دستور الخالق

بقلم: ولاء عطشان

كون فسيح، تنوع الخَلق، دقة في الصنع، نظام دقيق حيث إشراقة الشمس وخفوتها وحلول الظلام وانجلائه.

من يتفكر بمسير الكون يرى عظمة الخالق وإبداعه

من يتفكر بمسير الكون يرى عظمة الخالق وإبداعه. خالقٌ لا تُدركه عقول خلقه، لقصور عقولهم عن إدراك عظمته. هيّأ لهم سبل العيش، بسط لهم أمور حياتهم، وجعل دستوراً لدولته يضمن به حقوقهم، أوصى بالالتزام بدستور دولته والمُضي به كي لا تختل حياتهم.

هناك فئة لم تطبق دستور الخالق

لم يُطبق دستوره إلا ثلة قليلة فجعل هذه الثلة تُمثله وتهتم بشؤون خلقه في دولته العظيمة.ولكن سكان دولته لم يتبعوا حكمه ولم يلتزموا قوانين الدستور.قوانين دستوره الذي جاء بتسمية الدين، والذي يضمن لهم كل حقوقهم والحياة الطيبة.فمن قوانينه.. الحب، التعاون، ورفض الظلم، والعدل والمساواة والحرية للأفراد، ومساعدة الآخر، واكرام النفس البشرية، واحترامها، وعدم سفك الدماء، وعدم إيذاء أحد من خلقه، إلا من اعتدى وتجاوز الحد فيُعاقب بما قام به وفق مايستحق… وقوانين كثيرة تضمنها دستوره، ترسم للفرد حياة طيبة ما إن طبقها الأفراد.

ظهرت شخصيات اتخذت دستور الخالق منهجاً وهي لاتفقه من دستوره شيئا

بينما ظهرت شخصيات تبين إنها تتخذ دستور الخالق منهجاً وتحاول تطبيقه، و واقعاً هي لا تفقه من دستوره شيئاً، تلبست بلباس الإصلاح ونسبتْ نفسها للدين الذي هو قوانين الخالق لكنها لا تريد لقانون خالق الكون تطبيقا، لأنها تحمل نفوساً مريضة لا تريد الخير أن يعم الجميع، بل تفكر بالطرق التي تحتال بها وتكون المستفيد الوحيد من هذه الدولة.

لكنها غفلت عن إن صاحب الدولة سوف لن يدعها تظلم في دولته كثيراً فهو حكيم ويمهل لوقت فقط ثم يُقر حكمه.وما يُحزن ويؤلم القلب ان سكان دولته الذين ينعم عليهم، ووضع الدستور بقوانين تضمن كافة حقوقهم، يرفضوا الحكم بقوانينه وينفروا من حديث يخوض بدستوره وحكمه. ولا يرون النفع وتحقيق العدل في دستور خالقهم الذي كوّنهم ويعلم ما يصلح لهم.

حصروا دستور الخالق (الدين) بأفراد زعموا أنهم يمثلوه

حصروا دستور الخالق (الدين) بأفراد زعموا أنهم يمثلوه وهم لا يفقهوه ولا يخدم مصالحهم، فتلبسوا فقط بلباس يخدعوا به السُذج بأنهم يسيرون بدستور الحكيم وواقعاً لم يسيروا بقانون واحد منه.فلما رأوا عدم تحققه نفروا منه، وهذا الخطأ الذي سبب لهم توهان وضياع. لأنهم مثلوا الدين بأشخاص، ولم يعودوا للدين نفسه وما يحمل. وإلى ذلك يُنبه ويشير من جعله الخالق ممثلاً لدولته علي أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال لسائل:

مما قاله علي بن أبي طالب لسائلٍ يسأله

” إنك إن نظرت تحتك ولم تنظر فوقك جزت عن الحق؛ إن الحق والباطل لا يعرفان بالناس، ولكن اعرف الحق باتباع من اتبعه، والباطل باجتناب من اجتنبه.”المصدر: الأمالي للطوسي: 134 / 216، وفي الطرائف: 136 / 215: ومن ذلك ما ذكره الغزالي في كتاب ” المنقذ من الضلال ” ما هذا لفظه: العاقل يقتدي بسيد العقلاء علي (عليه السلام) حيث قال: ” لا يعرف الحق بالرجال، إعرف الحق تعرف أهله ” فشهد أن عليا سيد العقلاء.وقال عليه السلام: إنك لم تعرف الحق فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه. نهج البلاغة: الحكمة ٢٦٢.

