تابو السلطة في ثقافات الشعوب

تعد السلطة السياسية إحدى أهم مؤسسات النظام السياسي، الذي هو أحد الأنظمة التي تقوم عليها البيئة البشرية، حيث تديرها عدة أنظمة تطورت عبر مئات السنين،  منها النظام الديني، والاجتماعي ، والثقافي، والاقتصادي، وكل نظام من هذه الأنظمة يضم عدد من المؤسسات والكيانات التي تطورت عبر امتداد القرون.

كيف تنشأ حضارات الشعوب؟

من خلال البيئة يتفاعل الأفراد والمجتمعات المحلية فيما بينهم، ويتبادلون المنافع ، ويتناقلون الخبرات ، ويتشاركون التجارب ، لتنشأ العلوم والمعارف والثقافات، وتحفظ الشعوب علومها وتجاربها وخبراتها ومهاراتها من خلال الكتابة، وقد قسم الإنتاج المعرفي والعلمي إلى أبواب وفصول، وحفظت تجارب وخبرات الأمم من خلال وضعها في قوالب من العناوين والمصنفات،  وتمكنت بذلك من تدوينها ونقلها من جيل إلى جيل، ومن خلال التفاعل الثقافي والفكري ما بين الشعوب والأمم تمكنت كل أمة من الاطلاع والاستفادة من تجارب الشعوب والأمم الأخرى، وتعد أبواب الأدب والحكمة من أهم وأبرز ما أنتجته الحضارة البشرية، لأنها تجسد قدرة الإنسان على إعادة تدوير تجاربه، والاستفادة منها مرة أخرى، والأمثال والحكم والأقوال ليست سوى خلاصة تجارب الأجيال الماضية في الكثير من شئون الحياة، أو بيان ما كانوا يعانون فيه من نواقص أو عثرات أو عيوب أو أخطاء، تتناقلها الأجيال وتهتدي بها، لتسمو العقول والمدارك وتتجه مسيرة المجتمع نحو التقدم ويواصل مسيرة العلم والحكمة.

ما هو مدى التقارب بين الأدب الإنساني و السلطة السياسية؟

لقد تفاعل الأدب الإنساني مع الكثير من الحوادث والقضايا والاهتمامات، وفي مقدمتها السلطة السياسية، فقد عجت أسفار الآداب والحكم  بما تضمنته من أمثال شعبية وأقوال وحكم ومواعظ، قد لا يكون معروف تماماً من هو قائلها أو حتى مناسبة قولها ، إلا أنها ولكونها ذات معنى شديد التأثير  متطابق مع الواقع في العديد من المراحل والمنعطفات التي تعيشها المجتمعات في عدة أزمنة وأمكنة مختلفة، يكون لها تأثير كبير يجعلها حاضرة بشكل دائم في الثقافات الشعبية، ويظهر تأثيرها بشكل مباشر وغير مباشر على سلوك وردات فعل الأفراد والمجتمعات، يظهر جلياً في المواقف والأحداث التي يتعرضون لها، فالبيئة البشرية واحدة في نهاية الأمر وإن اختلفت وتعددت صورها وأشكالها.

لماذا يجب علينا توخي الحذر من السلطة السياسية؟

تعد السلطة السياسية من أخطر أشكال السلطات التي يقوم عليها المجتمع، بل أنها عماد السلطات جميعاً، والتاريخ البشري يحفل بسجلات ضخمة عن السلطة السياسية بكافة أبعادها وتفاعلاتها وجوانبها، وآدب الشعوب وتراثها تفاعلت معها تفاعلاً كبيراً جداً، نظراً لم تشكله من قوة ضخمة في التاريخ البشري وشأن كبير في حياة الشعوب والأمم، فالسلطة السياسة تسيطر إلى وقت قريب  ( أي قبل ظهور الأنظمة الدستورية والمدنية )  وحتى يومنا هذا في الكثير من الشعوب التي لم تبلغ بعد هذه المرحلة على الكثير من مقومات البيئة وأنظمتها، فالسلطة السياسة تسيطر على الأنظمة  الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية، وتوجهها وفقاً لأهدافها ومصالحها.

وهو ما يسمى في منطق علم السياسة بالأنظمة الشمولية، او الاستبدادية، وبسبب عوامل عديدة عدت الكثير من الأنظمة الشمولية حجر عثرة وعائق كبير أمام الحقوق والتطلعات المشروعة للكثير من الشرائح والفئات الاجتماعية منذ القدم، ونظراً لما تشكله من موقع عالي بالغ الأهمية في حياتها فقد كان من ردود الفعل أن حفلت ثقافات الشعوب بالنصوص الأدبية الجمة، ذات الأهداف والمقاصد المتعددة الاتجاهات، فما بين نصوص تهدف إلى إصلاحها، إلى نصوص تحذر منها، إلى نصوص تهدف إلى شرح كيفية التعامل معها لكي لا يقع المرء فريسة لها.

كيف كان مفهوم السلطة السياسية في الثقافة العربية قديماً؟

تحفل الثقافة العربية في مختلف مصنفاتها بالكثير من النصوص التي تتناول السلطة السياسية، التي ظهرت  عند العرب بشكل واضح بعد ظهور الإسلام وتأسيس الدولة العربية المركزية في الجزيرة العربية التي امتد سلطانها إلى بقاع كبيرة في آسيا وأفريقيا، وقد كانت السلطة السياسية عند العرب لا تختلف عن نظيراتها في الأمم الأخرى، حيث كانت سلطة مركزية صارمة،  وكان لها تأثير عظيم على البيئة العربية في مختلف الجوانب والاتجاهات على رأسها الثقافة الشعبية، والمتتبع للأدب الشعبي العربي بكافة اتجاهاته وأنواعه يلاحظ أن معظم القصص والحكايات الشعبية على سبيل المثال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسلطة.

