مُساجلة بين شعراء يغنيها محمد عبده

بقلم: سعد الشهري

بعد بحث لعدة ساعات وجدت لقاء مع الدكتور: عبدالباسط سعيد الغرابي في  (مجلة خلفه)حيث كان اللقاء عن ديوانه الدموع الضاحكه صفحة 117- 118 تاريخ 1983/10/12م.

عن أغنية سرى الليل حيث قال:

الساعة تقترب من التاسعة ليلا والقمر يرسل أشعته الفضية على مياه خليج عدن وأبناء الخيصة يتجمعون في ليلة من الليالي المقمرة والرجالوالنسوة يتواردون زرافا إلى ساحة رقصة الركلة حيث يشدو المغني بصوته العذب الشجي الممزوج بنسمات البحر المنعشة وروائح الفل والكادي التي تنداح روائحهامن نواحي جناين الحسيني وبساتين العرائس ويتداخل الرجال والنسوة بخطواتهم الراقصة و يتمايلون علىإيقاعات رقصة الركلة التي تميز بها سكان تلك المنطقة الساحلية والقرى المجاورة لها.

المنافسة بين الشعراء

والشعراء كعادتهم يحيطون بالمدارة من أطرافها أثناء الرقص و يتساجلون داخل المدارة بعد استراحة الراقصين لإعطاء الشعراء فرصة ليتنافسوا فيما بينهم الشاعر الحضرمي الكبير عوضعبدالله بن سبيتي المعروف بعوض الشحاري المشهور بموهبته الفذة و شاعريته المميزة و كلماته الرصينة قل من ينافسه بينهم يبدا ويضعوينسج كلماته ويلقيها عليهم بلهجته الحضرمية الشطية على لحن تلك الركلة الجميل ملقنا المغني قائلا:

سرى الليل ونايم على البحر ماشئ فائدة في منام الليل حل السرية

سجع المغني و صدع بصوته الجهوري و الناس منبهرة بهذا البيت و الشعراء المتواجدون لم يتكلم منهم أحد وكأنهم اقتنعوا بأن هذا البيتيستحق أن يرقص عليه الراقصون حتي يترسخ في وجدان الحاضرين ويتناقلونه إلى أماكن بعيدة قدلايدركها الكثيرمن الحاضرين استأنفالراقصون رقصتهم مع بزوغ الموكب السلطاني مع انسجام الراقصين مع الراقصات حتى وصول السلطان عبد الكريم العبدلي سلطانالسلطنة اللحجية وهي عادة تميز بها السلاطين العبادلة وغيرهم من حكام ذلك الزمن الجميل لتفقد رعيتهم بطرق مختلفة سوى متنكرينكأنهم من عامة الشعب أو بزيهم الرسمي وموكبهم المبجل وفي الظروف الصاخبة أحتس الحاضرون بوجودالسلطان توقف الجميع تقديراًلحضرة سموه إلا أن السلطان المتواضع طلب منهم الاستمرار في رقصهم و كأنه غير موجود عاد المغني يشدو بصوته مرددا قول الشاعرالشحاري:

سرى الليل و نايم على البحر ماشئ فائدة في منام الليل حل السرية

سلاطين لحج معظمهم شعراء ويحبون الطرب 

أثار هذا البيت شاعرية السلطان اللحجي و كما ماهو معروف بأن سلاطين لحج معظمهم شعراء ويحبون الطرب حتى النخاع ومن أشهرهمالشاعر الفذ والملحن العبقري الأمير أحمد فضل العبدلي المعروف بالقمندان وله مساجلات عديدة مع شاعرنا عوض عبدالله السبيتي سوفنتناولها في مناسبات أخرى وهذا البيت لم يثير السلطان فحسب بل أن الرقص وطريقة الراقصين وتناغمهم مع هذه الإيقاعات أثارت شاعريةالسلطانحين قال:

ملكت السماء والأرض ماهي لحد واستغفر الله لا تكتب عليّ خطية

عاد الراقصون إلى رقصهم و رددوا البيت الشعري للسلطان العبدلي مع إيقاعات الرقصة حتى انتهاء دورهم لإتاحة الفرصة لأبن السبيتيلإلقاء كلماته الحاسمة ورده المتمكن حين قال :

سماءها وكرسيها لخلاقها والأرض لك حكمها والناس تحتك رعية

فأجابه السلطان بعزة السلاطين قائلاً :

أنا بو محمد ماتوطي لحد إلا المقادير جابتنا لبوكم هدية

و قوله أنا بو محمد إشارة إلى أبنه السلطان محمد بن عبد الكريم آخر سلاطين السلطنة العبدلية وعلى اثر هذا البيت غادر السلطان الرائعمدارة الرقص متجهًا صوب مدينة الحوطة حاضرة سلطنته وعاصمتها العتيق.

