العقل التراثي ليس سبة

أنصار الحداثة الذين اتخذوا قضية تجديد الفكر الديني سببا ووسيلة لينالوا مآربهم من التراث الإسلامي كله؛ يطالعوننا كل حين بتهمة جديدة، يتهمون الأزهر فيها ورجالاته بأنهم حجر العثرة في سبيل التجديد والتحديث في الدين ليتواكب مع متطلبات العصر وضرورياته.

أحدث التهم

وأحدث تهمهم اليوم أن الأزهر عقله تراثي، وهم يقصدون بهذا المصطلح أن رجالات الأزهر قد جمد عقلهم مع جمود التراث، ولن يستطيعوا الوفاء بمتطلبات التجديد التي تعتمد على العقل الحر الذي ينفض عن كاهله كل تشبه أو تلبس بالقديم.

ماذا يريدون من التراث؟

الواضح الجلي الذي لا يحتاج برهانا على إثباته، أن هؤلاء يريدون الاكتفاء بالقرءان وحده من دون مصادر التشريع الأخرى؛ ويجعلونه مصدر التشريع والقانون والفقه وسائر متطلبات الحياة.

خطورة هذا الاتجاه

ولا شك أنهم بدعواهم هذه يريدون النفاذ إلى الدين كله لتفريغه من محتواه؛ وتأليف دين جديد يتناسب مع كل هوى وكل منزع؛ فيفسرون كتاب الله بما يتناسب مع الأمزجة والمرادات، وقديما قال سيدنا علي بن أبي طالب: ” إن القرءان حمال أوجه”، وعليه فلا بد من شرح خاص تحمل عليه أوجه القرءان الكريم.

كيف نفهم القرآن؟

ومن أجل فهم المراد من القرءان الكريم كان الحديث النبوي الشريف شارحا ومفسرا ومقيدا ومخصصا للقرءان الكريم؛ وكانت كتب التراث في شتى فروع العلم خادمة للقرءان الكريم حتى يعرف مراد الله تعالى من خلقه.

مشكلة الحديث عند الحداثيين

إنهم يرفضون رفضا قطعيا غير محتمل التأويل لمقولة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعواهم في رفض الأحاديث تقوم على فرضيات حولوها بعقولهم إلى مسلمات وبنوا عليها دعاويهم الباطلة، فمرة يتهمون مناهج المحدثين، ومرة يزعمون ان الأحاديث آحاد لا يبنى عليها حكم شرعي، ومرة ينكرون نسبتها، وهم يبنون صرحهم على غير أساس سليم أو صحيح، وكل ذلك لينقضوا عرش الحديث، ليقيموا عرش مملكة العقل والهوى.

العقل وحده لا يكفي

إنهم يريدون الاعتماد على العقل الحر في فهم القرءان الكريم وتوجيهاته؛ بعيدا عن كل أدوات فهمه وطرائق معرفته ومصادر التشريع منه، حتى يتعاملوا مع كل قضية بما يستحسنه العقل أو يستقبحه، والعقل لا يدرك كل المصالح ولا يدرك كل المفاسد حتى يكتفي وحده بالتشريع، وإلا فلماذا أرسل الله الرسل، ولماذا ضلت الفلاسفة، ولماذا فسد العالم إذا كان العقل يستطيع إسعاد ه وحل مشكلاته.

العقل التراثي

فالأزهر حين تمسكه بمعالم التراث، فإنما يتمسك بحصون القرءان التي إن سقطت سقط معها، وهذه المعالم التراثية ليست عندنا جهلا أو محل تعصب ومركز تحكم، نصم آذاننا معها عن الاستجابة لنداء العقل، بل إن نداء العقل يدعونا إلى التمسك بتراثنا وقيمنا الحضارية؛ التي حكمت العالم ألف عام وأقرت فيه نظم العدل والمساوة والكرامة الإنسانية.ومن هنا أقول: إن التمسك بالتراث ليس سبة، وعقولنا التراثية ليست تهمة نتوارى عن أعين الناس مخافة تلبسنا بها.

مشكلة التراث عند الحداثيين

التراث عندهم معناه هو النظام الإسلامي المحكم البناء، وبزوال التراث يستطيعون زيادة ما يشاءون في دين الله تعالى، فيجعلونه دينا ناعما ليس فيه أدنى تكليف، فيكون أشبه بأديان القاديانية والبابية والبهائية والروافض.إن التراث هو ما يمنعهم من تحكيم أهوائهم باعتبارها دينا لا بد أن يدين به المسلمون، فإذا ما ذهب التراث قال من شاء ما يشاء، وزاد من أراد ما أراد.

التراث لا يقف حجر عثرة أمام التجديد

تراثنا صرح لم يكتمل، وهو مستمر نزيد فيه بنتاجنا العقلي الذي سيصبح يوما ما جزءا منه غير منفصل عنه؛ وكما قال فضيلة الإمام الأكبر إعمال العقل في التراث دعوة تراثية، والتجديد دعوة تراثية، نطق بها مالك وأبو حنيفة وأصحابه، والشافعي وأتباعه والحنابلة ومن سلك دربهم.فالتراث لن يمنعنا من التعامل مع مستجدات عصرنا، بل كيف يمنعنا ووسائل تعاملنا مع قضايا عصرنا سنأخذها من مأدبته.

المجددون الحداثيون

الأزهر حين دعا إلى التجديد وسلك مسالكه، وبلغ شأوا كبيرا في سبيله ناقلا القضية من التنظير إلى التطبيق، جعل عملية التجديد تقوم على عاتق كل التخصصات في شتى العلوم والمعارف الإنسانية، غير أن الحداثيين لم يعجبهم لا طرح رجالات الأزهر ولا مسلكهم، فأرادوا إطلاق عملية التجديد لقئات معينة قطعت كل سبب وسبيل يربطها بالتراث أو بالأحرى بثوابت الدين.وهذا بالطبع ناتج عن. المبدأ الذي ينطلقون منه، والغاية التي يريدون الوصول إليها، وهم لا يعلمون أن محاولاتهم قد سبقتها الف ألف محاولة وكلها كلها قد ارتدت حاسرة من كل مغنم.وستبقى القضية مطروحة وسيبقى الصراع الفكري بزخمه وستبقى قضية التجديد في كل عصر.

فيديو مقال العقل التراثي ليس سبة

 

 

 

أضف تعليقك هنا