فالميثولوجيا الشعبية العربية قلما يكون أبطال القصة من غير الطبقة السياسية الحاكمة، وقليل ما يكون أبطال الميثولوجيا منتمين للطبقات الفقيرة والمهمشة، بل وحتى إن كانوا منها فإنه سرعان ما تتجه الأحداث نحو السلطة، من خلال محاولة البطل الاتصال بالطبقات الحاكمة والانتماء إليها، وغالباً ما يكون الهدف هو أعلى سلطة  أي الملك، أو السلطان، لتدور بقية أحداث الحكاية الشعبية في الطبقة الحاكمة، نلحظ ذلك في الكثير من قصص ألف ليلة وليلة كحكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان، حيث تركزت الأحداث في أروقة القصور الملكية، وإن انعطفت نحو حياة العامة وعدد من طبقات وشرائح المجتمع، الا انها سرعان ما تعود إلى أجواء السلطة مرة أخرى.

وحكاية علي شار وزمرد الجارية، التي نصبت في نهاية الحكاية ملكة على إحدى البلاد، ومن خلال السلطة التي حصلت عليها تمكنت من الانتقام من أعدائها والوصول إلى حبيبها علي شار، أو حكاية حسن البصري ومنار السنا، حيث تجري الأحداث ما بين حسن الشاب الفقير الذي أصبح غنياً ومنار السناء زوجته الجنية، ومن خلفها أهلها الذين هم ملوك على مملكة جن عظيمة في جزر تدعى الواق واق، إلا أنه تمكن من الوصول إلى قصورهم وأخذ زوجته منار السنا منهم بفضل شجاعته وإصراره.

كيف تفاعل الموروث الشعبي الشرقي مع صياغة مفهوم السلطة؟ 

من الموروث الشعبي قصة علاء الدين والمصباح السحري، حيث ينتقل علاء الدين من كونه شاب فقير إلى قمة الثراء بفضل خادم المصباح، ويتصل بالسلطان ويتزوج ابنته الأميرة ياسمين، ليتحقق منتهى أمله وطموحه المتمثل في أن يكون شخصية ذات شأن كبير، فمسار القصة هنا يؤكد بشكل واضح على أن الانتماء للسلطة هو المآل الطبيعي لكل شخص يسعى لأن يكون في مركز مرموق، وأن لا أحداث مؤثرة ولا مغامرة يخلدها التاريخ دون أن يكون للسلطة دور البطولة فيها، وأن ما دونها ليس له شان وحياة عادية ليس لها تأثير.

نلاحظ ذلك أيضاً في قصة بدر الزمان ووزيره الخائن شركان، الذي استولى على السلطة وسجن بدر الزمان  ولكنه تمكن من الهرب  لتبدأ سلسلة مواجهات ومغامرات بين الطرفين، تتركز حول الصراع على السلطة، وقصة دليلة المحتالة التي أصبحت رئيسة للشرطة في بغداد، بعد أن قتلت المقدم أحمد الدنف أو قصة علي الزيبق، الذي كافح من أجل الانتقام لوالده حسن راس الغول، ومحاربة الفساد والظلم الذي تمارسه السلطة.

ومن الحكايات الشعبية سيرة جحا، الذي تمكن بظرافته وحكمته من إبعاد خطر غزو الإمبراطور المغولي تيمورلنك لبلاده، بعد ان اقام بين حاشيته ، وتمكن من اقامة علاقة قوية معه ومع أعوانه، وقصة الشاطر حسن، الذي احب ابنة الملك ، وتمكن من الفوز بها بعد ان احداث مثيرة، وغيرها الكثير من الحكايا والقصص في التراث العربي.

كيف وصلت السلطة بوصفها إلى كونها كيان وظيفي مستند لسيادة القانون؟

ولا يقتصر تأثير السلطة السياسة على الأدب القصصي، بل شمل ذلك مختلف اتجاهات الثقافة العربية، ويمكن ملاحظة أن التراث العربي قبل الإسلام قلما تحدث عن السلطة السياسة، وذلك لكون العرب قبل ظهور الإسلام لم ينشئوا إلا القليل من الدول والإمارات، وكانت صغيرة وتابعة للدول الكبرى في تلك العصور، ولكن بعد أن أصبح للعرب سلطة مستقلة ودولة  قوية وكبيرة ودين خاص بهم، فقد أصبح الاهتمام بالسلطة كبيراً نظراً لما لها من تأثير عظيم على حياة الأمة، ويمكن القول أن العرب أخفقوا كغيرهم من الأمم في ذلك الوقت في إيجاد سلطة متوازنة ورشيدة، عدا بعض العهود فكان التاريخ العربي مليء بالصراعات الدامية على الحكم والرئاسة.

وقد بقيت السلطة على أهميتها القصوى في حياة الشعوب تشكل هاجس وعامل عدم استقرار أمام الاستقرار والرخاء، حتى نشوء الدول الدستورية المدنية في الغرب الأوربي، سواء في إطار النظم الملكية أو الجمهورية، ويعد هذا تقدماً عظيماً للبشرية بشكل عام، حيث تحولت السلطة إلى كيان وظيفي مستند على سيادة القانون، وتحولت النظم السياسية إلى جزء من النظام المدني الذي تقوم عليه حياة العديد من شعوب العالم المزدهر، حيث لم تعد سوى مؤسسة  تعمل في إطار القانون العام.

