هل أنا أنافقُ بفعلي؟

بقلم : سُمية بنت عبد الحفيظ تركستاني

أثناء ذهابي لعملي كل يوم , يمرُّ بي الطريقُ ببقعةٍ من الأرض تضمُّ بين جنباتِها كثيراً من أحبابي الذين ودعوا هذه الدنيا , وانقطع بهم العمل فيها , كلما مررت تسري قشعريرة في بدني ثم أغمض عيناي وأردد : ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين , وإنا إن شاء الله لاحقون , نسأل الله لنا ولكم العافية ) , لثوانٍ يأخذني التفكير بعيداً بعيدً , ( وإنا إن شاء الله لاحقون … لاحقون … ) ما هو حالي لو كان لَحاقي بهمُ اليوم ؟ ما حال صحيفتي؟ أبنائي؟ زوجي؟ والدايّ؟ أقاربي؟ أتنهد وأستغفر و أستغفر , وماهي إلا دقائقُ حتى ألتهي باتصالٍ أو حديث , ثم أغوص في دنياي , في الغفلة , في طولِ الأمل.

واجهت نفسي وسألتها هل أنا أنافقُ بفعلي؟

تكرر هذا كثيراً , إلى أن واجهت نفسي ذات يوم : هل أنا أنافقُ بفعلي ؟أيُعقلُ أن تنقلب حالي بهذه السرعة ؟ هل أنسى مصيري في ثوانٍ ؟!عجِبتُ من طول أملي ! وتعلقي بالدنيا مع يقيني بحتمية المصير , بل وقربه مني كقرب الوتين.

تفكرت في بني آدم كم هو ضعيف

حاول عقلي الوصول لجَذر المشكلة , تفكرتُ في بني آدم , ضعيفٌ هو مالم يطلبِ العونَ من ربه , ينسى سريعاً , يسلو سريعاً , يبني آمالاً كأمثالِ الجبال , وهو يعلمُ أنه -إن طال به العمر- فهو بين ستينٍ وسبعين , والأعجب أنه كلما تقدمت به السن , كلما تعلق قلبه بآماله وكبُر اغترارهُ بالدنيا , تذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لايزالُ قلبُ الكبيرِ شاباً في اثنتين : في حبِ الدنيا وطولِ الأمل ) , ولا يُقصدُ بطول الأمل التفاؤل والإيجابية , فهذ أمر غير مذموم , لأن الإنسانَ مُستخْلفٌ من قِبَل مولاه على عمرانِ هذه الأرض , وتنميتها بالخيرِ والصلاح , لكنَّ طول الأمل الممقوت هو الذي يجعلكَ تنغمسُ في دنياكَ وتنسى آخرتك , تكدحُ في الدنيا كأنك مخلدٌ فيها , فيحملكُ ذلك على تسويفِ العمل الصالح , حتى تأتيك المنيّةُ وأنت في غفلة , فتخسر العاجلة والآجلة.

لنشمّر سواعدنا لنبني حياة الآخرة

وعلاج الأمر , أن يستحضر العبد مصيره دوماً , بيقين يورث العمل الصالح , وأن يتأمل بعين البصر والبصيرة حال من سبق , وشدةِ حاجتهم للحياة بعد فراقها , وها نحن الآن في الحياة التي يتمنوها , فلنشمر سواعدنا لنبني حياة الآخرة.

بقلم : سُمية بنت عبد الحفيظ تركستاني

أضف تعليقك هنا