واقع حقوق الإنسان في العالم العربي!

مرت علينا في أواخر العام المنصرم الذكرى الواحد السبعون لإجازة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة حيث كان ذلك في العاشر من ديسمبر الماضي و نص هذا الإعلان على مجموعة من الحقوق الأساسية و أعتُبر في ذلك الوقت إنجازاً مهماً في سبيل تعزيز حقوق الإنسان حيث وضع لبنات تأسيسة في هذا الطريق الشاق، و لرمزية هذا اليوم تُعلن فيه الأمم المتحدة عن الفائزين بجائزة نوبل للسلام و أعتمد رسمياً كيوم عالمي لحقوق الإنسان.

الحقوق المدنية والسياسية

شكل هذا الإعلان لحظة فارقة في تاريخ حقوق الإنسان في العالم حيث مهد فيما بعد لإجازة مجموعة من العهود الدولية أكثر تفصيلاً و حزماً في حماية و تعزيز حقوق الإنسان في المجتمع الدولي مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الذي أُجيز في يوم 16 ديسمبر من العام 1966 و العهد المدني للحقوق الإقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الذي أُجيز في نفس التاريخ لكنه دخل حيز التنفيز الفعلي في 3 يناير من العام 1973 و يعتبر هذين العهدين تطور ملفت في إطار تعزيز الكرامة الإنسانية، كما شهدت الأعوام اللاحقة توقيع برتوكولات إختيارية لتشكيل لجان مختصة تنظر في شكاوى إنتهاكات حقوق الإنسان مثل البروتوكول الإختياري الملحق بالعهد الدولي للحقوق الإقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.

قضايا حقوق الإنسان والتشريع لها

عربياً لقد تأخرت حكوماتنا في تبني قضايا حقوق الإنسان و التشريع لها سواء كان ذلك محلياً أو إقليمياً، فعندما أنشئت الجامعة العربية فإن ميثاقها الأول الموقع في العام 1945 قد خلا من أي نص عن حقوق الإنسان حيث ظل الوضع كذلك الى أن وافق مجلس الجامعة العربية في العام 1968 على إنشاء اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان لكن دور هذا اللجنة ظل هامشياً لأن تكوينها كان من مندوبين للدول الأعضاء و لم يكن من خبراء مختصين ، و تعتبر أول وثيقة إقليمية عربية تتعلق بحقوق الإنسان هي الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي أُعتمد في القمة العربية التي عُقدت بتونس في مايو من العام 2004 حيث أكد الميثاق على ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و دخل هذا الميثاق حيز التنفيذ في مارس من العام 2008 بعد أن صادقت عليه 7 دول عربية.

ماذا نعرف عن حقوق الإنسان؟

تعتبر مناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان فرصة لكي نسأل أنفسنا كمواطنين عرب “ماذا نعرف عن حقوق الإنسان؟!” نحن هنا لا نسأل عن مستوى إحترام مجتمعاتنا و حكوماتنا لهذه الحقوق فقط ، بل نسأل أيضاً حتى عن مجرد وعي مجتمعاتنا المحلية بهذه القضية؟! حيث نجد أن الوعي بها في أدنى المستويات ، و هذا بسبب مجموعة عوامل سياسية ، إجتماعية و ثقافية أبرزها أن التبشير بحقوق الإنسان إرتبط بالمجتمع الغربي مما أدى لنمو خطاب سياسي محلي و قومي ضد مفهوم حقوق الإنسان سوقته بعض الأنظمة السياسية و أظهرت فيه حقوق الإنسان كثقافة غربية دخيلة على مجتمعاتنا المحافظة كما أن رواج هذا الخطاب ساهمت فيه تيارات دينية متطرفة إجتزأت بعض نصوص قوانين حقوق الإنسان من سياقها العام و اعتبرتها مخالفة للدين الإسلامي و عموماً يمكن أن نقول أن “إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام” الذي تمت إجازته من قبل مجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في أغسطس من العام 1990 بالقاهرة شكل تطوراً ملحوظاً لفهم مجتمعنا لحقوق الإنسان في سياق ثقاقتنا الإسلامية و أعتقد أن ديباجة هذا الإعلان تعتبر ملخص راقي و ضافي لنقاش فكري عميق دار بين رواد هذا المجال سواء أن كانوا من المختصين في المجال أو من رجال الدين.

لكن على العموم ومن حيث التطبيق نجد أنفسنا في العالم العربي في تراجع مستمر في قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان و تعزيزها حيث أصبح الحديث عن الحقوق السياسية و الإجتماعية مدعاة للسخرية، لأن أبسط الحقوق الأساسية في وطننا العربي منتهكة، فأصبح المتابع لنشرات الأخبار لا يهتز له جفن و هو يشاهد يومياً الجثث تملأ الطرقات.