ما هو مفهوم السلطة في الفكر الغربي بالعصور الوسطى و المعاصرة؟

يمكن ملاحظة أن ثقافة الشعوب المتحضرة اليوم في الغرب الأوربي –الأمريكي لم تعد تتناول السلطة السياسية إلا في أطر محدودة، ولم يعد الأدب الأوربي المعاصر، لا سيما على صعيد القصة والرواية يتناولها بتلك الكثافة أو يفرد لها تلك المساحة الكبيرة كما كانت في أدب عصور ما قبل النهضة، يمكن ملاحظة ذلك في الأعمال القصصية والروائية، فأبطالها لا ينتمون للطبقات السياسية، وأحداثها بعيدة عنها ولم تعد السلطة تظهر في الأدب الأوربي الحديث سوى في نطاق ضيق ومحدود منزهاً عن التهويل والتبجيل واحتكار فرص الحياة، على العكس تماماً من أدب العصور الوسطى,

حيث سندريلا التي تحاول الفوز بقلب الأمير الذي سيصبح في يوم ما ملك البلاد، أو شخصية زوروا الذي يحارب سلطة الاحتلال الإسباني، أو قصة بحيرة البجع، حيث يتمكن أمير من تحرير أميرة تمكن ساحر من تحويلها إلى بجعة، وغيرها من القصص والروايات التي تعبر بشكل واضح عن حضور السلطة ومدى تأثيرها في العديد من مسارات الحياة على حساب بقية الشرائح والفئات الاجتماعية، بينما الثقافة الأوربية المعاصرة في هذا العصر تتميز بإنتاج وفير من المعالجات المتنوعة لمختلف فئات وطبقات المجتمع، ولم  تعد الطبقات السياسية محور الإنتاج الأدبي الغربي، فقد حل مكانها الإنسان الفرد، حيث غذا بذاته الشخصية المؤثرة الصانعة للأحداث والقادر على صنع التأثير والتغيير دون أن يكون منتمياً للطبقات الحاكمة.

وتعد السلطة في الشعوب التي تعيش في البيئات الشمولية إحدى التابوهات، حيث يمثل الدين  والاقتصاد والسياسة بكل محتوياتها من نظم ومؤسسات مناطق محرمة، إذ أنها حكراً على فئات وشراح معينة في المجتمع، فعلماء الدين يحتكرون تفسير النصوص الدينية، والتشريع الديني، والمؤسسات الدينية، وتحتكر الطبقات البرجوازية والإقطاعية والعائلات الأرستقراطية رأس المال وعوامل الإىتاج والملكية الفردية، وتحتكر الحقوق والمناصب والمؤسسات السياسية من قبل الطبقات أو الأحزاب الحاكمة،  أو الجيوش، وأي اقتراب منها، سواء بالنقد الصريح، أو العمل على فك هذا الاحتكار، أو تقويمها ومحاولة إصلاحها، سيؤدي إلى إلحاق ضرر مباشر شديد بالفرد أو الجماعة التي اقتربت منها.

كيف ومتى ظهر مفهوم تابو السلطة في الثقافة العربية؟

الثقافة العربية في مختلف مصنفاتها تزخر بالنصوص التي تتطرق إلى تابو السلطة، في نهج البلاغة يقول الإمام علي في جواب له عن الخوارج  عندما سمع قولهم : ” لا حكم إلا لله . قال:  كلمة حق يراد باطل. نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله ، وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر ، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر”.[2]

يشير هذا النص إلى الدور المحوري للسلطة في المجتمع البشري، وأنها ضرورة لا بد منها، سواء كان ميزان السلطة يميل نحو كفة العدل أو إلى كفة الظلم، وأن حياة بني البشر دونها سوف تتحول إلى حياة غاب يتساوى فيه البشر مع الأعاجم، وأن السلطة مهما كانت باغية فإن عدم وجودها أسوء من وجودها، وأن طغيانها أهون من غيابها.
وينسب للخليفة الثالث عثمان بن عفان ( وقيل انه لعمر بن الخطاب ) القول : إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”[3].
أي أن السلطان يمنع بسلطانه وعقوبته وحضور في حياة الناس أكثر ما يمنعه القرآن، لأن زواجر ونواهي القرآن صامتة لا تتجاوز القلوب والضمائر، لا ترى بالعين أما زواجر السلطان ففاعلة ظاهرة يراها المرء كالسيف الذي يمضي باحثاً عن المخالف والمتمرد.    وفي هذا المعنى يقول الحجاج بن يوسف الثقفي : ” إن للشيطان طيفاً وإن للسلطان سيفاً“.

أقوال لأعلام الشرقيين حول مفهوم تابو السلطة

الجاحظ:

يقول الجاحظ في هذا المعنى أيضا : ” لولا السلطان لأكل الناس بعضهم بعضا، كما لولا الراعي لأتت السباع على الماشية[4]
ويقول ابن خلدون ” موائد كل جيل تابعة لعوائد سلطانه[5]“.
ويعني بذلك أن للسلطان تأثير كبير على حياة الناس، فالحاكم يملك القوة التي تمكنه من إسقاط النواميس والسنن التي يرتئيها على رعيته، لتتحول بعد مدة من الزمن إلى عادات وتقاليد تتوارث وتبجل.
وفي هذا المعنى ينتقل عن الامام علي قوله ” أذا تغير السلطان تغير الزمان[6]“.
ويقول ابن العميد في ذلك” المرء اشبه شيء بزمانه، وصفة كل زمان منتسجة من سجايا سلطانه[7]“.
وقالت العرب في ذلك ”  الناس أتباع من غلب”.

