بناء الإنسان والبعد الروحي

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين وعلى آله وصحبه الكرام البررة، السلام عليكم ورحمة الله..

أما بعد.. أتشرف بالكتابة إلى السادة الأفاضل القائمين على هذا الموقع، راجيا منكم نشر هذا المقال إن استحق ذلك وهو مقال معنون ب “بناءالإنسان والبعد الروحي” أسأل الله عز وجل أن يوفقني أن أرسل المزيد إلى موقعكم.

كيفية حفظ المجتمع من التدهور والانحدار

ضرورة إسهام المفكرين في نشر الوعي في المجتمع

إن المتأمل في واقعنا اليوم، يلمس بوضوح ما آلت إليه حياة الناس من حيرة وتردّد وانقياد للأهواء والشهوات والمصالح، وأصبح العالم تجرّه قاطرة المادة والمعدة على حد قول العلامة الهندي أبي الحسن الندوي -رحمه الله، ولم يعد اهتمام الإنسان اليوم بالمعاني التي تصله بمعالي الأمور وتنأى به عن سفاسفها.

وأمام هذا الوضع المزري لم يعد للعلماء والمصلحين ورجال الفكر عذر للـتأخر عن الانخراط الواعي في قيادة سفينة المجتمع وضبط توازنها، عوض اعتزال المجتمع وإيثار الطريق السهل، فلابد من توجيه جهودهم لإنقاد ما يمكن إنقاده؛ لأن كلام هؤلاء رحمة للعباد ولكلماتهم مبان ومعان عظيمة: فمباني الكلمات توجّه لذرات الجسد الطّيني لتبعث فيه الحياة، ومعانيها توجّه للأرواح لتحلّق بها عاليا وتحرّرها من ثقلة الطين وقيوده.

ما أروع الكلمات التي تصلك بالسّماء، وتنفض عنك الغبار الذي علق بك من جرّاء سعيك وكدحك فوق هذه الأرض، وكم وكم من آثار الوحل عرقل سيرك وأخّرك عن مرادك!

يا لها من مهمّة صعبة، تنتظر مهندسي الروح، فكم من صروح مشروخة، تنتظر من يرمّمها، وكم من بناء شامخ سقط وتهاوى دون أن يلتفت إليه أحد، فما أعظم هؤلاء الصفوة من المهندسين الذين اختاروا أن يصطفوا مع الصفوة الفريدة من أتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويرسلون رسائل نورانية، تعيد صناعة الإنسان من جديد، وتؤهله للمساهمة في بناء المجد الحضاري للأمة.

هؤلاء المهندسون لمّا علموا أنّ بناء الإنسان ليس كباقي البناءات، جلبوا من أجل بنائه حجارة من منجم القرآن الكريم والسنة النبوية ورصّوها لبنة لبنة، ليكتمل هذا البناء الفريد، وهذا ما يعشقونه ويرجون تحقيقه، ولو ضحّوا بكل آمالهم وآمانيهم.. فصروح كهاته تستعصي على كل اختراق؛ لأنها أقيمت على أساس صلب، سهر عليها ربانيون لا يساومون، ولا يقبلون على أي عمل إلا بعد الطهارة المادية والمعنوية، إنهم من خريجي وخريجات المدرسة المحمدية، التي وقفوا فيها على خبايا النفوس، وخبروا حقائقها، وسبروا أغوار الأرواح وعوالمها.

قيام المربين ببث رسالات الهداية لحفظ المجتمع من الانحطاط

يا للحسرة! كم أصبح اهتمام الناس منصبّا على الأجسام فقط، وفي المقابل أهملت العقول والقلوب والأرواح، فيا ليتنا نعد نسمع برياضة كمال العقول والقلوب والأرواح، كما نسمع برياضة كمال الأجسام.

إن رسالة المربين اليوم، هي الرجوع بالناس إلى منبعهم الصافي، ومنهل ارتوائهم، وبلسم حياتهم، إنها كلمات ربي، نتعمق فيها ونغوص في أغوارها ونتشرب معانيها، وتختلط بدمائنا، فتبعث الحياة في كل ذرة من ذرات أجسادنا، لتنطلق من عقالها، وتفك قيودها لتعانق الحرية الحقيقية.. يقول الإمام ابن تيمية -رحمة الله عليه-: “العبودية عبودية القلب والحرية حرية القلب”.

