إلا وطرقها بتوضيحه،، واقتناص غفلة الرقيب الخارجي،، ولكن يبقى الخير في أمة محمد إلى يوم الدين.

وفي المقابل نجد من يعرض عن دين الله وذكره حياته خواء، وروحه جوفاء، يسعى في لهاث محموم ليكسب الدنيا، يموت ويحيى وما يهلكه بزعمه إلا الدهر،، فلو اجتمعت له قوانين الأرض كلها لما أسعفته ولا أشبعته، رغم أنها أسباب جلبت له الرفعة المادية في الدنيا.

يبقى هذا واقعا

ولكن هل نحن مجبورون على أن نختار بين هذا وذاك (هذا إن صح التفريق بينهما أصلا)؟ لماذا استصغرنا قيمة الصدق والأمانة وحسن الخلق والكرم وخدمة الآخرين والإيثار؟ لماذا نتغنى بها عند أسلافنا ونأثر عنهم أخبارها وننساها نحن؟

يبقى هذا واقعا، إلا أن أخشى ما يخشاه العاقل هو انهيار هاتين المنظومتين وهوانهما على الناس مما ينبئ بانهيار الشعوب والأمم، وتلاشيها وذهاب أمرها.
فيضعف الوازع الديني، ولا يلتفت إلى القانون بل ويتعمد خرقه، فإذا رأيت أحدهم يأخذ كلبه في نزهة ويتركة يلقي قاذوراته في قارعة الطريق ولا يلتقطها ويضعها في سلة المهملات، فلا تعجب فقد عرفت السبب!

فيديو مقال مخالفة المنهج الرباني وخرق القانون الوضعي

أضف تعليقك هنا