سنة أولى سياسة

حراك الجزائر سنة أولى سياسة

اليوم ليس عيد ميلاد الحراك فالحراك بدأ قبل هذا بسنوات عندما كان الرجال يحاربون في البرلمان وفي الاعلام الخارجي والعمل الجواري ومدرجات الجامعات وأعمدة الصحف.
انه عيد ميلاد طائفة نستطيع تسميتها طفيليات السياسة والنضال أو سنة أولى سياسة جيل كان تائها بين الرقص و الانتهازية والسباحة مع التيار المتمكن  واللقمة ثم تفاجأ أن بوتفليقة ليس الها ولا خالدا بل يمكن أن نقول له لا في العلن كما كانت تقال له في السر فوجئ هؤلاء كما فوجئ العالم أن مفعول جرعة الخوف التي حقن بها هذا الشعب في العشرية السوداء قد زال مفعولها مع وسائل التواصل الإجتماعي وعززها الربيع العربي الذي مررنا منه بأعجوبة مع توافر كل أسبابه استفاق هذا الشعب بعد كل تلك الاستفزازات والفساد والقهر الاجتماعي والاقتصادي الذي لاقاه مع امكانية عيشه حياة كريمة انتهى زمن الاحزاب الورقية ومنظمات التملق ووزراء المحسوبية واعلام لا يمكن ان نصفه بالعار حتى لا نظلم كلمة العار.

السلطة خلف الكواليس

ولأن العصابات التي كانت تتصارع على السلطة خلف الكواليس لم تستطع الاتفاق على رجل جديد يكمل مسيرتها لأنهم يعرفون جيدا غدر بعضهم البعض ليشاهدو المعبد يهوي على رؤس الكل ولأنهم استخفوا بالشعب واستبعدوا احتمال زوال بوتفليقة فلم يجهزوا حتى خطة بديلة وبكل وقاحة طلبوا عاما اخر فقط لترتيب الأوراق ومع غياب اي جهة موثوقة شعبيا ومع تجربة اغراء السلطة لكل معارض او رفض الحراك تعيين اي ممثلين له ما صعب مهمة الوصول إلى أرضية مشتركة على الطرفين وحتى الشخصيات المقبولة والمظلومة.
من طرف نظام بوتفليقة كانت عندما تطرح مبادرات تقول أنها لا تمثل الحراك ولا السلطة وبقيت المعادلة صفرية تخدم الطرفين الحراك بزيادة الضغط ورفع السقف من اسقاط العهدة الخامسة ثم محاسبة الفاسدين الى “يتنحاو ڨاع ” والسلطة بربح الوقت وهندسة مخرج يكون مقبولا شعبيا ويحافظ على استمرارها وانطلقت مسيرة الشعبوية على الطرفين.

حراك بلا رأس

حراك بلا رأس وبمطالب شبه مستحيلة فكيف يمكن نزع الجميع مع رفض تقديم تمثيل يضمن استمرار مؤسسات الدولة والسلطة باصرارها على المضي نحو استحقاق 04 جويلية بوجوه بائسة ومستهلكة وبأيدي بوتفليقية وكانت نتيجة ذلك سقوط هذا الاستحقاق ولجوء السلطة الى أسلوب الحراك الذي تفطنت له وهو مواقع التواصل الاجتماعي وعمدت الى انشاء و شراء صفحات كبرى وتزويدها بأقلام مأجورة وموضوع قديم ومستهلك بحلة جديدة مسألة،
الهوية والانفصال في منطقة القبائل وهنا احتشد جماعتنا السنة أولى سياسة في المولود الجديد “النوفمبرية الباديسية”التي حقا كانت اطارا محكما ومدروسا بصبغة مخابراتية داهية يستوعب حسب العاطفة والشعبوية ومن قلب الحراك وهنا دفع الحراك ثمن عدم تقديم قيادة فانقسم على نفسه وبدأ يأكل بعضه بعضا لكن لأن الأغلبية كانت قد شبعت من هذا الكأس.

