علاقة الاتحاد السوفياتي بمصر الناصرية بين 1956-1970

مقدمة

في منتصف الخمسينات من القرن العشرين وجد الاتحاد السوفياتي نفسه أمام ضرورة لا مفر منها تتمثل في الإعادة النظر في الخيارات السابقة تجاه دول الشرق الأوسط .

1) وضعية الاتحاد السوفياتي مع العرب قبيّل 1956 

[1]  بدا لكل المراقبين السياسيين في العالم حينها أن ذلك كانت موسكو تحلم فيه بحدوث ثورة في صلب المجتمع الشرقي –أوسطي تقودها اسرائيل بفضل الأفكار الاشتراكية و الشيوعية التي كانت منتشرة بين صفوف الصهاينة الأوائل ,قد ولى دونما رجعة .لقد كان السوفيات مصابين حينها ب”العشى الإيديولوجي” الذي كان سببه انتماء عدد هام من الصهاينة المتقاطرين على التراب الفلسطيني الى الأحزاب الشيوعية و الاشتراكية ببلدانهم الأصلية في كل من أوروبا الوسطى و الشرقية.

لقد فات قادة الاتحاد السوفياتي الذين راودتهم هذه الأحلام سنة 1947 حينما كانوا السباقين في الاعتراف ب”دولة إسرائيل” و بقرار التقسيم بالأمم المتحدة, أنّ حكام  الكيان الصهيوني أولا و قبل كل شيء هم صهاينة و لم يعد الولاء الإيديولوجي و القومي الى البلدان الأم.

ولم تنفخ رياح الحرية التغيير باتجاه الشرق الأوسطي لا عن طريق الكيان الصهيوني و لا حتى عن طريق الاحزاب الشيوعية
العربية,بل عوضا عن ذلك وجدت نفسها في بداية الخمسينات من القرن العشرين خارج اللعبة على مسرح الشرق الأوسط وذلك على صعيد الدول و الحكومات كما هو الشأن على الصعيد الجماهيري العربي.لذلك فإنها بمجرد أن شعرت بهذه الحقيقة سعت حثيثا الى تدارك أمرها و اعادة قراءتها للأوضاع و اتخاذ القرار الذي يتناسب مع الواقع. كما ان تطور الموضوع النووي من جهة أخرى قد دفع الاتحاد السوفياتي الى مراجعة علاقته تجاه العالم القابع على أطراف حدوده الجنوبية.

في السابق ,كان الروس يكتفون بالبقاء داخل أراضيهم

في السابق ,كان الروس يكتفون بالبقاء داخل أراضيهم مع الحفاظ على المستوى الامني اليقظ,لكن تغيرت المعطيات منذ ذلك الحين و أصبح يتعين على السوفييت أن يحافظوا على عين ساهرة ليس فقط تجاه البلدان التي تتقاسم الحدود معهم على شاكلة تركيا و ايران ,و أيضا  على بلدان الأبعد مثل العراق أو سوريا وو كذلك شمال افريقيا الذي تتبوأ فيه مصر مكانة مرموقة.
و هكذا كان يتنزل التقارب المصري السوفياتي ضمن هذه القراءة الجغراسياسية المستجدة التي بدأت بصفقة الأسلحة التشيكوسلوفاكية في 1955 لفائدة مصر .فمتى بدأ التقارب المصري -السوفياتي و ماهي تجلياته و ماهية نتائجه ؟

2) بدايات التقارب بين الاتحاد السوفياتي ومصر خلال العدوان الثلاثي:

كانت هذه التحولات المتمثلة في بداية التقارب مع موسكو في حد ذاته مصدر قلق للدوائر الغربية في لندن و باريس وواشنطن.
فقد كانت هذه العواصم منزعجة من هذا المنحى الجديد في السياستين المصرية و السوفيتية على حد السواء,لكن يجب ألا ينسينا ذلك حدثا مستجدا آخر سيزيد في خنق العواصم الغربية,هذا الحدث تمثل في إقدام النظام المصري على تأميم قناة السويس، و بالفعل في 1956/07/26 ,أعلن جمال عبد الناصر وسط حشد جماهيري كبير بمدينة الاسكندرية عن قرار تأميم الشركة العالمية
لقناة السويس و انجرت عنه ما سمي بالعدوان الثلاثي على مصر (1956/10/29)-(1956/11/07).← كانت الضغوطات الدولية من أجل وقف حرب السويس سنة 1956 بشكل رئيسي و لأسباب مختلفة تماما من القوتين الأعظم : الولايات المتحدة و الاتحاد السوفياتي.

