شبح الإيغور يخيم على سماء الصين

توقفت لبُرهه بوسط المدينة أحاول أن التقط صورة لأحد المعالم الدينية وبينما أوجه عدسه الكاميرا نحو المَعلم وسط أنظار المارين لي، ليس سهوًا منهم سقطت أنظارهم نحوي كما أنها ليست من قبيل الاستغراب و إنما كانت نظرات من الترقب عن بعد تمتزج بقليل من القلق و كثير من الخوف.

و هو ما فُسر فيما بعد باقتراب مجموعة تتكون من خمسة إلى ستة رجال يرتادون زي أمني، بدى لي كذلك كما أنه سبق وشاهدت الكثير منهم يمرون بين العامة من الناس، و فى محاولة منهم لمصادرة الكاميرا بسحبها عن يدي بينما كنت أحاول أن أفهم ما الخطأ الذى يتوجب بسببه إتخاذ كل هذه الجدية بالتعامل.

و أثناء محاولتي لذلك، يبدو أن الأمر قد مر بسلام باكتفائهم بمراجعة المحتوى ومسح كل الصور التى قد التقطها مسبقاً على غفلة منهم تحتوى على مسجد أو أي شئ من هذا القبيل.

كيف لي أن أقنع نفسي أنني لم أفعل ما يستدعي كل هذه الحدة؟!

جلست على حافة أحدى الأرصفة مُتخذ منه مأوى ألتقط فيه أنفاسي المتسارعه و ألملم شتات أمري بهدوء، ولكنني ما زلت أحاول أن أُدرك الوضع وما يدور فى هذه المدينة غريبة الأجواء، لن يكون من الصعب من خلال نظره خاطفة حولك أن تُدرك حجم الموقف … الأعلام الصينية الموجودة بكثرة فى كل شبر لا مجال أن تقع عينك على أي من الأشياء التي يمكن أن يثبت بها علم وتجدهم قد فوتوا الفرصة عن فعل ذلك.

ما الذي وراء كل ذاك الحذر من مسلمي الإيغور؟!

الأشخاص أنفسهم تشعر بأن كل شخص لا يؤمن لغيره المار بجواره ناهيك عن تلك الأعين الألكترونية كم هائل من كاميرات المراقبة والتى بدورها ترصد أدق التفاصيل، إذ ربما أنها تعرف متى أستنشقت الهواء شهيقًا ومتى أخرجته زفيراً.
وسريعًا ستُدرك أنك بداخل سجن كبير، احتلال من نوع جديد رُغم قدم الحدث، ليس فقط ينطوي على احتلال الأرض وضمها بالقوة ولكننا أمام محاولة مستمرة لطمس الهوية حتى تندمج عن غير إرادتك جنساً ولغةً وثقافةً مع مصادرة كل الطرق التى تعتقد أنك تستطيع بمرور الوقت الرجوع من خلالها.

ما هي الممارسات التي يتعرض لها مسلمي تركستان الشرقية؟

ربما تُجبر على الزواج من حاملي الجنسية الصينية، أو يُنتزع عنك أطفالك، أن لا تتحدث بلغتك، أن تمُنع عن ممارسة عقيدتك بكل تفاصيلها لا صوم ولا صلاة، قُفلت أبواب المساجد جبراً، ومنها ما فتح كمزاراً سياحياً يُدفع لدخوله بدون ضوابط تحفظ للمكان قدسيته.

حتى أن فى إلقاء التحية ( السلام عليكم ) قد تُرد عليك بعد تردد وخوف، ولا سبيل للاعتراض و إلا أصبحت فى نظرهم متمرداً تعتقل على ذلك أعداداً كبيرة تفوق المليون فى معتقلات صينية خصصت لذلك تمارس فيها أبشع طرق العذاب لِتطويع العقول وميلها إلى مُغايرة المعتقد، طريقة جديدة لإبادة العقل لا الجسد.