النبي محمد صلى الله عليه و سلم:

وينقل عن النبي (ص) في هذا المعنى قوله” الناس على دين ملكوها[8]“.
وثمة نصوص متداولة تطرقت الى قبح السلطة وشرها، ولا شك في أنها حصاد تراكمات وتجارب ، من ذلك قول ابن منظور في معجم لسان العرب:  ” ويُقال: المِلك عقيم لا ينفع فيه نسب، لأن الأب يقتل ابنه على المِلك. وقال ثعلب: معناه أنه يقتل أباه وأخاه وعمه في ذلك. والعقم: القطع، ومنه قيل: المِلك عقيم لأنه تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق”.
ويُنسب للخليفة العباسي هارون الرشيد قوله لابنه المأمون: ” يا بني المِلك عقيم ولو نازعتني أنت على الحكم لأخذت الذي فيه عيناك”.

ابن المقفع:

وينقل عن ابن المقفع قوله ” مثل صاحب السلطان مثل راكب الأسد يهابه الناس وهو لمركبه أهيب[9]
وقيل : “من أكل من مال السلطان زبيبة أداها تمرة[10]
وقال إبراهيم بن العباس : ” مثل أصحاب السلطان كقوم ارتقوا جبلاً، ثم وقعوا منه، فكان أبعدهم في المرتقى أقربهم من التلف
وقيل في الاثر: ” من أراد العز بالسلطان لم ينله حتى يذل”.
وقال ابن المعتز او نقل عن اخرين في فضوله :

  • “أشقى الناس بالسلطان صاحب”.
  • “من شارك السلطان في عز الدنيا، شاركه في ذل الآخرة”
  • “لا يدرك الغنى بالسلطان إلا نفس خائفة، وجسم تعب، ودين منثلم.

المقري و الضحاك و ابن زيدون:

وفي الأثر: “ولاية السلطان حلوة الرضاع، مرة العظام”.
وقيل: ” ظل السلطان سريع الزوال”.
وقال المقري في ( نفخ الطيب) :  ” ثلاثة ليس لها أمان: “البحر والسلطان والزمان”.
وقال الضحاك بن مزاحم : ” إني لأسهر عامة ليلى مفكرا ألتمس كلمة أرضي بها السلطان ولا اسخط بها ربي فلا أجدها [12]
وقال ابن زيدون : ” من كان قريبا من السلطان كان قريبا من حتفه[13]

وثمة اتجاه آخر من اتجاهات الثقافة العربية في نظرتها لتابو السلطة، تتمثل في ما يمكن تسميته بنصح السلطة، كردة فعل على طغيانها وشرها، من ذلك ما روي عن أن ابن السماك أنه دخل على الرشيد يوماً فاستسقى فأتى بكوز فلما أخذه قال على رسلك يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها؟ قال بنصف ملكي، قال اشرب هنأك الله تعالى فلما شربها قال:
أسألك لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشتري خروجها؟. قال: بجميع ملكي.
قال : إن ملكاً قيمته شربة ماء وبوله لجدير أن لا ينافس فيه، فبكى هارون الرشيد بكاء شديداً”[14]

ومن موعظة بهلول الكوفي للرشيد :

وهب أنك ملكت الأرض طرا” ودان لك العباد فكان ماذا؟؟
أليس غدا مصيرك جوف قبر ” ويحثو عليك التراب هذا ثم هذا[15].
وينقل ان المنصور قال لابنه المهدي:
” يا أبا عبد الله الخليفة لا يصلحه إلا التقوى ، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل ، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه[16]

كعب الأحبار:

وقال كعب الأحبار : ” السلطان ظل الله في أرضه، من ناصحه اهتدى  ومن غشه ضل[17]
وقال الأحنف بن قيس : ” لا يتم أمر السلطان إلا بالوزراء والأعوان، ولا ينفع الوزراء والأعوان إلا بالمودة والنصيحة[18]“.
وجاء في الاثر : ” العدل اساس الملك”.
وقال أبى حازم : ” إنما بيني وبين الملوك يوم واحد .. أما أمس فلا يجدون لذته.. وأنا وهم من غد على وجل… وإنما هو اليوم. فما عسى أن يكون اليوم؟[19]“.

نصوص من الثقافة العربية تقبّح الجور و تزيّن دولة العدل:

وتحفل الثقافة العربية بنصوص تقبح سلطة الجور والظلم، وتزيين نقيضها دولة الحق والعدل والتبشير بها، كقولهم:

  • دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة.
  • الحق دولة والباطل جولة.
  • وقال ابن المقفع : أحق الناس بالسلطان أهل المعرفة، وأحقهم بالتدبير العلماء[20].
  • وينقل عن النبي (ص) قوله : ” إن اعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر[21]“. **

جاء في الأثر، عن النبي (ص) قوله : “كما تكونوا يولى عليكم[22]“.
وهذا القول كبير وعميق، ويقصد به أن السلطة في أصلها نابعة من المجتمع ذاته، فإذا كان المجتمع يعمل حقاً بقيم العدل والحق فسيخرج منه حاكم على نفس النهج ، وان كان على النقيض أي يسود فيه الظلم والبغي ، كان حاكمه على نفس الكيفية، لأن قيم المجتمع ونظمه وسننه كالهواء يتنفسها الجميع، فإن كانت صالحة ساد الصالحون، وإن كانت باغية ساد الباغون، وفي هذا المعنى جاء في حديث قدسي عن الحق سبحانه قوله : ” قلوب الملوك بيدي وإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة وإن العباد عصوني حولت قلوب ملوكهم بالسخط والنقمة فساموهم سوء العذاب فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك”.