دور الشاعر الملهم أحمد أبو مهدي 

و لم يعلم أبن السبيتي ولا سلطان لحج أن هذه الأبيات سوف تخلد بلحنها و تتناقلها حناجر الفنانين الكبارفي جميع أنحاء الجزيرة والخليجبل والوطن العربي برمته ولا نستثنى دور الشاعر الملهم أحمد أبو مهدي و كذلك دور الفنان الكبير صاحب الصوت الرقيق محمد صالح عزانيالذي أدى هذه الأبيات بعد أن أكملها الشاعر بو مهدي بوضع لمساته الأخير على هذه الأغنية التي يقول فيها:

سرى الليل وا رامي شباك الهوى و البحر كله جوى و أنت حياتك عصية

هذه الأغنية أبياتها من أقوال عدة شعراء بنوا جميعهم على لحن (سرى الليل) هم:

  1. السلطان الشاعر عبدالله عثمان الفضلي
  2. والشاعر عبدالله هادي سبيت
  3. والشاعر مهدي عبيد محلتي

وهناك بعض الفنانين غنو هذه الأغنيه سرى الليل أمثال الفنان السعودي محمد عبده وزيـّد فيها بعض الأبيات

كلمات أغنية سرى الليل التى غناها الفنان محمد عبده:

سرى الَّليل وانايم على البحر ماشي

فايده في منامِ الَّليل حل السَّريه

سرى الَّليل وارامي شباك الهوى

والبحر كلَّه نوى وإنتَ حياتك شجيه

سرينا وشرَّعنا بوابيرنا والعشق ماهو

لنا لأهل القلوب السليه

لنا لأهل القلوب السليه

سرى الَّليل وامول الذهب والرِّشوش

لا شدَّوا الخيل شد المُهره العولقيه

وأنا أسمي محمد ..ما نطرف شي لحد

إلاَّ المقادير جابتني لبوكم هديه

سماها وكرسيها لخلا قها ..

والأرض له ملكها والنَّاس تحته رعيه

ياليتني ملك لك وإلاّ تصير ملك ليه

يا إبن النَّاس ..حبيتك وحبيت أنا ..

ياليتني ملك لك وإلا تصير ملك ليه

نظرني من الطَّاقه وحرق لي الكبد ..

وانت الدواء لِلكبد يا بو الخدود النديه

أنا ياحبيب مظلوم وإنتَ السَّبب 

أنا ياحبيب مظلوم وإنتَ السَّبب ..

أهو ليه ياصاحبي دايم تِنكد علَّيه

بعد أن تغنى بها العزاني لاقت قبولاً كبيراً في الساحة الفنية

وللمعلوميه كل الفنانين اللي غنوها لم يغنوها كامله  وإنما جزء منها فقط بعد أن تغنى بها العزاني لاقت قبولاً كبيراً في الساحة الفنية في ستينات القرن الماضي وتناقلتها حناجر الفنانين و أخيرًا تغنى بها فنان العرب الفنان محمد عبده و لكن للأسف الشديد غاب شعراء هذه المساجلة و ملحن صوتها أو لحنها و ظلت منسوبة للتراث حيث لا شاعر ولاملحن يعرف لها بل أن الفنانين لا يريدون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الشاعر أو الملحن قد يكون عن حسن نية أو هروباً من حقوقهمالمادية أن لم نقول الأدبية علماً أن الكثير من الأغاني تنسب إلى التراث وشعرائها لازالوا بين ظهرانينا و لم يغيبهم الموت حتى كتابة هذهالمقالة ومن هذا المنطلق ندعو كل المبدعين بالتأكد من المبدعين الشرعيين لهذه النصوص قبل أن ننسبها للتراث ظلما وعدوانا.

بقلم: سعد الشهري

 

أضف تعليقك هنا