[1] فرج معتوق,درس بعنوان حرب قناة السويس أو العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956,قسم التاريخ سنة 3 اجازة ,كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية بتونس,2018-2019.

لقد برز الموقف السوفياتي في وقوفه ضد العدوان الثلاثي منذ اليوم الأول

لقد برز الموقف السوفياتي في وقوفه ضد العدوان الثلاثي منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه المعارك أي 5 نوفمبر اذ أمر رئيس المجلس السوفياتي الأعلى خروتشوف يومها على الساعة 11 ليلا بإرسال رسالة الى كل من سفيري فرنسا و بريطانيا يهدد فيها يضرب كل من باريس و لندن بالصواريخ في حال عدم وقف العدوان ,و بوضع حد للوجود الاسرائيلي نفسه.
إلا أن البلدين المعنيين لم يحملا التهديد السوفياتي على محمل الجد ،و اعتمدا على غطاء الناتو و كذلك على واشنطن بشكل أو بآخر.

نتائج العدوان الثلاثي

فكانت نتائج العدوان معاكسة تماما لكل من الانجليز و الفرنسيين (استفادة اسرائيل ) فخرج جمال عبد الناصر منتصرا في عيون المصريين و في نظر العرب.

طرح وفاء مجاني 

بالنسبة للاتحاد السوفياتي لم يكن حجر عثر أمام المشاريع فرنسا و بريطانيا ,كون أن موقف الاتحاد السوفياتي المؤيد لقرار تأميم قناة السويس لم يكن جديا , لأن خروتشوف يدرك خطر خوض حرب ضد أطراف تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية ,إلا أنه و رغم ذلك فان الموقف السوفياتي كان مؤيدا لمصر و في مرحلة مبكرة من الصراع حيث أبدى استعداده و مبادرته لتمويل مشروع السد العالي الذي تحقق مصداقيته فيما بعد حيث ساهم عام 1956 في ابراز طابع التاريخي الأساسي للصهيونية كحركة موالية للامبريالية الأمريكية التي أورثتها أهداف و مهام الاستعمار البريطاني في المنطقة العربية.

رغم الموقف السوفياتي المؤيد لمصر لم يساهم في كبح المؤامرة ضدها

رغم الموقف السوفياتي المؤيد لمصر ,إلا أنه لم يساهم في كبح المؤامرة الي كانت تحاك ضدها باشرت الدول المتآمرة (فرنسا و بريطانيا و اسرائيل) على تنفيذ خطتها(خطة سيفر) , فاشتركت هذه الدول في الهجوم الجوي استهدفت فيه المناطق الاستراتيجية بمصر,و قد بدأت عمليات شن العدوان على الميناء 1956/10/29 حيث ساهم هذا العدوان في امتداد نفوذ الاسرائيلي وصولا للدول الافريقية التي أقامت علاقات ديلبوماسية مع اسرائيل ,حيث انتهزت روسيا الفرصة للتدخل فأعربت عن رغبة في حل هذه المشكلة ,و ذلك بعقد اجتماع الدول الست :”روسيا ,أمريكيا,فرنسا إنجلترا الهند و مصر .” لمناقشة هذه المسألة و لكن الغرب رفض هذا الاقتراح لأنه لا يرغب في اشراك روسيا في مسائل البحر الأبيض المتوسط.

3) الاتحاد السوفياتي ومصر غداة العدوان

[3] ففي خضم الاحتفالات لثورة أكتوبر البلشفية , و الي توافق حسب التقويم الروسي 7 نوفمبر ,كان السفير المصري حاضرا بهذه المناسبة ,و قد لاحظ من خلال الاستقبال الحار و الترحاب الذي حظي به كم أصبحت مصر بمثابة الأسطورة في أعين المسؤولينالسوفييت.

من نتائج حرب السويس تدعيم التقارب المصري السوفياتي

و كانت احدى اللافتات المعلقة خلال الاحتفالات تقول كما يلي :” تهانينا الحارة للشعب المصري الذي دافع عن وطنه و سيادته و استقلاله بكل شجاعة.” كما تم اخبار عبد الناصر أنه سيتم تعويض مصر كل الخسائر التي تكبدتها أثناء عدوان السويس ,اذ ستعوض الطائرات دون مقابل بينما يتم تعويض بقية المعدات بنصف سعر التكلفة .و كان من نتائج حرب السويس أيضا تدعيم التقارب المصري السوفياتي  سيجعل منهما حليفتين قويتين في المرحلة الموالية.