عبد الملك بن مروان:

وجاء عن عبد الملك بن مروان  انه قال : “ما أنصفتمونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرتهما[23]“.
وقيل في الأثر : ” أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنْعهم الحقوق الواجبة، ولَّى عليهم ظلمة، يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين.
كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف[24]“.

 لماذا تميل الرعية لعدم التدخل  في الصراع على السلطة؟

في عام 60هـ خرج الحسين بن علي يريد الإمارة له ولبني هاشم من أبناء عمومته الأمويين، فخرج قاصداً الكوفة، حيث أنصاره ومواليه، إلا أن حكومة الأمويين استولت على المصر قبل وصوله، ولما بلغها حاصره جيش الأمويين، فأخذ أنصاره في أهل الكوفة يستنهضونهم لنصرته، فرد بعضهم بالقول : “الحسين سلطان ويزيد سلطان ولا دخل لنا بين السلاطين”.

وتعني أن الناس لا علاقة لهم بما يجري بين المتصارعين على السلطة، فإيهما غنمها اتبعوه وخضعوا له ما دامت تجري عطاياهم ومطمئنين على أنفسهم وأموالهم، وأنهم لن يضحوا بأرواحهم من أجل أحدهم، فالرعية ليست طرفاً في السلطة، ولا تغنم منها شيئاً، ولا يأخذ رأيها في تنصيب أحد أو عزل أحد، فلماذا يخاطرون بحياتهم في سبيل أحد الطامحين بالرئاسة؟.

السلطة في الأمثال و الحكم الشعبية

نالت السلطة قسطاً وافراً من المساحة في الثقافة الشعبية، وقد ظهرت على شكل قصص وحكايات وأمثال وحكم وأقوال،  فمن الأمثال والأقوال المتداولة في الجزيرة العربية والخليج ما يلي:

أقوال متداولة في الجزيرة العربية

“إن لبست البس حرير، وإن عاشرت عاشر أمير”
يوضح هذا المثل موقع السلطة في الوعي الشعبي، فالحرير أغلى وأنفس ما يمكن أن يرتديه المرء، والأمير أرقى درجة في السلم الاجتماعي، حيث السلطة والنفوذ والقوة.

” إذا صار خصمك القاضي من تقاضى”.
يضرب للتدليل على الفساد الذي يمكن أن يقع، فالسلطة التي من المفترض أن تحمي العدالة وتنصف الضعفاء، من الممكن أن تكون هي الخصم والحكم، المشكلة والحل، حيث القاضي هو الخصم وهو الحكم في نفس الوقت، فكيف يمكن إحراز العدالة والعدالة أسيرة ومرتهنة؟.
ويطابقه في المعنى – “حاميها حراميها”.

” كل وامش ونام ولا تخاف من حكم الحجاج”
حكم الحجاج هنا يقصد به السلطة الغاشمة التي لا تقبل بأي معارضة ولا ترضى سوى بالخضوع التام لجبروتها، وضرب الحجاج مثلاً لما عرف عنه من الظلم المريع والقسوة البالغة، وأنه لتجب غضبها ووقوع نقمتها، فأنه على المرء أن ينشغل بما لا يسخطها، كالأكل والشرب والسمر.

بعض الأقوال المصرية:

ويذكر فرعون حاكم مصر القديمة ، كثيراً في الأمثال والأقوال الشعبية المصرية، فقد فردت له مساحة كبيرة، فهو رمز للطغيان والاستبداد والتعالي والغرور، ووصل إلى القمة في الطغيان بتنصيبه لنفسه اله في حياته[25]،، وهو عدو موسى، رمز الخير والتحرر والصلاح، وقد امتزجت كل هذه الصفات بشخصيته وأصبح مضرب الأمثال والأقوال والحكم والقصص في الثقافة العربية عامة، والمصرية خاصة، واسمه وشخصه مرتبط بالسلطة الطاغية وما تلحقه بالرعية من جور وظلم، من ذلك:

  • ” للي تحسبه موسى يطلع فرعون”.
  • ” جيتك عون صرت علي فرعون”.
  • ” قالوا : يا فرعون مين فرعنك قال ملقتش حد يلمني”.

ومن الأمثال والأقوال المصرية أيضاً:

” ابن الحاكم يتيم”.
أي أن الشخص الذي ليس عنده حرفه مصيره الفقر والضياع، كابن الحاكم الذي لم يتعلم مهنة قد تنفعه في يوم ما ، واطمئن بسلطة والده، ولم يحسب حساب أنه من الممكن أن يفقدها، وحينها سيصبح كالطفل اليتيم الذي فقد والده، وهو مثل في غاية الحكمة والموعظة.

“خدمة الغز علقة”.
(الغز) هم العسكر التركي الذين كانوا يحكمون مصر أيام الدولة العثمانية، والعلقة الضرب، ويقصد بها انه مهام خدمتهم واخلصت لهم فانهم سيضربونك في النهاية ، ويضرب على سوء المكافاة على الاخلاص في العمل.