المفارقة الغريبة في بلداننا العربية

و المفارقة الغريبة في بلداننا العربية أن تقديم خدمات مثل التعليم و الصحة أصبح دعاية إنتخابية يُمتن بها على الشعوب كما أصبحت المناداة بالحقوق المدنية و السياسية و حرية التعبير أُمنية لأحزاب المعارضة و ما يؤزم وضع حقوق الإنسان في وطننا العربي هو إستمرار النزاعات المسلحة التي أخذت طابع حرب شاملة كما في (ليبيا ، اليمن و سوريا) حيث خلفت هذه النزاعات مائات الآلاف من القتلى ، الجرحى ، المفقودين و الأسرى و أكثر منهم نازحون و لاجئون، هذا غير الكوارث الصحية و تفشي الأوبئة القاتلة و المجاعات ، و في هذا المشهد القاتم يُطل منظر أكثر بشاعة و إيلاماً فيما يخص حقوق الأطفال ، حيث أن الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراع يفقدون الفرصة في التعليم بل أن غالبيتهم يُضطرون للعمل قبل بلوغ السن القانونية لتغطية نفقات أسرهم بسبب فقد الأبوين أو أحدهما ، و هم أكثر عرضة للإنتهاكات الجسدية و الإستغلال الجنسي و تلاحقهم شبكات الإتجار بالبشر.

و في الدول التي لا تعاني من الحرب فهي تعاني إنقساماً داخلياً لأسباب سياسية ، كما سجلت كثير من المنظمات الحقوقية و الدولية إنتهاكات متعددة بخصوص السجون السرية و التعذيب في الإعتقال و الحبس الإنفرادي كأداة للتخويف السياسي و قمع المعارضين حتى و إن كن مجرد نساء نادين بحقهن في الحياة الكريمة أو كانوا مجرد صحفين قاموا بدورهم المهني في نقل الحقيقة.

قوائم دول العالم من حيث إرتفاع معدلات البطالة

أيضاً تتذيل المنطقة العربية قوائم دول العالم من حيث إرتفاع معدلات البطالة و تدني المستوى الإقتصادي كما أن التميز على أساس الإنتماءات الطائفية، السياسية و القبلية يعتبر وسيلة فعالة للترقي الإقتصادي حيث ساعد هذا على إستشراء الفساد و المحسوبية و قد أدى ضعف أجهزة الرقابة العدلية لتفاقم الفروقات الطبقية و الإجتماعية ، و في ما يتعلق بحقوق الأقليات الدينية و الإثنية في الدول العربية فإن إيقاف الإنتهاكات المتكررة في حق هذه الفئات يُعتبر من التحديات الرئيسية التي تواجه الأنظمة العربية و إختبار حقيقي لمدى جديتها في القبول بهذه الأقليات كمكون فاعل في هياكلها السياسية و الإجتماعية.

أيضاً في ما يخص التميز على أساس النوع و إنتهاك حقوق المرأة فحدث ولا حرج ، حيث لا زال النساء يعانين من عدم تساوي الفرص في المجتمع من حيث التعليم و العمل و الأجور و ما يعزز عدم التساوي بعض القيود الإجتماعية التي تفرضها المجتمعات المحلية.

إتاحة الحريات العامة كرؤية للحل 

إننا في الذكرى الواحد و السبعون للتوقيع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نجد أنفسنا كمجتمع عربي أمام تحديات كبيرة لكي نُحدث تحول حقيقي في نظرتنا للكرامة الإنسانية و العدالة الإجتماعية و بالرغم من أن الطريق طويل للوصول للوضع الأمثل في هذا الجانب إلا أن توسيع المشاركة السياسية و تعزيز قيم الديموقراطية و إتاحة الحريات العامة تعتبر خطوة في طريق تعزيز قيم التسامح في مجتمعاتنا و ستسهم هذه الخطوات العملية في إرساء قيمة قبول الآخر و الحفاظ على حقوق الأقليات الدينية و الإثنية مما يساهم في تقليل الصراعات و النزاعات المسلحة و تعزيز السلم الإجتماعي.

تطوير التشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان في الوطن العربي

لذلك في تقديري الخاص فإن الدور الأهم الذي يمكن أن يساهم في تطوير التشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان في الوطن العربي و تطبيقها على أرض الواقع يجب أن تقوم به منظمات المجتمع المدني و الناشطين السياسين حيث يتركز دور هذه المكونات الإجتماعية في توسيع دائرة الوعي بحقوق الإنسان و تأسيس منصات شبابية لتعزيز و تطوير قدرات الشباب العربي في هذا المجال و خصوصاً في جانب رصد الإنتهاكات و تقديم الدعم القانوني و النفسي لضحايا هذه الإنتهاكات حينها يمكن أن نشهد تحسناً في واقعنا الإنساني العربي و هذا ما أتمناه لتأسيس مستقبل مشرق تُحترم فيه الإنسانية و يسوده العدل.

فيديو مقال واقع حقوق الإنسان في العالم العربي!

 

أضف تعليقك هنا