التيار لم يصمد أمام زحم الشوارع

لم يصمد هذا التيار أمام زخم الشارع وطرح الاعلام الحر ومضت الفترة بهذا المستوى من الاستقطاب والتشنج وبضمان جزء من الحراك اعلن عن الاستحقاق الرئاسي 12/12 وشكل ما سمي بالسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات للاشراف عليها لأول مرة في التاريخ ولأن السلطة لا تريد ادنى هامش للمغامرة فقد صادرت معظم صلاحيات هذه الهيئة من جمع الاستمارات ومراجعة القوئم الانتخابية وتعيين حتى المندوبين ورؤساء المكاتب.
وحتى رئيس هذه الهيئة اعترف في تأبينه للقايد صالح أن المرحوم هو من عينه شخصيا في خرق واضح للقانون حيث كان يفترض أن يعينه الرئيس المؤقت وطبعا أغلقت السلطة اللعبة قبل بدايتها ولم تفرج الا عن الأسماء القديمة التي عملت معها في خوف من تكرار تجربة قيس سعيد في تونس الذي نسف كل القراءات و الاستطلاعات وعللت السلطة ذلك بعدم اتمام العدد والمناطق مغفلة ان من اشرف على العملية هو ذاته من أعطى بوتفليقة 6 ملايين استمارة في أفريل الفارط.
وهنا اتضحت نية السلطة وانشق التيار الباديسي النوفمبري ومنهم من اعتذر ومنهم من شتم نفسه لتجد السلطة نفسها ماضية نحو المسار بقلة القلة مع خوف من الشارع واستمرار التصعيد وعزز من احتقان الشارع اعتقال مدونين وصحفيين وطلبة وتسليط احكام عليهم أغلبها تحت قبعة ما سمي”إحباط معنويات الجيش”.

رجل السلطة وزحم الشوارع

وحقيقة لم نكن نسمع بهذا الا في دولة السيسي وعاد الإعلام ليغلق مجاله وينبطح بطريقة فجة تحت رجل السلطة فكان لا يرى عشرات الآلاف الذين يجوبون الشوارع بينما يرى أنصار المسار الانتخابي وبنفس الإخراج جمع المترشحين عدد هائل من استمارات الترشح بلاحسيب ولا رقيب بإشراف نفس كتاب البلديات العامون زمن فخامته وعجت الحملة بخطابات شعبوية سرعان ما أسقطها الزمن كما سنرى وحقيقة لو تمنى النظام في أحلامه مثل هذا السيناريو فلن يجده أن يأتي رئيس من المنظومة السابقة لطالما كان يتردد اسمه منذ اقالته من على رأس الوزارة الأولى قبل عامين.
وبمباركة تبدو شعبية وبعد حراك وثورة على النظام وحاول مهندسوا الحدث عبثا صناعة حالة من التنافس والمناظرة التلفزيونية الا ان الأداء كان جد باهت ليسفر عن الرجل الذي قال عنه المجاهد لخضر بورقعة رجل النظام الذي يريدون له المبايعة ودخل بسببها السجن ورسم أحد المبدعين صورة لنفس المشهد وسجن بسببها ايضا وافرج عنهما لاحقا بعد تحقق رؤيتهما ولا تزال السلطة تبقي على أدوات الجريمة ألا وهي أحزاب الدولة التي انتمى الرئيسين السابق والحالي والمؤقت اليهما ولازالا يمتلكان أغلبية كل من البرلمان بغرفتيه والمجالس الشعبية البلدية والولائية ما يوضح أكثر ويرسخ مفهوم استمرارية الماضي كعقلية وكمنهج.

