الهرَبُ إلى الماضي

الماضي بجميعِ تفاصيلِهِ ولحَظاتِه لدى الكثيرين هو أجمَلُ من الواقعِ، لِما يحمِلُه من سنَواتٍ جميلةٍ، تجعَلُ الكثيرَ منَّا يُحلِّقُ في فضاءِ الذكرياتِ، ويسترجِعُ ابتساماتٍ وعبَراتٍ ما زالت منحوتةً في ذاكرتِه.

ما دوافعُ جعلِ الماضي أريكةً للاسترخاءِ؟

  • البعض يعود إلى الماضي ليتذكر أشخاص أعزاء فقدهم

    • قد يكونُ هناك أسبابٌ خلفَ هذا الارتباطِ الروحيِّ بيننا وبين الماضي، تكتملُ صورتُه مع أشخاصٍ كانوا في حياتِنا، ثم غيَّبَهم الموتُ أو الأقدارُ، فَقَدْناهم وخَرجوا من واقعِنا بعد أن كانوا شمعةً تُضيءُ لنا حياتَنا، وتُعطينا الأملَ، ونحنُ في قاعِ التشاؤمِ، كانوا قادرِينَ على إيصالِنا إلى شاطئِ التفاؤلِ، مرَّت حياتُنا بدونِهم، لكنَّها تأثَّرت بَعْدَهم، كُنَّا نتمنَّى أنْ يَبقَوْا معَنا لفترةٍ من الزمنِ أطولَ، حتى يرَوْا تقدُّمَنا في مراحلِ العمرِ المختلفةِ، حتى نُشعِرَهم أنَّهم شُركاءُ في نجاحِنا، الذي تحقَّقَ بعد أنْ كانوا كالبوصلةِ التي توجِّهُنا إلى الطريقِ الصحيحِ.
  • البعض يعود إلى الماضي ليتناسى حاضره

    • في حينِ أنَّ هناكَ أشخاصًا يعودونَ إلى الماضي بسببِ فشَلِهم في تحقيقِ واقعٍ كانوا يتمنَّونه أجملَ ممَّا هو عليه، لكنَّ الأقدارَ والظروفَ الخارجةَ عن الإرادةِ كانت لها الكلمةُ الأقوى في تحديدِ مصيرِهم، وجَعلِهم ينظرونَ إلى شمسِ الماضي، التي كانت تُمِدُّهم بشعاعِها كي يعيشوا اللحَظاتِ في ذُروةِ سعادتِها. كانت سنينُهم تمرُّ سريعةً؛ لأن السعادةَ لا تجعَلُك تشعُرُ بالوقتِ، ولا تجعَلُك تُدرِكُ أينَ مَوقِعُكَ بين أصدقائِكَ؛ لأنك تعيشُ نَشوةَ الفرَحِ والمُتعةِ.
    • ومن ثَمَّ كانت ليالي الواقعِ طويلةً أشبهَ بليالي الشتاءِ، التي تحمِلُ معَها صقيعَ الحَسْرةِ والندَمِ. إدراكٌ، لكنْ بعد فواتِ الأوانِ، أن الوقتَ الذي ضاعَ خلفَ سعادةٍ زائلةٍ، شبيهٌ بالسرابِ. في واقعِ الأمرِ، إنَّ هؤلاءِ لا يرغبونَ في لقاءِ مَن كانوا معَهم في الماضي وتفوَّقَ على حاضرِهم؛ لأنهم أدركوا أنَّ موقِعَهم أصبحَ لا يستحقُّ أن يُشرِقَ عليه ضوءُ الشمسِ، حتى لا يكونَ مكشوفًا لغيرِهم، فهم يفضِّلونَ البقاءَ في عَتمةِ الليالي.
  • والبعض يتذكر الماضي عندما يحن لطفولته

    • وأيضًا فإنَّ الهربَ إلى الماضي قد يتجسَّدُ في الحنينِ إلى زمنِ الطفولةِ والشبابِ الخالي من المسؤولياتِ والمخاوفِ. وقد يتجلَّى ذلك عندما يكونُ الواقعُ مليئًا بالمسؤولياتِ التي لا تنتهي، والمستقبلُ غامضًا ذا رؤًى ضبابيةٍ. في هذه المعمعةِ يُصدَمُ الشخصُ بأنَّه أمامَ مسؤولياتٍ متعددةٍ تختلفُ في النوعِ، وتتَّفقُ في الهمِّ والخوفِ والتفكيرِ. ومن هنا، يقارنُ الشخصُ مسؤولياتِ الماضي، التي كان أقصاها القيامُ بواجبٍ مدرسيٍّ يجدُ صعوبةً في فَهمِه.

إن المسؤولياتِ قد تختلفُ من شخصٍ إلى آخَرَ، لكننا نتفقُ أنها هي الاختبارُ الحقيقيُّ لنجاحِ الإنسانِ على جميعِ المُستوياتِ؛ سواءٌ أكانت تِجاهَ المجتمعِ أو الأسرةِ، وقد تكونُ سببَ تجاوُزِ تحدِّياتِ المُستقبَلِ.

وفي نهايةِ المطافِ يجبُ علينا أن نعيشَ واقِعَنا، ونوقنَ أن الماضيَ رحَلَ ولم يبقَ سوى أطلالِه، التي نقفُ عليها تارةً بعد تارةٍ؛ إمَّا لذكرى جميلةٍ تُجدِّدُ فينا روحَ الأملِ والتفاؤلِ، وإمَّا لذكرى تعيدُ إلينا العبَراتِ لماضٍ كان في صورةِ مصيدَةٍ قتلَتْ أحلامَنا وسعادتَنا. لذا يجبُ علينا أن نجعلَ من الماضي دروسًا نستفيدُ منها في الحاضرِ والمستقبَلِ.

فيديو مقال الهرَبُ إلى الماضي

 

 

 

أضف تعليقك هنا