و لكن هذا الانفتاح و الارتياح السوفياتي تجاه مصر كانت تشويه بعض السحب,اذ لم تكن موسكو مرتاحة جدا لموقف القاهرة من واشنطن ,حيث بدا و كأن مصر كانت تنظر بعين الرضا نتيجة الموقف الذي اتخذته ,إلا أنّ الموقف المصري كان يعكس بالضبط سياقا تاريخيا تمثل في انخراط القاهرة في سياسته عدم الانحياز و التي كان عبد الناصر أحد أبرز روادها كما تجلى ذلك في مؤتمر القمة لدول عدم الانحياز الشهير الذي انعقد في باندونغ سنة 1955 .

[2] وفاء مجاني ,مذكرة أطروحة لنيل شهادة الماجستار تخصص تاريخ معاصر بعنوان العدوان الثلاثي على مصر ,كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية –قطب شتمة-,2013-2014.

3] فرج معت

4) لمحة عن العلاقات في الستينات 

[4]  بلغت العلاقات الثنائية ذروتها في فترة الخمسينات -الستينات حيث أقيمت عديد الاتفاقيات الموقعة بين الحكومتين لتنشيط التعاون التجاري بين البلدين و تطوير التجارة المتبادلة و الشراكة في مجال التجارة المتبادلة و الشراكة في مجال تحديث الصناعة و تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين حكومتين روسيا و مصر و قرارات لجنة المشتركة الروسية.

ساعد ألاف الخبراء السىوفيات في انشاء المؤسسات الانتاجية ,و من بينها السد العالي في أسوان و مجمع الحديد و الصلب في حلوان و مجمع الألمنيوم بنجع حمادي و مد خطوط الكهربائية بأسوان – الإسكندرية تم في مصر انجاز 97 مشروعا صناعيا بمساهمة الاتحاد السوفياتي.و قد استفادت النخبة السياسية و العلمية و الثقافية في بلاد الأهرام و من بينهم الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي تخرج من أحد المعاهد العسكرية السوفيتية.

[5] اإحداث معهد الاقتصاد الدولي و العلاقات الدولية و الأكاديمية الروسية للعلوم كما تم تعيين فيتشسلاف ماتزوف رئيسا لجمعية للصداقة و العلاقات الأعمال مع البلدان العربية.

5) علاقتهما خلال حرب 5 جوان سنة 1967

عرفت هذه الحرب الثالثة بين إسرائيل و العرب و انتهت بهزيمة هؤلاء و فقد جزء من المجال الترابي (شبه جزيرة سيناء) و الجولان.تدخل الاتحاد السوفياتي للحد من الأزمة التي تمر بها الاتحاد السوفياتي في 10 جوان ألغت العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل و تهديدها بفرض عقوبات مع تحمل كل ما سيتبعه.

و لكن الرأي العام العربي اتهم فيها الاتحاد السوفياتي بمنح أسلحة منتهية الصلوحية و أنها تقاعست في مساعدة “أصدقائها العرب”ولكن في خطاب جمال عبد الناصر أعلنه في أفريل 1970 أشاد بالدعم السوفياتي خلال النكسة و بعدها خاصة في اعادة النظام .في 1969 ,طلب عبد الناصر من الاتحاد السوفياتي تزويده بأسلحة مضادة للطائرات و في فيفري 1970 أرسلت موسكو 18
مضادة S A 3 و 70 صائدة MIG21MF و 10 MIG 21 (أسلحة حديثة خلال هذه الفترة ), الى جانب طائرات مسيّرة من قبل طيّارين خبراء سوفييت في خدمة النظام المصري و قد قتل منهم 40 خلال صراع مع اسرائيل.

خاتمة

شهدت هذه الفترة أوّج التعاون في مواجهة القوى الامبريالية حسب رأيهم و لكن ستشهد هذه العلاقة انتكاسة في الفترة اللاحقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4 ] seeks to bring friendship with Russia to ‘Soviet level'”. 14 November 2013. مؤرشف منالأصل في 8 فبراير 2019. اطلع عليه بتاريخ 09 أكتوبر 2014.

^ХОЖДЕНИЕ НА ВОСТОК ГОСТЯ ВАСИЛИЯ ПОЗНЯКОВА С ТОВАРИЩИ(The travels to the Orient by the merchant Vasily Poznyakov and his companions) (بالروسية) نسخة محفوظة 29 يونيو 2017 على موقع واي باك مشين

SOURKOV, L’histoire méconnue des interventions militaires russes au Proche-Orient, site orient XXI. 28 AVRIL 2016[5

فيديو مقال علاقة الاتحاد السوفياتي بمصر الناصرية بين 1956-1970

 

 

 

أضف تعليقك هنا