” الفاضي يعمل قاضي”.
التشبيه هنا يدل على رمزية السلطة القوية في الوعي الاجتماعي والوجدان الشعبي والثقافة الشعبية الدارجة، فالناس الفارغيين من الذين لا هدف لهم ولا غاية يعيشون من اجلها يتقمصون بشكل او باخر دور السلطة، وتحديدا سلطة القضاء، لملا فراغهم الوقتي والنفسي.

” أبوها راضي، وأنا راضي، وأنت مالك يا قاضي”.
المعنى هو ذم التدخل في شئون الاخرين ، خاصة اذا ما كانوا متفقين، الا ان هذا المثل يدل على مكانة السلطة الرفيعة في الوعي الاجتماعي ، فقد شبه المتطفل هنا بالقاضي الذي يمكن له بحكم منصبه ومكانته التدخل في شئون الناس أكثر من غيره، ورغم ذلك فأن حدود سلطته تقف امام عدم رغبة الناس في تدخله، فكيف بمن هم اقل منه منزلة ومكانة؟.

“من خاف سلم”.
أي أن الذي يتخذ الخوف أسلوب في حياته، لا سيما عند تعامله مع الأقوى منه، يسلم من أذاه.

“صاحب الحق سلطان”.
وهو من الأقوال القليلة التي تنظر للسلطة نظرة إيجابية، فصاحب الحق أشبه بالسلطان، لأنه بالحق الذي يحمله ستكون له قوة ومنعة على أعداءه، أشبه بالسلطان على رعيته.

ومن عمان وجدت هذا المثل:

” السيف سلطان الشعوب .. والعشق حب القلوب”.
حيث شبه العشق بالسيف، وشبه القلب بالشعب، فكما أنه بالسيف يحكم السلطان شعبه فإنه بالعشق يحكم الحبيب قلب حبيبه، وقد شبه العشق بالسيف لأنه سلاح السلطة الذي به يسود السلطان رعيته.

ومن الأمثال الفلسطينية:

“فكرت الباشا باشا تاري الباشا زلمة”.
ويضرب في الشخص الذي يتخذ لنفسه مكانة عالية بين قومه الا انه اقل منها[26].

” انا أمير، وأنت أمير، ومين سواق الحمير”.
ويقصد أنه إذا ما كان كل الناس أغنياء وتحديداً أمراء ومن أهل السلطة، فمن سيقوم ببقية الأعمال التي يحتاجها الناس وفي مقدمتهم الأمراء والأثرياء؟.

“النهار له عينين”.
أي صاحب الخبر في الماضي والامن السري في عصرنا.

ومن اليمن:

“الحكومة حكومة والذراحن ذراحن”
والذراحن قبيلة كبيرة في وسط اليمن، وتحديداً في يافع بمحافظة لحج، وضرب بها المثل لقوة نفوذها وقوتها التي تناهز الحكومة، بل أنها في مناطقها أقوى منها.

ومن سوريا:

” إذا بدك تضرب، اضرب أمير؛ وإذا بدك تسرق، اسرق حرير؛ حتى إذا عيّروك يحرز التعيير[27].
ويقصد به أن المرء إذا أراد أن يرتكب الشرور فعليه أن يختار أكبرها واجداها، وشبه ذلك بالأمير، وأنه إذا أراد أن يسرق فليسرق الغالي والنفيس لا سقط المتاع، لأنه في كلا الحالتين سيرتكب الذنب وينال العقوبة.

” كلب الأمير أمير الكلاب “.
أي أن حارس الأمير أو وزيره أمير على بقية الحرس أو الوزراء باعتبار أن الإمارة أعلى سلطة في البلد.

” كل من حط فلوسه بنت السلطان عروسه”.
ويقصد به أن المرء كلما كانت أمواله أكثر، كلما كان قادراً على الوصول إلى الطبقات العليا في المجتمع، حتى أنه قادر على الوصول إلى أهل السلطة والانتماء إليهم من خلال المصاهرة.

من لبنان:

” كل ما حدو بيت السلطان خيلهن بتمد الخنفسة رجلها”[28] ويضرب في الشخص قليل القيمة أو ضعيف التدبير، ويتدخل في أمر لا يعنيه بهدف تفخيم ذاته، وضرب المثل هنا بالسلطان لما له من مكانة عالية بحيث يتمنى أمثال هؤلاء أن يكونوا من أتباعه أو اتباع أتباعه لينالوا مكانة بين قومهم.

“هللي بدو ياكل من خبز السلطان بدو يضرب بسيفو”.
ومعناه أن من أراد العلا والرفعة فعليه أن يشحذ همته ويبذل قصارى جهده، وقد شبهة الغاية الكبيرة هنا بخبز السلطان، وشبهت الهمة بالسيف، وكلاهما في الوعي الشعبي من عناصر وأدوات السلطة، فالسلطان العنصر الأكبر في السلطة، والسيف أهم أدواتها.

ومن الثقافة الهندية رصدت عدة أمثال وحكم:

” كنوز البخيل تؤول إلى اللصوص و الملوك”.
في إشارة إلى عاقبة البخل، حيث جاءت السلطة هنا بما تمثله من سطوة كعقاب ومصير.

ومن الحكم الهندية :

  • ” في الحب يتساوى الشحاذ والملك”.
  • ” القرية الخالية يصبح الثعلب ملكا”.
    أي أنه في البلد الذي تقل فيه أسباب العدالة والحكم الرشيد من الممكن أن يأتي شخص ماكر ويصبح ملكاً عليها.