ما الحالة الذي تصورها الحكومة الصينية للإيغور و ما حقيقة ذلك؟

“تركستان الشرقية”، أو كما تسمى في الوقت الحاضر بــ “شينجيانغ”، وهي الوطن للأويغوريين و التى تعتبرهم الحكومة الصينية الشيوعية أقليلة رُغم أن عددهم لا يضعهم تحت هذا الوصف، لأنك بمجرد أن تتحدث مع أحدهم وتدقق فى تلك الملامح التى تتحدث إليها سوف تجدها لا تشبه المواطنين الأصليين للصين كما أن اللغة أيضا مختلفة، ولكننا لن نتحدث عن تاريخ الأيغور إذ أنه تاريخ حافل تحدث عنه الكثير من المؤرخين, وتصدرت أخبارهم الوكالات الإعلانية و إن كان لفترة وجيزة لمجرد أن الجمهور العام قد سلط الضوء نحوهم، وذلك ربما يكون فيه بعض من الإيجابية إذ أنه بتأكيد آثار فضول الكثيرين ممن لم يكن لديهم العلم بهم.

هل يمكننا القول بأن القضايا الإنسانية مُصادرة لصالح استعمار النفوذ الاقتصادي؟!

إننا فقط نأمل أن يتخلص العالم من استعمارية النفوذ الاقتصادي فى تحريك القضايا الإنسانية، وذلك على حد السواء، فالكثير من القضايا المُثارة سواء فى الشرق الأوسط بوجه خاص، و التحركات الآسيوية فى الآونه الآخيرة.
إن الأمر لم يعد يستدعي أن يُثار الجدل بشأنه طويلاً، لأنه أصبح أكثر وضوحاً عن ذي قبل، حتى أن العقول و على مختلف الأعمار أصبحت مُدركة تسلسل الأحداث وتركيبتها المفتعلة.

ما الذي يجعل منظمات العالم أن تغض الطرف عن قضايا الاضطهاد الحاصلة في بعض البلدان؟

إن العالم بقضاياه المفتعلة اليوم من حروب و فساد وفتن ونزاعات عرقية و انتشار للأوبئة و ما ينتج عن كل تلك القضايا من دمار، أحداث مفتعلة رُتب لها وخطط بأحكام ولكنها تظهر ما أن تجد لها المناخ الملائم لذلك، ويظل الأمر مجهولاً عن الأعين ولكن القلوب قد تبصر الأيدي الخفية ذات النفوذ الاقتصادي التى تتحكم فى موازين العالم، وتتحكم فى الضمائر المتلونه فتطمس الحقيقة فى وحل الزيف.

هذا ما يجعل منظمات العالم و التى أوكلت لنفسها الدفاع عن الحريات و التصدي للنزعات العرقية و العنف الدولي، أن تغض الطرف عن الكثير من الأحداث المُتلاحقة ( العدوان الاسرائيلى، اضطهاد مسلمى ميانمار، الإيغور فى الصين، كشمير و النزاع الحدودى بشأنها، حرب سوريا و اليمن، النزاعات الأفريقية و المجاعات، إنشاء جماعات متطرفة تعود بذورها لدول كبرى فقط لتعطي نفسها الشرعية فى السيطرة و الهيمنة على مرابط العالم باسم محاربة الأرهاب ) كل ذلك وأكثر، فقط يُسلط الضوء عليها حينما تُريد تلك الأيدي الخفية أن توجه مسار العالم نحو طريق ما أو تُريد أن تُلهينا عن شئ ما يُدبر.

وهنا يتوجب أن نتوقف أمام ثلاثة أمور:

إما أن ما يحدث فى الصين الآن أمراً مُفتعلاً لإسقاط قوة الصين الشيوعية بعد الكثير من المحاولات الفاشلة بتضيق الخناق إقتصاديًا؟!
أو أنه أمرٌ يخُص الحكومة الصينية ولكنها فقدت السيطرة عليه لينتشر بهذا الشكل المأساوي؟!
أم ترى أن شبح الإيغور يخيم على سماء الصين؟!

فيديو مقال شبح الإيغور يخيم على سماء الصين

أضف تعليقك هنا