فلا ريب أن حيرة العالم واضطرابه هو نتيجة طبيعية لانغماس البشرية في الوحل، وإلفها التراب، واستغراقها في القشور والمظاهر والشكليات وانبهارها بالصور والألوان… فإنسان اليوم -إلا من رحم الله- يهتم بالأواني، ويغفل عن المعاني، مع أن الأواني سرعان ما تنكسر، والمعاني على عكس الأواني، فإنها تسكن وتعمر قلوبا تعاني.

لنتساءل بصراحة، لو اجتمع حكماء العالم، أتراهم يباركون ما وصل إليه العالم اليوم؟ أيعجزون عن إيجاد حلول مناسبة لإخراج البشرية من هذا النفق المظلم؟ ما تراهم يقولون في آفة انحدار العالم يوما بعد يوم إلى أسفل، واهتمامه غير العادي بكل ما يسمن الجسد، ويهزل الروح، ويلمع القوالب، ويظلم القلوب.. ماذا ينتظرون؟ ألا يقومون قومة رجل واحد لتغيير هذا الحال، خصوصا أن هذه الأزمة يذوق مرارتها الكل؟.

ضرورة صحوة النفوس من غفلتها والتمسك بربها

لا شك أن عالما تحكمه المصالح الذاتية لن يهتدي لحلّ رغم وضوحه، لأن عمى المصلحة يحجب عنه كل سبيل ناجع وطريق قاصد، وما نراه اليوم في الواقع هو ترجمة حقيقية لما راكمته النفوس، وألفته منذ أمد طويل، وباركه أغلب سكان أهل الأرض؛ لأنه يوافق أهواءهم ويخدم مصالحهم المتوهمة.

أما آن للبشرية أن تنتبه من غفلتها وتستسلم لربها منقادة إليه؟ يقول الحق سبحانه: “ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق” سورة الحديد الآية 16، إلى متى تبقى خادمة لبطونها وفروجها؟ لو سألنا أنفسنا ما أقصى ما يمكن أن يتمتع به الإنسان: مأكل جيد، امرأة فاتنة، مسكن واسع، مركب مريح؟ ثم لنسأل كرة أخرى، ثم ماذا بعد؟ فحريّ بمن الموت مثواه، أن يكثر التفكر في مآلات الأمور وحقائقها ولا يغتر بالمظاهر ويبقى حبيسها.

“ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق”

التحلي باﻹيمان هو خير سبيل ﻹصلاح المجتمع وتحقيق السعادة

إن السعادة الحقيقية هي التي تنبع من شلاّل روحي يتدفق على كل ذرة من ذرات الإنسان، فيبعث فيها السكينة والطمأنينة التي ينعم بها إلى آخر لحظات حياته، اسألوا أهل الطّب عن عدد المرضى الذين يعانون من الاكتئاب والأمراض النفسية المتعددة، رغم رفاهيتهم ووجود الإمكانيات التي تكفيهم وتكفي أحفادهم، أين العيب؟ إنها آفة الأرواح وضمور القلوب وتعاسة النفوس.

إن شعوبنا إذا لم تتجدد فحتما ستتبدد، ذلك أن مراجعة الذات الفردية والجماعية هو سر النهوض والبقاء للشعوب، فمن تقاعس عن ذلك مآله الزوال والفناء؛ لأن كل ما في الوجود ينبض بالحياة ويتجدد، وكل مخالفة للسنن الكونية هي جريمة في حق الإنسانية جمعاء.

إن من يحرم برد اليقين وحلاوة الإيمان مهما وصل، سيعيش تعيسا، وهذا ما أثبتته الأيام، ويشهد عليه الواقع، هذا ما ينبغي ترسيخه، دون أن نيأس أبدا، فما زال الخير في هذه الأمة والمخلصون والمخلصات كثر، والراغبون في لمّ شملها ورتق فتقها لا يخلو منهم مجتمع.

فيا ليتنا نعي هذه الموعظة جميعا، ويتجنّد المخلصون والمخلصات لصناعة مجد هذه الأمة.

والله ولي التوفيق.

فيديو مقال بناء الإنسان والبعد الروحي

 

 

 

أضف تعليقك هنا