وباء الخرافة وفيروس القلق

فجأة يسدل الليل ستاره على محياي، بانسجام مع شهب لامعة محلاة بأمطار فاكهة، هنيهة كانت كفيلة لتحول المستقبل إلى أمس والإختبار إلى قرار

بلا شعور أتحدث مع صديقي الحاذق خلف أشعة الهاتف، بلا مقدمات يقول لي: سيدفعون الثمن. أنتقل برفقة أحاسيسي الطائشة لأستطلع الوضع على وسائل التباغض الإجتماعي بشتى تلاوينها ، فأجد الهرج والمرج وسيلا جارفا من التنديد ،أختصر مشاهداتي عبر القول لصديقتي الصحفية و بإنفعال شديد :غدا ستشاهدين الجواب الشافي.

هي لحظات أزمة تعددت الأقاويل حولها

مفردات صيغت بعد منتصف الليل، هي لحظات أزمة تعددت الأقاويل حولها بين شماعة المؤامرة ، مرورا بالغضب الإلهي ، وانتهاء باللامبالاة ، بين هذا وذاك محاولات جبارة تبذلها الجهات المختصة لإحتواء الجائحة : تعويض مادي لفاقدي العمل ، صندوق لمواجهة الوباء بملايير الدراهم واللائحة طويلة.

النصر شعارنا إذا تكاتفنا ساعداً بساعد

من خلف مكتبي التائه بالأوراق أستثمر الوضع الطارئ وأقول: يا له من وقت سمين، أخيرا سأتم أطروحتي المتعبة . في خضم الإنشغال أتابع تعابير الوجوه، وأتلقف هلع الأصدقاء ، وقلق المجتمع ، لكن الإرادة في قمة الجبل ، فالجميع متيقن أن النصر شعارنا ، إذا تكاتفنا ساعدا بساعد.

إنها مبالغات علينا فقط القيام ببعض الإحتياطات

إنغماسي على مدى طويل بدهاليز السياسة الدولية أبقاني خارج دائرة القلق، كيف لا؟ وقد تعرفت على “زميلي الفايروس” عن طريق الطبيب الصيني “لي وين ليانغ” في نوفمبر الماضي، أحاول مشاركة الانطباع ذاته مع الأحبة لعلي أخفف من هول الصدمة عبر القول : إنها “مبالغات علينا فقط القيام ببعض الإحتياطات الصادرة عن الجهات المعنية وما سوى ذلك محض ترهات”.

فجأة وبلا استئذان تدق على أبوابنا ساعة الإمتحان، جماهير غفيرة تنتهك الحجر الصحي وتتجمهر وراء ستار ديني طلبا من العلي القدير رفع الوباء، ثيولوجيا الدين فصلنا الثاني.

إنها حالة حائرة ومحيرة

عصف ذهني تلقائي يبحر بي، أسئلة متلاطمة تثقل مقلتي بلا مشورة ، صوب “الخرافة” و “الدين” و “الأساطير” ، المروحة الكبيرة لشتى أنواع الطين الفاخر والهجين ، أستمر في الدردشة مع الأصدقاء باطلالة فجر مثمر : “إنها حالة حائرة ومحيرة ” ذاتي العميقة تحدثني : الأمن الثقافي والمعرفي إلى انهيار هل من تفسير.

كتاب “سلام الإيمان”

انقشع النوم إلى أن تصالح معي بعد تخديره بكلام يعود لنيكولا دي كوزا صاحب كتاب “سلام الايمان”، فكرته المركزية حول دين واحد يمثل طقوسا متنوعة . حسنا، شاهدنا بالأمس وفي الأيام التي سبقتها، تجسيد البعض للمعتقد بروح قصصية شعبية ، يعتقدون بوقوعها في الماضي السحيق وباستمرار تأثيرها على مصائر البشر ، مجسدة للأسف حالة التيه والخوف التي تعيشها فئة نتقاسم معها عليل الهواء وثرى الوطن.

هل تعتبر الأساطير والخرافات بدعاً تناقض الدين والعقل والمنطق؟

هنا نعود للنقطة الفصل ، هل تعتبر الأساطير والخرافات بدعا تناقض الدين و العقل والمنطق وانعكاسا طبيعيا لحالة تيهنا ؟ هل هذا باكورة الإهتمام فقط بقارئي الفنجان والكف والرمل والدجالين الذين أثروا بفضل غبائنا ؟

ويا للمفارقة أجد جزءا من الإجابة بعد أن غصت في بطون التاريخ هذا الأسبوع ، فالدلائل والقرائن تعتبر قبائل بني إسرائيل من أكبر الجماعات التي عاشت حالة تيه وضياع على مر العصور، وابتكرت حلا لشتاتها وتيهها عبر التجارة والإبتكار والعلم والثقافة ، فحولت الأزمة الى فرصة تمكنت عبرها من السيطرة على أغلب مفاصل النفوذ والتأثير على الصعيد العالمي مازال صداها قائما إلى حدود كتابة هذه السطور.

لو أضفنا الى ما تقدّم ما جرى أمس، نجد أنفسنا أمام سقوط حر، بينما نظن أننا نصعد ونشجو. فإذا كان الخليفة عمر بن الخطاب ووالي مصر عمرو بن العاص في مراسلتهما، قد اعترفا ببراعة الفراعنة في زراعة الأرض واستغلال خيراتها واستعدادهما للاستعانة بهم والتحالف معهم لو عاصرا الحضارة الفرعونية ، فأين نحن من هذا على الأقل في القرن الواحد والعشرين؟

لا أنا ولا أنت ولا أي أحد يستطيع أن يقول أين تذهب الأمور

لا أنا ولا أنت ولا أي أحد يستطيع أن يقول أين تذهب الأمور، فالمثالية والواقعية سيظلان يتجاذبان مادام المجتمع بمعظمه على “الإيمان الخرافي” ، واعتباره المخالف “مهرطقا” يهدد ركائز نظامه الاجتماعي على حد تعبير المختص في تاريخ الأفكار الفرنسي جوزيف لوكلير.

كلنا أمل وثقة بعودتنا إلى نبض الشارع

كلنا أمل وثقة بعودتنا إلى نبض الشارع ، نتلاعب بجاذبيته قفزا ورقصا وجلوسا ومرحا ، بلا كمامات ملبدة بأجواء الإشاعات و الأزمات ، بعد أن نضم العقول للعقول وعلى قول تامسطيوس : “ليس الوجود تابعا للأراء بل الأراء الصحيحة تابعة للوجود” .

يحيى ابن عبد الوهاب دكتور باحث بجامعة عبد المالك السعدي

فيديو مقال وباء الخرافة وفيروس القلق

 

 

 

أضف تعليقك هنا