الحراك والرئاسة

جلس تبون على كرسي الرئاسة كما أرادوه ضعيفا بنسبة تصويت باهتة ومشاركة أبهت ودون ظهير شعبي يذكر وبلا أحزاب لأنها أصبحت ممقوتة علنا  ويجب أن تتوارى ولو لفترة وبلا تكنوقراط حقيقين لأنهم فعلا يعرفون تأزم الوضع وبدأ من حيث كان يجب أن يبدأ رئيس مؤقت زمن الحراك جلس مع الذين قدموا أطروحات لتجاوز الأزمة وقت الحراك لكن بعد فوات الأوان.
فقبل الرئاسة كانت الضمانات ستكون بمعنى أما بعدها فلا ضمانات ولا ثقة في ظل بقاء الشعب في الشارع وحتى القوة الرمزية التي كان يستند اليها وهي الڨايد صالح لم تشأ الأقدارأن يبقى معه ولو لعشر أيام ورحل في ظروف عادية وغير مشبوهة طبعا لا شكلا ولا توقيتا ولعل ذلك أبلغ رسالة يمكن أن يتلقاها الرئيس في بداية مشواره فاختيار الطريق أصبح محتوما بين إرادة شعب وإرادة دولة عميقة تحتية تتحكم في كل شيء فعمد الى ورشة التعديل الدستوري بنفس أشخاص بوتفليقة وبنفس طريقته في حين كان يفترض أن يقوم بهذا هيئة منتخبة شعبيا في نقاش علني ومشاورات اجتماعية واسعة وهذا ما لم يتم والمخرجات معروفة.
وجاءت خطوة تشكيل الحكومة نوعا ما مقبولة بعد تنكره للتيار الباديسي النوفمبري الذي مهد له الطريق بشق الحراك واضعافه واعطى صورة أن عهد المكافآت قد انتهى وهي خطوة ايجابية وأصدق من كان يحذر منها هو رئيس حركة مجتمع السلم أو مايسمى إخوان الجزائر بين قوسين الدكتور عبدالرازق مقري فكان أبلغ الشامتين في التيار الباديسي غداة تعيين الحكومة قبل ان يتملق السلطة الجديدة ويتودد اليها لاحقا بدعوى المظلومية تارة والمصلحة العليا للبلاد تارة أخرى وهو من جرب غدر السلطة واستعمالهم كمناديل ورقية ذات الاستعمال الواحد فلاهم استطاعوا التمكن من السلطة ولا حافظوا على ثقة الشعب في المعارضة ويبدوا أن هؤلاء لم يكونوا مناديل بل اتضح أن السلطة اعتبرتهم حفاظات فاحت رائحتها ووجب التخلص منها عاجلا خاصة وقد تنكروا لبوتفليقة ورموه في أول منعرج وبلا أخلاق ولا مبادئ.
 واختار من وزراءه من جهروا برفضهم للمسار الانتخابي غير أن ذلك لم يقنع الحراك وانطلق في عملية ديبلوماسية كبيرة في قضية ليبيا التي لم تشفع له خاصة بعد مهزلة اللقاء التلفزيوني السيساوي الخالي من أي معقولية فكان كلام مرسل وشعبوية لا تصلح حتى للاستهلاك وعاد ليواصل أمانة أسلافه مع الشركات الفرنسية في قضية الغاز الصخري بدعوى تفادي المديونية الخارجية وتحدث بلسان الشعب في خطوة ايجابية تحسب لمستشاريه حيث أطلعوه على تفاصيل حياتنا اليومية وتعامل مع الأمر كأي متقاعد في مقهى، وحتى قضية الأموال المنهوبة تبين انها مجرد دعاية انتخابية وأن الطريق لاسترجاع جزء منها يمر عبر التصالح مع رموز النظام السابق.