بيّن علي نظام الحكم المُفترض اتباعه والعمل به

وقد بيّن أمير المؤمنين علي عليه السلام نظام الحكم المُفترض اتباعه والعمل به لمن يتولى زمام أمور الحكم برسالته الحكيمة لعامله على مصر مالك الأشتر التي اشتملت على قوانين ونهج قويم. والتي أخذ منها الغرب شعاراً وجعلوه واجهة للبيت الأبيض وهو قوله عليه السلام: الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق. الذي يحمل رسالة إنسانية عظيمة.

مما جاء في كتاب علي بن أبي طالب

جاء في كتاب الإمام علي في الفكر المسيحي المعاصر مايبين كمال الدستور الإلهي ومن اختارهم لتطبيقه:

“وصف الشيخ عبد الله العلايلي لعلي عليه السلام عندما تكلم عنه قائلاً:

“شاء الحق أن يقدم نموذجه فكان علياً.. وشاءت الإنسانية العليا أن تعترض متألقة في أفق الأحياء فكانت علياً…”.

علي هو أنموذج الحق الإلهي

فالإمام علي عليه السلام هو أنموذج الحق الإلهي الذي بعثه الله سبحانه وتعالى بيننا ليثبت لقلوبنا أن رب السماوات والأرض المرموز إليه بالكمال والجمال والجلال هو حق لا مراء فيه، وأنه سبحانه وتعالى فوق كل النعوت والصفات، بل وهو أيضاً فوق ما يخطر في بالنا، وهو غير ما تتوهمه عقولنا، وقد شاء الله الواحد الأحد عز وجل أن يدلنا على كماله وجلاله في سماواته. فأهدى إلينا ترجمة حية  وصورة صادقة لنموذجه في السماء، فكان ذلك النموذج الحي هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام على الأرض.

الأئمة الاثنا عشر معظمون جداً

أما الراهب الفرنسي (لويس غارديه)، المولود في عام/1904/ والمتخصص في دراسة الفكر والحضارة الإسلامية، فلا يكتفي باعتبار الإمام علي عليه السلام محط أسرار الرسول المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – ومستودعه، ولا يتوقف عند حدود اعتبار أن الرسول محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم – قد كشف للإمام علي عليه السلام حقيقة الكلام السماوي الإلهي الخالد والمعاني العميقة له لدرجة أن جوهر علي عليه السلام قد تألق بأطياف المعاني القدسية للحقائق الإلهية المتجلية في كتابه الكريم، بل يعتبر (غارديه) أن “الأئمة الاثنا عشر معظمون جداً، فكلهم وهب العصمة والمعرفة المطلقتين اللتين تجعلان منه – من الإمام – أشبه بانعكاس لصفاء العلم الإلهي على الأرض”.

فها هم من مثّلوا دستور الخالق

فها هم من يمثلوا دستور الخالق (الدين القويم) فلما ترى المبتعدين عن هذه القوانين، المخادعين الذين يدّعون أنهم يتبعون قانون الخالق، لا تنسب أخطاءهم وأفعالهم السيئة، وبخسهم الحقوق للدين وتجعله سبباً لضياعكم، بل اعرف الدين حتى تعرف من يُمثله فعلاً قبل أن تتبنى قولاً وفكراً معينا.

بقلم: ولاء عطشان

أضف تعليقك هنا