” عامل ابنك كأمير طوال خمس سنوات، وكعبد خلال عشر سنين، وكصديق بعد ذلك”.
تختزل هذه الحكمة دليل التربية في المجتمعات الإنسانية عامة، ففي مرحلة الطفولة يعامل الابن ابنه كأمير فعلاً، فيستجيب لطلباته وينفذ ما يريد، وعندما يبلغ مرحلة الشباب، يكلفه بالكثير من الأعمال وقضاء الحاجات، وعندما يستقل الابن وينضج تقتضي الحكمة أن يكون الأب صديقاً لابنه لأنه أصبح في هذه المرحلة صاحب مسئولية كأبيه، فلا بد أن تكون علاقتهما مبنية على قواعد جديدة منها الصداقة التي من أسسها تبادل الآراء والأفكار.

وورد في كليلة ودمنة[29]

  • ” السلطان سلطان سلامه”.
  • ” خير السلاطين من عدل في الناس”.
  • ” ثلاثة هن أصفار: المرأة التي ليس لها بعل، والأرض التي ليس فيها ملك، والنهر الذي ليس فيه ماء”.
  • ” أربعة لا ينبغي أن تكون في الملوك: الغضب والبخل والكذب والعنف”.
  • ” من خلق الملك أنه إذا غضب لا يسأل أحد”.
  • ” رأس الحزم للملك معرفة أصحابه، وإنزالهم منازلهم على طبقاتهم”.
  • ” إن أفضل ما حفظ به الملك ملكه وثبت به سلطانه وكرم به نفسه.
  • ” إذا كان للملوك فضل في مملكتهم، فللحكماء فضل في حكمتهم أعظم من الملوك.
  • لأن الحكماء أغنياء بالعلم، وليس الملوك بأغنياء عن الحكماء بالمال.”
  • ” يزداد الملك برأي وزراءه استبانه، كما يزداد البحر بمجاوره من الأنهار”.

أمثال من الثقافة الأوروبية:

تحفل الثقافة الأوربية بالعديد من الحكم والأمثال المتعلقة بالسلطة كالقول المنسوب للمسيح ( ع) في الإنجيل ( دع ما لقصير لقيصر وما لله لله)، حيث تعد من أهم  الأدلة الدينية عند الكثير من المفكرين الغربيين على شرعية فصل الدين عن الدولة.
ومن الأقوال الأوربية والتي ترجمت للعربية وأصبحت من أشهر الأقوال الشعبية العربية ” الحيطان لها آذان”، ويضرب في البلدان العربية للدلالة على حضور السلطة من خلال أجهزة أمنها السرية.

بريطانيا:

إلا أن قصته جاءت من بريطانيا، حيث يحكى أن ملكة بريطانيا “كاثرين أراغون” وضعت أجهزة تجسس على القاعات والمطابخ لتتنصت من خلالها على العامة والعمال، وبذلك تفاجئهم بمعرفتها المسبقة بما يتحدثون عنه.
ويشابهه في اللفظ والمعنى المثل الألماني : الليل له أعين.
وينسب الى لويس الرابع عشر قوله  –     ” القانون هو انا”    وقوله:     ” الدولة انا”.

فرنسا:

في إشارة للملكية المطلقة التي كانت سائدة في فرنسا قبل الثورة، واعتبار أن الشعب ليس سوى رعية ومجرد عنصر من عناصر السلطة.

ألمانيا:

” اذا رغبت في أن تختبر إنساناً ضع في يده سلطة”.

وقال أفلاطون:

” الملك كالبحر تستمد منه الأنهار، فأن كان عذباً عذبت، وإن كان ملحاً ملحت”.

ما هي اتجاهات السلطة السياسية في ثقافات الشعوب:   

يمكن القول أن السلطة السياسية أفردت لها الثقافات الإنسانية مساحات واسعة، جاءت في  ثلاث اتجاهات رئيسية، الأول احتلالها صدارة الأدب الكلاسيكي طوال أكثر من ألف حتى عصر التنوير ونشوء النظم الديمقراطية وسيادة المدنية الليبرالية.
والثاني وجودها بشكل مباشر وغير مباشر في العديد من العلوم الإنسانية والاتجاهات الفكرية والثقافية.
والثالث تراجع مركزيتها ورمزيتها في الأدب الحديث بعد تحولها في الثقافة العامة إلى مجرد مؤسسة قانونية تدار في إطار دائرة دستورية محكمة، وتحول مناصبها إلى وظائف عمومية.

ما هي السلطة السياسية من منظور الثقافة الشعبية:

وفي الثقافات الشعبية فقد تعددت محاور معالجة دور وعلاقة السلطة بالمجتمع، المحور الأول بيان أهمية دور السلطة، كقول الجاحظ ” لولا السلطان لأكل الناس بعضهم بعضا”، والثاني نقد السلطة، كقول ابن منظور ” المِلك عقيم لا ينفع فيه نسب، لأن الأب يقتل ابنه على المِلك “.
والثالث نصيحة أهل السلطة، كقول كعب الأحبار” السلطان ظل الله في أرضه، من ناصحه اهتدى ومن غشه ضل”.
والرابع  تسفيه سلطة الجور وتعظيم سلطة العدل كالقول ” دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة”.
وقد عالجت الآداب الشعبية السلطة كتابو ورمزية وتحديداً الحكم والأمثال والأقوال.