الحراك السياسي والشعب

مؤكد اليوم بعد عام من هبة الشعب ألا شيء تغير وأن الطريق مزال طويلا لتحقيق مطالب الحراك السياسية من اشراك الشباب وخلق مجال سياسي تشاركي حقيقي وتنظيف دواليب الادارة من الارهاب الأعمى وهو المحاباة والمحسوبية والاستغلال والجبروت وإقصاء كل من لا معارف له فالشارع مزال يعيش لحظة بوتفليقة الإقتصادية والإجتماعية والرئيس الحائز على صلاحيات لا سقف لها رئيس جمهورية ورئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع القاضي الأعلى في البلاد مزال يكلف بتشكيل لجان ودراسة قرار واستصدار قانون وصياغة مشروع والشارع ينتظر قرارات جريئة بحجم الصلاحيات وبحجم تطلعات الحراك.
ولعل أولوية الأولويات في هذا التعديل الدستوري الجاري بين قوسين هو تغيير النظام من رئاسي الى برلماني أو شبه رئاسي للحد من هذه الصلاحيات واعطاء قيمة للهيئة التشريعية واعادة بعث دور الاحزاب في تشكيل الحكومات ووضع برامج خارج إطار الرؤية الواحدة غير أن كل الإصلاحات في نظر الشارع أشبه بصلاة وزكاة وصيام المسيحي لا قيمة لها بدون نطق الشهادتين والشهادتين هنا هما مربط الفرس مابين النوايا و الأفعال والشعبوية تدور رحى صراع صفري يعيد نفس الماء الى نفس النهر.
ولابد أن من واقعية الطرح أن الرئيس يواجه جذور دولة عميقة لا أصدقاء لها ومخالبها حادة وعمرها طويل وباب الدخول إلى المرادية ليس كباب الخروج وما مشهد بوضياف والشاذلي وبوتفليقة ببعيد وعلى الشارع أن يفترض فيه النية والرغبة في اجتثاثها عبر المرافقة رغم أن الأفعال كثيرا ما تشي بعكس ذلك ويجب أن تترك مدة السماح كما تدعى في لغة الإقتصاد لإظهار حسن النوايا والمدة في حجم دولة منهارة في كل المجالات لن تكون قصيرة.

المواطن يحتاج ايضا لمراجعة نفسيته

فالتعليم أفرغ من محتواه والتلميذ أصبح بلا معارف ولا قدوات ولا مبادئ الا ما ندر والجامعة اصبحت كادرا بلا روح و المستشفى اصبح مقبرة والمسجد اصبح ملكية خاصة والمجتمع أصبح غابة بمعنى حالة الطبيعة عند توماس هوبز فالانسان أصبح ذئبا لأخيه الانسان التاجر يسرق الزبون والطبيب يتاجر بالمريض والاستاذ يتاجر بالتلميذ والاعلامي أصبح بوقا مأجورا وكلب حراسة والإمام أصبح ناطقا بإسم النظام مسبحا بحمده ونحن على مسافة سنين ضوئية للعودة الى مفهوم العقد الاجتماعي في معناه الحقيقي عند روسو ولا نحلم بجمهورية أفلاطون ولا مدينة الفارابي الفاضلة بل يسعى المواطن اليوم الى الحد الأدنى من الكرامة في بلد يسبح في خيرات من البترول والغاز والذهب والحديد ومساحات شاسعة من سهول خصبة منتجة لكل شيء حرفيا ومكاسب ربانية من سواحل وثروة سمكية وحواضر سياحية ومنتوجات ذات جودة عالمية لا يستطيع المواطن الاستثمار فيها بسبب مافيا الاستيراد و البيروقراطية الادارية رغم تربع العامل البشري على كفاءات وطاقات هائلة أثبتت امكانياتها بمجهودات فردية في الداخل والخارج.
كما أن المواطن يحتاج ايضا لمراجعة نفسيته المغرورة والمتعجرفة والمنفصلة عن الواقع بعبارات الشعب العظيم والفريد الذي ليس كأحد وعلى رأي المفكر التونسي الصافي السعيد إننا ما لم ننظر الى افريقيا فلن نتطور علينا ان ننظر الى الاسفل لنعرف اين نحن لا نقارن انفسنا بأروربا يكفي ان ننظر الى اثيوبيا وتنزانيا واوغندا وساحل العاج لنعرف كم نحن متخلفين عن افريقيا وموهومين بأننا شعب الله المختار وما نحن في الحقيقة الا كتعبير الدكتور عزمي بشارة الا شعب الله المحتار.

فيديو مقال سنة أولى سياسة

 

أضف تعليقك هنا