ثلاث اتجاهات من معالجة السلطة كتابو و رمزية في الآداب الشعبية:

الأول: مجدت السلطة بشكل غير مباشر وأشارت إلى أهميتها وموقعها الكبير في وعي الناس كالمثل القائل “إن لبست البس حرير، وإن عاشرت عاشر أمير”.
الثاني: رمزت إلى فسادها كالمثل القائل : “إذا صار خصمك القاضي من تقاضى”.
الثالث: ذم السلطة من خلال تشبيه السلوك الشائن بها  كالمثل القائل ” جيتك عون صرت علي فرعون”.

ما مدى التأثير و التأثُّر بين السلطة السياسية و الثقافة الشعبية؟

يمكن القول أنه كلما تضخم دور السلطة السلبي في المجتمع كلما زادت مساحتها في الثقافة، بهدف تقويمها وإصلاحها، وكلما استقامت تضاءلت معالجتها، ورغم أهميتها كمحورية من محاور علم السياسة والإدارة، وموقعها الأول في البيئة السياسية عند كافة الشعوب دون استثناء، إلا أن طرحها وتناولها في الثقافات الشعبية يظل ذو تأثير أكبر وأوقع وأكبر لما تتسم به من قدرة على مخاطبة العقول والنفوس، نظراً لعذوبتها ورقتها وامتزاجها بالطبائع الإنسانية المختلفة، ولقدرتها على الولوج إلى أعماق الذات البشرية واختراقها والتأثير فيها أكثر من أي اتجاه معرفي آخر.

 المصادر و المراجع

[1] كاتب وباحث وقاص – المملكة العربية السعودية- المنطقة الشرقية – القطيف
[2] نهج البلاغة ( خطبة رقم 40).
[3] راجع : تاريخ بغداد – الجزء الرابع- ( الخطيب البغدادي).
[4] اغاثة اللهفان في مسائل السلطان ( ابن قيم الجوزية).
[5] مقدمة ابن خلدون (هو عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون).
[6] راجع: غرر الحكم ودرر الكلم .
[7] ديوان الرسائل (محمد بن الحسين بن محمد أبو الفضل).
[8] كشف الغمة في معرفة الائمة (أبي الحسن علي بن عيسى الإربلي).
[9] بهجة المجالس وانس المجالس ( ابن عبد البر).
[10] تحسين القبيح وتقبيح الحسن (الحسن الثعالبي).
[11] نفس المصدر.
[12] عيون الأخبار ( ابو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري).
[13] اللطائف والظرائف ( أبو منصور الثعالبي).
[14] القول الجلي (محمد بن نزيه الرمطوني – محمد بن علي الأطرش)
[15] البداية والنهاية – الجزء العاشر ( ابن الكثير ).
[16] تاريخ مدينة دمشق – الجزء الاول ( ابن عساكر ).
[17] المستطرف في كل فن مستظرف (بهاء الدين الأبشيهي).
[18] نور الحكمة ( د. جهاد علي بني بكر).
[19] سيف القضاة على البغاة (محيي الدين الكافيجي).
[20] الادب الصغير ( عبدالله بن المقفع).
[21] صحيح أبي داود.
[22] مسند الفردوس ( أبي شجاع بن شهردار بن شيرويه الديلمي).
[23] سراج الملوك ( ابو بكر محمد بن محمد الفهري الطرطوشي ).
[24] الحاوي في التفسير (عبد الرحمن بن محمد القماش).
[25] حيث درجت العادة ان يتحول الفراعنة الى الهة في مماتهم ، ولكنه كسر القاعدة ونصب نفسه اله في حياته وبعد مماته.

[26] يعود اصله الى قصة رجل مصري من الصعيد كان غنيا وفي نفس الوقت كان متكبرا وقاسيا ، ويعامل الفلاحين باذلال وتحقير، وفي يوم ما خسر كل ثروته وغذا فقيرا، فاضطر لطلب عمل عند الفلاحين الذين اذاقهم الهوان ايام غناه، فطردوه واذاقوه بعض ما صنع فيهم، الا واحدا رحب به وفخمه وناداه بلقبه ( باشا) الذي كان يعرف به ، فابتهج واطمئن ، فسأله عن العمل الذي سيكلفه به . فقال له ان عنده ثورين ، احدهما مريض ، ويريد ان يجعله مكانه ، واخذ يعظم له شخصه مرة اخرى فوافق، ثم انه اصبح مكان احد الثورين وبدء العمل ، والفلاح يشجه بالمديح له وتمجيده بـــــ يا ( باشا)  ، وزين له عمله مكان الثور، وظل الرجل يعمل حتى غربت الشمس ، فأعطاه الفلاح بضعه دنانير وصرفه، فعاد الى بيته وقد غاب وعيه وتقرحت قدماه الا انه رغم ما قاساه من فقر وبؤس وذل تحدث مع اولاده بفخر وزهو وكبرياء. فسألوه عن اي عمل وجد. فأجاب: أشتغلت ثور!.

[27] ويشبهه في القصد والمعنى : إذا بدك تسرق أسرق حرير وإذا بدك تحب حب أمير.
[28] ويوافقه في اللفظ والمعنى : ”  إجوا يبيطروا خيل السلطان، مدّت الخنفسة إجرها”.
[29] كتاب القصصي هندي مشهور ، شخصياته جميعها من الحيوانات، نقله ابن المقفع للعربية في العصر العباسي.

فيديو مقال تابو السلطة في ثقافات الشعوب

أضف تعليقك هنا